رسالة من فضيلة القائم بالأعمال فى آخر رجب

بسم الله الرحمن الرحيم

“إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لنا”

أيها الإخوان المسلمون:

إن الأجواء التي تحيط بالربيع العربي تشبه تلك الأجواء التي عاشها رسول الله صلي الله عليه وسلم والقلة المؤمنة معه, فقد تنكر له الأهل والأرض.. القريب والبعيد.. وأغروا به السفهاء، حتي دميت قدماه, فقام يدعو بدعائه الجامع، الذي يصف ويحكي حال الثوار الآن، الذين يصدعون بالحق في مصر، والمرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، والمحاصرين في غزة، والمحترقين في حلب وسوريا كلها، ومن يعانون في بغداد وأرض العراق، والمخطوفين والمشردين والمحاصرين في تعز وشمال اليمن وجنوبه، والممزقين بين شرق وغرب ليبيا، والذين تلاحقهم الفتن في تونس، كل هؤلاء لا يجدون تعبيرا عن حالهم إلا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

“اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس, أنت رب المستضعفين وأنت ربي, إلى من تكلني, إلى عدو ملكته أمري أم إلى بعيد يتجهمني, إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, لكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو أن يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك”.

فكانت معجزة الإسراء، التي تحقق بها اليقين في قلبه صلى الله عليه وسلم وقلوب القلة المؤمنة معه الذين صدقوه ونصروه, فقد جمع الله الأنبياء جميعا في بيت المقدس فصلى بهم, ثم عرج به إلى ما فوق سبع سماوات وفرضت على أمته الصلاة، فتواصلت الأجيال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقق قول الله تعالى “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” سورة الأنبياء.. “وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون” سورة المؤمنون.

فما أحوج المسلمين اليوم وقد بلغوا الملياري مسلم أن يلحقوا بأمتهم الواحدة خلف نبيهم صلى الله عليه وسلم، فينبذوا خلافاتهم، ويحتضنوا ثوراتهم، ويرددوا دعاءهم: “إن لم يكن بك علينا غضب يا ألله فلا نبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لنا”، فعافية الجماعات والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في وحدة صفها، والتزامها بمبادئها ونظمها التي لا تتعارض مع دينها، وكل هذا لا يمنعها من التعاون فيما اتفقت عليه، ويعذر بعضها بعضا فيما اختلفت فيه.

وعافية الثوار في استمرار نضالهم وتضحياتهم، حتي يسقطوا كل جبار عنيد، ويستعيدوا حريتهم وكرامتهم وعدالتهم الاجتماعية، وعافية الشعوب في وعيها واحتضانها لثوراتها، وتعارفها فيما بينها، ونبذها للطائفية المهلكة، والعرقية المنتنة، والجاهلية العمياء “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، سورة الحجرات.

وعافية الأوطان في الحفاظ على أرضها ومقدراتها وثرواتها والدفاع عنها، وعدم التفريط في شبر من ترابها لعدو أو صديق، وعافية النظم والحكومات في استجابتها لشعوبها، وإقامة العدل وتحقيق الرفاهية، ومنع الفساد والإسراف، وألا يبتغوا العزة عند أعداء الأمة “فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين”.

فإذا تحققت العافية للجماعات والأحزاب والقوي السياسية والاجتماعية والشعوب والنظم والأوطان، تحققت العافية للأمة الإسلامية، وكانت بحق “خير أمة أخرجت للناس”، وأدت رسالتها التي كلفها الله بها، وتحققت شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، وهي الأمة الشاهدة على البشرية جميعا “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ”

ثم يأمرنا ربنا بأركان النصر الثلاثة: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والاعتصام به سبحانه، حتى يتحقق لنا ولايته ونصرته وهو نعم المولى ونعم النصير “فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ” صدق الله العظيم.. والله أكبر ولله الحمد.

د. محمود عزت

القائم بأعمال فضيلة المرشد

القاهرة في: 29 رجب 1437هـ

6 مايو 2016م