يعمل الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز على تلميع صورة نجله ولي العهد محمد بن سلمان، بعد سلسلة الأحداث التي تورط فيها.
 
ويرى الكاتب الفرنسي جورج مالبرينو أن مقتل الصحفي جمال خاشقجي كان كارثة هزت صورة محمد بن سلمان، ومع أنه لا يزال متنفذا فإن مستقبله أصبح غامضا.

وفي تقرير نشرته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية للكاتب مالبرينو، أكد أحد المقربين من مؤسسة الحكم في الرياض أن "محمد بن سلمان قدم وعودا للداخل والخارج، إلا أنه فشل في حربه ضد مليشيات الحوثي في اليمن، وفي حصاره على قطر، كما أن السعوديين الذين ينتظرون منه إحراز تقدم في قطاعي السكن والصحة لم يروا سوى الإعلانات الدعائية، على غرار مشروع بناء مدينة "نيوم" الجديدة التي ستكلف خمسمائة مليار دولار. 

وأفاد الكاتب بأن العديد من الشباب، خاصة النساء، الذين باركوا إصلاحات ولي العهد أضحوا منتقدين له بعد اعتقال وتعذيب الكثير منهم، ولكن "لا أحد يتجرأ على البوح بكلمة، حيث باتت السعودية الآن شبيهة بعراق صدام حسين"، على حد تعبير المسئول السعودي.
 
وأشار مالبرينو إلى أنه على رصيف موانئ كل من الرياض وجدة تنتشر العشرات من الطائرات الخاصة التي لا يمكن لمالكيها مغادرة السعودية، ففي داخل العائلة المالكة ذاتها يُحظر السفر على العديد من الأمراء، ويعيش بعضهم تحت الإقامة الجبرية، في حين يُجبر البعض على ارتداء سوار إلكتروني لتحديد مكانه، كما ترافق الشرطة آخرين خلال تنقلاتهم داخل المملكة. 

تجدر الإشارة إلى أن العديد من الأمراء ورجال الأعمال المؤثرين الذين يعيشون في الخارج، وتحديدا في باريس ولندن، يرفضون العودة للسعودية خوفا من تعرضهم للإيقاف على غرار ما حصل للعديد من أفراد العائلة المالكة نهاية سنة 2017. 

وبالنسبة لرجال الأعمال الذين ما زالوا في السعودية، فلم يعودوا يرغبون في الاستثمار بسبب سياسة محمد بن سلمان، أما الشركات الأجنبية التي تستثمر في الخليج العربي فقد نقلت نحو ثلثي استثماراتها إلى دبي بدل السعودية؛ ومن هنا بدأت المتاعب تلاحق ولي العهد الشاب.

ونقل مالبرينو عن المصدر السعودي نفسه أنه "خلال حرب الخليج الثانية سنة 1991 لم يُنقل المال السعودي إلى خارج المملكة رغم سقوط صواريخ سكود على الرياض، أما الآن فيعمد العديد من السعوديين إلى تحويل أموالهم إلى خارج المملكة؛ مما يدل على انعدام الثقة في محمد بن سلمان". 

وأشار الكاتب إلى أن مشروع "رؤية 2030" الهادف إلى تحديث اقتصاد المملكة استعدادا لمرحلة ما بعد النفط، يحتاج لدعم القطاع الخاص والتمويل، ونقل عن المصدر السعودي أن "رجال أعمال القطاع الخاص ينتظرون تغيير ولي العهد أسلوب حكمه".
 
مستقبل غامض
 
ويتساءل الكاتب الفرنسي عما إذا كان هناك أمل في تغيير الأمير صاحب الـ 33 سنة، وصديق الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.

وأضاف مالبرينو أن محمد بن سلمان يعيش داخل العائلة الحاكمة مترنحا بين فرض قوته والعزلة، كما يقول المصدر السعودي أن الملك على علم بالتحركات التي يتم اتخاذها ضد ابنه، حيث أجرى الملك عدة تعيينات جديدة، من بينها تعيين إبراهيم العساف وزيرا للخارجية، الذي سبق له أن تولى وزارة المالية، كما عيّن مساعد العيبان مستشارا للأمن الوطني، مما يؤكد نية الملك لإعادة دمج مسئولين سابقين مقربين من حاشية الملك الراحل عبد الله. 

واعترف المصدر السعودي بأن هناك فعلا "إرادة لمنح محمد بن سلمان منصبا أقل أهمية". أما بالنسبة لخالد بن سلمان، الأخ غير الشقيق لولي العهد والسفير السابق للرياض في الولايات المتحدة، فهو يلعب دورا متقدما خارج المملكة، ولكن واشنطن تعتبره من بين أبرز المتورطين في اغتيال خاشقجي، وترفض رؤيته وزيرا للخارجية.

وقال مالبرينو إن الملك البالغ من العمر 83 سنة أنهكه المرض، ولكنه مع ذلك يجد نفسه مجبرا على مواصلة دعم نجله. في المقابل، لا زال ولي العهد يحتفظ بورقة رابحة تتمثل في غياب منافس له. 

في الوقت نفسه، بيّن المصدر المقرب من العائلة المالكة أن المشكلة الكبيرة الأخرى لابن سلمان هي صورته المشوهة في أذهان الأوروبيين، التي "انهارت تماما في الولايات المتحدة". مضيفا "نعلم جميعا أن الكلمة الأخيرة للبيت الأبيض، مما يعني أنه في حال لم يفز ترامب بانتخابات 2020، فإنه من المنتظر أن يقف الرئيس الأمريكي الجديد ضد تسمية محمد بن سلمان ملكا للسعودية"، ويرجح العديد من الخبراء هذه الفرضية. 

وأفاد الكاتب بأن حالة الشك التي تحوم حول مستقبل محمد بن سلمان بدأت تقلق جيرانه، خاصة الإماراتيين الذين راهنوا عليه، ولكنهم الآن يتساءلون: هل سينجح حليفهم السعودي في خلافة والده؟ والأمر الوحيد المؤكد يتمثل في أن محمد بن سلمان اكتسب الكثير من الأعداء.
 
وتحدثت مصادر الصحيفة عن محاولة اغتيال ولي العهد الشاب، الذي يتمتع بحماية أمنية من حراس خاصين سبق لهم العمل مع الشركة الأمنية الأميركية "بلاك ووتر". ومن المؤكد أنه لا يزال يتذكر جيدا أن الملك فيصل اغتيل على يد ابن أخيه سنة 1975.