في مثل هذه الأيام منذ خمسة وستين عاما استُشهد الإمامُ حسن البنا رحمه الله، بعد أن قام المفسدون بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين، وحُظِرت أنشطتُها، وصُودرت أموالها ومقارُّها، واعتُقل إخوانه في السجون بأمر من قوى الاستعمار الغربي، بعدما استشعرت خطورة هذا الرجل وهذه الجماعة على مصالحها، لأنها كانت تعمل على تحرير الأوطان، وعزة الإنسان، وكرامة وسيادة الشعب، ومكافحة الفساد، والأخذ بكل أسباب التقدم والرقي، تطبيقا لمنهج الإسلام العظيم.


وللأسف الشديد فقد نفذت الحكومات المصرية العميلة المتعاقبة هذا المخطط الإجرامي، وقد تنبأ الإمام البنا رحمه الله بكل ما حدث، يوم قال لإخوانه:  «أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقي منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيراً من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات ... سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات علي السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاصبون بكل الطرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين علي قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة:32). وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون، وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدي هذا الامتحان»


واليوم يتكرر المشهد في صورة أبشع وجريمة أشنع، فقد تآمرت قوى عالمية وإقليمية ومحلية على هذه الدعوة وأنصارها، لأنها حازت على ثقة الشعب المصري في خمسة انتخابات واستفتاءات حرة نزيهة، وانتخب منها أول رئيس مدني بطريقة شرعية، تبنى سياسة التحرر من التبعية للغرب والاستقلال عن هيمنته، وسعى للاستغناء عن الحاجة إليه، وأطلق الحريات واحترم الحقوق، وشرع في إقامة مشروعات قومية عملاقة، كل ذلك في إطار الحفاظ على الهوية الإسلامية والحضارية، الأمور التي رآها الغرب خطرا على مصالحه، ورأتها دول إقليمية خطرا على أنظمتها، ورأتها قوى داخلية تهديدا لمصالحها وتبديدا لمستقبلها السياسي، فتحالفت مع مجموعة من قيادات الجيش على القيام بانقلاب عسكري، ارتكب أبشع المجازر والاعتقالات والمصادرات والتعذيب للمعارضين له من الشعب المصري الحر، ونال الإخوان المسلمين من ذلك القسطُ الأكبر من التنكيل، فإضافة إلى ما سبق أصدروا قرارا إداريا باعتبار الجماعة إرهابية.


إن الذين اغتالوا الإمام البنا، والذين حلوا الجماعة في السابق، والذين ينكلون بها الآن، تصوروا أنهم سيقضون على الدعوة، ويفصلون الشعب عن الإسلام، ويحولون مصر إلى دولة علمانية، تتبعها في ذلك باقي دول العرب والإسلام، ولم يتصوروا أن دعوة الإسلام ستقوى شجرتها وتمتد فروعها وأغصانها، ليس في مصر فقط ولا في الدول العربية والإسلامية فحسب، ولكن في قلب دول الغرب ذاتها، لأنها دعوة حق تتجاوب معها الفطرة الإنسانية السليمة.


إن كل ما يخططون له سيبوء بالفشل، فلا يزال الشعب المصري –وفي القلب منه الإخوان المسلمون- يقاومون الانقلاب العسكري الدموي للشهر الثامن على التوالي، مقاومة سلمية، رغم استخدامه قوات الجيش والشرطة وأعتى الأسلحة في قتلهم في الشوارع والمعتقلات.


ونحن الإخوان المسلمين سنظل بإذن الله صفا بعد صف وجيلا بعد جيل متمسكين بمنهج الإسلام ومبادئه التي أحياها الإمام الشهيد رحمه الله، من شمول الإسلام وتنظيمه لكل جوانب الحياة، والتربية الربانية التي تصوغ النفس البشرية على أرقى الأخلاق والقيم، والالتزام بالعبادة، والارتباط المتين بالله رب العالمين، وإصلاح الفرد حتى يكون قوي الجسم, متين الخلق, مثقف الفكر, قادرا على الكسب, سليم العقيدة, صحيح العبادة, مجاهدا لنفسه, حريصا على وقته, منظما في شؤونه, نافعا لغيره، وإصلاح الأسرة، وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه, وتحرير الوطن، وإصلاح الحكومة حتى تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها.


سنظل نقتدي بقوله عن نفسه: « أنا مواطن ينشد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الإسلام الحنيف».


سنظل مؤمنين بأن الحرية فريضة من فرائض الإسلام، لا يمكن التفريط فيها أو التنازل عنها.


سنظل نوقن بأن دعوتنا دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.


سنظل ندعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ولن نلجأ إلى العنف أو الإرهاب.


سنظل نسدي الخير لكل الناس في كل المجالات الثقافية والدعوية، والاجتماعية والصحية والتعليمية، كما قال تعالى  ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾  [الحج : 77]، وكما علمنا الإمام الشهيد: «كونوا مع الناس كالشجر، يرمونه بالحجر فيرميهم بالثمر».


سنظل نردد مع الإمام الشهيد قوله: «فلسنا نسأل الناس شيئا، ولا نقتضيهم مالا، ولا نطالبهم بأجر، ولا نستزيد بهم وجاهة، ولا نريد منهم جزاء ولا شكورا، إن أجرنا في ذلك إلا على الذي فطرنا.


ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء ... وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، و لن نكون عليكم في يوم من الأيام.


ولسنا نمتن بشيء، ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلا، وإنما نعتقد قول الله تعالى ﴿بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات:17)».


سنظل نؤمن بأن الشعب هو السيد، وأن إرادته هي الشرعية، وأن حريته مقدسة، وأن الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه، وأن آلياتها من انتخابات واستفتاءات حرة نزيهة هي الوسيلة الوحيدة للتعرف إلى إرادته، وأنه لا يجوز استخدام القوة في العمل السياسي، ومن ثم فليس للجيش أن يتدخل في السياسة، لأن وظيفته الحماية للوطن والشعب، وليست السياسة أو قتل الشعب، فإن فعل ذلك فقد خان الله والشعب والوطن والواجب والأمانة.


سنظل بإذن الله معتصمين ثابتين على مبادئنا، رغم فداحة الظلم الذي لحق بنا، ومحاولات الاستئصال التي تدور من حولنا، وسنسعى لدحر الباطل بحقنا بكل سلمية، فالحق فوق القوة، والشعب فوق الجيش، وفوق الحكومة.


سنظل نستمد من استشهاد إمامنا الشهيد وأساتذتنا الكرام والشهداء الأبرار في ثورة يناير وحتى الآن زادا نستعين به بعد الله على الثبات والصمود ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق : 3]، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران : 169، 170]


والله أكبر ولله الحمد.