مؤامرة محبوكة على الربيع العربي

دعوة للتعقل وتغليب مصلحة الأوطان 

ها هي أيام الخير والبركة من ذي الحِجّة الحرامِ تهلُ علينا، والدماء الحرام تسيل في أنحاء أمتنا، بعضها على يد ما يسمى بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ومعظمها للأسف يسيل على أيدي مسلمين، أحيانًا من أجهزة حكومية مستبدة، وأحيانًا من منظمات وميليشيات طائفية أو متطرفة، لا يبدو أنها ظهرت صدفة، بل هي صنائع جهات محلية وإقليمية ودولية، تحاول التصدي للصحوة العربية والإسلامية، وعرقلة ما آل إليه الربيع العربي من يقظة دفعت الشعوب لاستعادة قرارها وسيادتها والتفكير في الاستقلال السياسي والريادة الحضارية، مما أزعج أصحاب المصالح غير المشروعة والمال الفاسد داخل دول الربيع، وسدنة الاستبداد في الإقليم، ورعاة المشروع الصهيوغربي عالميًّا، فتآمروا جميعًا على إراقة دماء الثوار الأحرار في مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن، دون أن تمنعهم من ذلك حرمة الدماء ولا حرمة الزمان، وفي مخالفة صارخة لهدي الإسلام العظيم، الذي قال نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في يوم النحر: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". 


دعوة للتعقل والتأمل وتغليب مصلحة الأوطان:
في ظل هذه الأجواء الدموية فإننا ندعو كل منتسب للإسلام وكل حريص على الأمة- سواء من الحكومات أو من جهات أخرى- إلى تقوى الله، وأن يتخذوا من هذه الأشهر الحرم وهذه الأيام المباركة فرصة للَجْمِ شهوة القتل وسفك الدماء، وحسن النظر إلى عواقب الأمور، وتغليب مصلحة الأمة والوطن على ما عداها في أنحاء أمتنا، وعدم الانخداع أو الاستسلام للمشروعات الإقليمية والدولية المشبوهة الساعية لتمزيق الأمة واحتلالها وتغييب إرادتها الحرة، ونهب ثرواتها الطبيعية.


ونذكر بالحديث الشريف: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ». فقالوا: يا رسول الله.. ولا الجهاد في سبيل الله؟! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".


وهل هناك أفضل وأصلح من العمل على حقن الدماء المعصومة، ورد الحقوق المغصوبة، والقصاص من القتلة المجرمين، وبسط العدل بين الناس، ورفع الظلم عن المظلومين، ونصرة الحق المضيع، وتحقيق وحدة الأمة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾؟.


فرصة للثوار الأحرار للتعرض لنفحات الله: 

في هذه الأيام الكريمة ندعو الثوار الأحرار لوحدة الصف الثوري، لتحقيق أهداف الثورة السلمية المباركة، وإذا كان الاعتمادُ على البطش والعنف والقوةِ وإراقة الدماء سبيل الانقلاب الدموي لاغتصاب حقوق الشعب، ومحاولة إسكات الثورة، فمصيرُه حتمًا- عاجلاً أو آجلاً- إلى التهاوِي والهوانِ أمام تماسك الثوار وقوة إيمانهم وسمو مبادئهم، وصدق الله حيث يقول: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.


وهذا يؤكد حاجتنا إلى القوة الإيمانية والروحية لدفع حركتنا الثورية المبدعة في الميدان، فبهذه القوة نستلهم روح الثبات، ونستنزل أسباب النصر الإلهي، وفي الحديث: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا، فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا".


والتَّعرُّضُ لنفحاتِ رحمةِ الله يكون أيها الثوار الأحرار بصور متعددة:

-  فيكون بكثرةِ الدُّعاءِ والسؤالِ في هذه الأيام الفاضلة؛ «لَعَلَّ دَعْوَةً أَنْ تُوَافِقَ رَحْمَةً يَسْعَدُ بِهَا صَاحِبُهَا سَعَادَةً لَا يَخْسَرُ بَعْدَهَا أَبَدًا». فاجعلوا لأُمَّتِكم ولثورتكم نصيبًا موفورًا من الدَّعواتِ المباركةِ في هذه الأيَّام، وكونوا على تمام الثقة في نصر الله، وعدم اليأس مهما روج المحبطون والمضللون، فالقرآن ينادينا: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾، ويوجِّهنا إلى: ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ﴾.


-  ويكون بالإكثار من ذكر الله فيها، فهو سبيل مهم لنصر الله للمظلومين، فقد قال تعالى: ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ. إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، وفي الحديث: «أَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ»، وإن كنتَ قلقًا فإن الله يناديك: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾.


-  ويكون بصيام هذه الأيام وقيام لياليها، فأفضل ما يكون الصيام والقيام في هذه الأيام الفاضلة المباركة، وفي الحديث: «يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ".


وأغلى ما تكون دقائقُ الليل في الليالي الفاضلة، فاجتهدوا أيها الثوار الأحرار في القيام والتذلل والتضرع بين يدي الله حيث: «يَنْزِلُ رَبُّنَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟». وما أحوجنا معشر الثوار إلى معونة الله تعالى والاستغاثة به سبحانه، والاستعانة بسهام السحر لتفريج كروب الأمة، وقطع دابر الظالمين.


- ثم إن هذه الأيام الكريمة فرصة لاستعادة أخلاق الإسلام التي يسعى الانقلاب ورعاته إلى تجاوزها، وترسيخ الفساد في الأمة، ولنذكر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل عن أكثرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ الجنَّةَ؟ قال: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ»، وقال: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».


- وبعدما سعى الانقلاب الدموي لتعميق الانقسام والفرقة بين أبناء الوطن، بل بين أبناء الأسرة الواحدة؛ فإن من أعظم الأخلاق التي يجب  استغلال هذه الأيام الفاضلة في ترسيخها: صلة الرَّحِمِ، فقد قَرَن الله تعالى قَطْع الأرحام بالفساد في الأرض، وفي الحديث: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ! قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ». قال أبو هريرة: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.


وحتى لو كان أرحامك ممن خدعهم الانقلاب الدموي فقطعوك، فالوصل الحقيقيّ هو وصل من قطعوك، ففي الحديث: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ؛ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».


نسأل الله العظيم أن يقطع دابر الظالمين، وأن يحفظ أمتنا أمة واحدة حرة منصورة، وأن يدفع عنها شر الأشرار والمعتدين. 


والله أكبر ولله الحمد.