بعد تقريرها عن "الرصاصة" التي توعّد بها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الصحفي جمال خاشقجي، قبيل اغتياله بسنة، انتقدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، "التغطية البالية" من جانب المملكة للجريمة، بينما طالبت "واشنطن بوست"، الكونجرس بمواصلة الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب بالقضية.

وفي افتتاحيتها، أمس السبت، قالت "نيويورك تايمز"، إنّ "وريث العرش السعودي، وأصدقاءه في البيت الأبيض، ظنوا أنّ الاحتجاج على القتل الوحشي لجمال خاشقجي سيتلاشى مع الوقت، وأنّ محمد بن سلمان سيكون مطلق اليدين في مواصلة نهجه الاستبدادي وقمع النقّاد والمعارضين، من دون عقاب. لقد كانوا مخطئين في حساباتهم".

وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر، على خنق خاشقجي بوحشية وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول، والتخلّص من جثته، إلا أنّ "الأكاذيب الصريحة" من السلطات السعودية لتحييد وليّ العهد، و"الحجج الواهية" التي أطلقها ترامب بأنّ "السخاء السعودي أكثر أهمية من العدالة"، عزّزت المطالب المكثفة لتحقيق محاسبة كاملة في القضية، وفق الصحيفة.

وقالت الصحيفة إنّ "على وليّ العهد السعودي أن يعلم بأنّ كل ثروته النفطية وأصدقاءه الأقوياء لن يغسلوا دماء الصحفي المقتول".

وكانت "نيويورك تايمز" قد أفادت في تقريرها، بأنّ ابن سلمان أبلغ أحد مساعديه قبل عام، أنّه سيستخدم "رصاصة" ضد خاشقجي إذا لم يعد للوطن ويتوقف عن انتقاد الحكومة.

ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين وأجانب حاليين وسابقين مطّلعين على تقارير مخابرات، قولهم إنّ تصريحات وليّ العهد لمساعد بارز في 2017 كانت قبل مقتل خاشقجي في أكتوبر الماضي، في القنصلية السعودية بإسطنبول.

وقالت الصحيفة، إنّ المخابرات الأمريكية رصدت هذه التصريحات، وإنّ خبراءها فسّروها تفسيراً مجازياً، يعني أنّ ولي العهد لم يكن يقصد بالضرورة إطلاق النار على خاشقجي، لكنهم يعتقدون أنّ التصريحات أظهرت نيته في الأمر بقتل الصحفي إذا لم يعد إلى المملكة.

وفي افتتاحيتها، امس السبت، لفتت "نيويورك تايمز" إلى أنّ تقييم وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، جاء على الرغم من الجهود التي يبذلها ترامب لتقويض الاتهامات ضد وليّ العهد، الذي كان قد أقام علاقة وثيقة مع الرئيس، وجاريد كوشنر صهره وكبير مستشاريه.

وأشارت الصحيفة، إلى أنّ المقررة الخاصّة للأمم المتحدة حول عمليات الإعدام من دون محاكمة، أجنيس كالامار، أكدت أنها تملك "أدلّة" تظهر أن جريمة قتل خاشقجي "قام ممثلون لدولة المملكة العربية السعودية بالتخطيط لها وتنفيذها".

وقالت الصحيفة إنّ "تصعيد الضغط هذا على السعودية، أمر محط ترحيب"، مشيرة إلى أنّ فريق كالامار سيقدّم تقريره النهائي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يونيو المقبل.

وترى أنّ "هذا الضغط يجب أن يستمر"، معتبرة أنه يجب على الكونجرس الأمريكي أن يواصل مطالبة "سي آي إيه" بكشف تسجيلاتها المتعلقة بجريمة قتل خاشقجي، مع تحديد هويات جميع المسئولين عنها.

وختمت بالقول، إنّ تحقيق كالامار "ينبغي أن يحظى بالدعم الكامل من الحكومات التركية والسعودية والأمريكية وغيرها، ويجب على جميع المتأسفين على مصير خاشقجي، أن يطالبوا الرياض بوقف قمع السعوديين الذين كان يتحدث باسمهم".
صحيفة "واشنطن بوست"، التي كان خاشقجي أحد كتاب الرأي فيها، قالت بدورها في افتتاحيتها، امس السبت، إنّ الدليل العلني المتوفر حالياً، على أن محمد بن سلمان يتحمل مسئولية مقتل الصحفي السعودي، يتكشّف شيئاً فشيئاً.

ولفتت كذلك، إلى تقرير "الرصاصة" لصحيفة "نيويورك تايمز"، مذكّرة بأنّ السلطات السعودية اعترفت بأنّ جريمة قتل خاشقجي تم تنظيمها والإشراف عليها، من اثنين من أقرب مساعدي وليّ العهد، أحدهما سعود القحطاني.

وذكّرت كذلك بأنّ الاستخبارات الأمريكية، وجدت أنّ ابن سلمان والقحطاني، تبادلا العديد من الرسائل النصّية مباشرة قبل وبعد قتل خاشقجي، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وأشارت إلى أنّ مجلس الشيوخ الأمريكي، قد توصل إلى "النتيجة الواضحة" في ديسمبر الماضي، عندما تبنّى بالإجماع قراراً يحمّل وليّ العهد السعودي المسئولية عن مقتل خاشقجي، الذي كان أيضاً مقيماً في الولايات المتحدة.


ولفتت الصحيفة إلى أنّ إدارة ترامب، على الرغم من ذلك، "تواصل إنكار الحقائق، والتفويض القانوني للتصرّف حيالها"، مشيرة إلى أنّ البيت الأبيض رفض، الجمعة، إصدار تقرير يلوم محمد بن سلمان، رداً على طلب رسمي من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

وكانت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، قد نقلت عن مسئول قوله إنّ "الرئيس يحتفظ بحقه في رفض الالتزام بطلبات لجان الكونجرس عندما يرى ذلك مناسباً".
ورأت "واشنطن بوست" في افتتاحيتها، أنه "ينبغي على الكونجرس عدم قبول هذا الرد"، موضحة أنه بموجب قانون "جلوبال ماجنيتسكي"، وهو قانون ناظم للمحاسبة في انتهاكات حقوق الإنسان، يتعين على الإدارة الأمريكية الرد على استفسارات الكونجرس حول جرائم مثل جريمة خاشقجي، من خلال تحديد المسئولين عنها ومعاقبتهم.
وكان البيت الأبيض قد أعلن العام الماضي، فرض عقوبات على 17 شخصاً على خلفية تورّطهم في قتل خاشقجي، بينهم القحطاني. ولكن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وفي طلب قدّمه كل من السناتور بوب كوركر، والسناتور روبرت مينينديز، طالبت البيض الأبيض أيضاً بشكل منفصل، بتحديد مسئولية محمد بن سلمان بموجب القانون، وقد انتهى الموعد النهائي للرد، الجمعة الماضية.

ووصفت "واشنطن بوست"، عدم إجابة البيت الأبيض على الطلب بـ "مراوغة سافرة" تتجاهل استنتاجات "سي آي إيه"، والأدلة الوفيرة التي تدعمها.

ورأت أنّ البيت الأبيض "يسخر" من قانون "ماجنيتسكي"، وكذلك من مبادئ الولايات المتحدة، من خلال "التغطية" على ولي العهد، لحماية "العلاقات الدافئة" بينه وبين ترامب، وكذلك صهره جاريد كوشنر. 

وقالت إنّ ترامب برّر، مراراً وتكراراً، هذه العلاقة بحجة الوعود السعودية "المبالغ فيها" لشراء أسلحة من الولايات المتحدة، "الأمر الذي يجعل الفساد الأخلاقي لموقفه أكثر حدة".

ووصفت الصحيفة العرض السعودي لمحاسبة قتلة خاشقجي، بأنه "محاكاة ساخرة"، مشيرة إلى أنّ الرياض أجرت محاكمة سرّية لـ11 مشتبهاً به مجهول الهوية، على ما يبدو لم تشمل القحطاني أو أي شخصية بارزة أخرى.

والآن، فإنّ إدارة ترامب التي تدّعي أنها تسعى إلى تحقيق العدالة، أوضحت مرة أخرى أنّها لن تسعى وراءها، بحسب الصحيفة، خاتمة بالقول إنّ هذا لا يترك مجالاً أمام الكونجرس: مجلس الشيوخ وكذلك مجلس النواب، سوى بالعودة إلى التحقيق في مسئولية محمد بن سلمان، وضمان أن تلحقه تداعيات في أعقاب النتائج.