بمناسبة إقامة أول معرض للكتاب بمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير لا بد أن نتذكر ونُذكِّر بأعلام الثقافة الحقيقيين في مصر، آن لنا أن نتحدث عن هؤلاء الأعلام الذين جاهدوا في سبيل نشر الثقافة والوعي بين الشباب؛ للحفاظ على هوية الأمة العربية والإسلامية، آن لنا أن نتحدث عمن جاهد بالنفس والمال والوقت لنشر الفكرة الإسلامية.

 

أظن أنه ما من مثقفٍ مصري إلا ويعرف مكتبة وهبة، بأن نهل من كتبها.

 

من منا لم يقرأ عن هذه الكتب وهؤلاء المؤلفين.

فالكتاب (من هنا نبدأ) للكاتب الشاب آنذاك الأستاذ خالد محمد خالد، ثم نشر الكتاب التالي للشيخ محمد الغزالي (من هنا نعلم)؛ ردًّا على كتاب الأستاذ خالد محمد خالد.

 

(شبهات حول الإسلام)، (السلام العالمي والإسلام)، (قبسات من الرسول) لمحمد قطب، (المستقبل لهذا الدين)، وأيضًا (جاهلية القرن العشرين) للأستاذ محمد قطب.

 

من منا لم يقتنِ أو يقرأ كتاب (في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب)، وكذلك (معالم في الطريق) و(المستقبل لهذا الدين).

 

أما عن المؤلفين والأساتذة الذين نشر نتاج أفكارهم ودعوتهم: الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق، والأستاذ الشهيد سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، والدكتور محمد يوسف موسى، وفضيلة الشيخ السيد سابق، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي، والأستاذ البهي الخولي، والأستاذ محمد صادق عرجون، والأستاذ أحمد عبد الجواد الدومي، والأستاذ خالد محمد خالد، والأستاذ محمد فتحي عثمان، والأستاذ عبد الوهاب النجار، والأستاذ أبو الحسن الندوي، والدكتور نجيب الكيلاني، والأستاذ مالك بن نبي، والدكتور مصطفى السباعي، والشيخ أحمد حسن الباقوري، والأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ علي الطنطاوي.. كل هؤلاء وغيرهم الكثير طبع لهم وتعامل معهم حتى محنة 1965م.

 

ومن الذين نشر لهم أيضًا بعد المحنة: الدكتور محمد البهي، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ سعيد حوَّى، والدكتور محمد حسين الذهبي، والشيخ مناع القطان، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ عطية صقر، والدكتور علي جريشة، والدكتور عبد العظيم المطعني، والأستاذ عبد البديع صقر، والدكتور عبد المتعال الجبري... وغيرهم كثير جدًّا من المؤلفين.

 

إن إجمالي ما تم نشره خلال حياته تجاوز الآلاف من الكتب في شتى العلوم والمجالات، سواء كانت في الإسلاميات أو علوم القرآن أو علوم اللغة والبلاغة أو علم الاجتماع والقانون أو كتب التراث الإٍسلامي.

 

أخلاقه ومواطن القدوة للناشرين

كان منهجه أنه داعية وليس تاجرًا يجمع الأموال، وكان يقول- رحمه الله- دائمًا: "أنا صاحب دعوة وفكر"، وكان يترجم ذلك في جميع الكتب التي قام بنشرها وأيضًا بتسعيره للكتب.

 

كان طوال هذه الفترة يعمل في صمت، وكان مثالاً للناشر الأمين الذي يخاف الله، وكان رحمه الله مدرسة كبيرة في مهنة نشر الكتاب. وكان لا يبخل على أحد في مهنته، سواء من أصحاب المطابع أو تجار الورق أو من المؤلفين.

 

ومن أقواله حينما كان يطبع كتابًا جديدًا: "اليوم رزقت بمولود، اللهم انفع به وانفعنا بالعلم الذي فيه".

 

ومن أقواله أيضًا حينما كان يضع سعرًا للكتاب: "إنني أحاسب نفسي، وكأنني في القبر، وإنني لو أستطيع توفير أي قرش للقارئ ما تأخرت أبدًا".

 

علمًا بأنه عرض عليه طبع كثير من الكتب التي تدر ربحًا وفيرًا، ولكنه رحمه الله كان يرفض نشرها، ويقول: "أنا لستُ جامعًا للمال، ولكنني صاحب فكر ودعوة ورسالة".

 

وكان دائمًا يردد: لو صح العمل لأمرت أن يوضع معي في القبر كل ما طبعت، وأهمهم كتاب (الحلال والحرام في الإسلام)، وكتاب (المرأة في التصور الإسلامي).

 

محن الاعتقال والسجن مع الإخوان

* الاعتقال سنة 1948 عقب قرار حل جماعة الإخوان المسلمين.

* السجن سنة 1955 عقب حادث المنشية فألقي القبض عليه، وتم حرق المكتبة والمخازن، وتمت محاكمته بتهمة مساعدة أسر الإخوان المقبوض عليهم، حيث كان يدفع 25 قرشًا شهريًّا لمساعدة أسر الإخوان، الأمر الذي لم تَرْضَه حكومة الثورة، وكان عدد الذين تم القبض عليهم ما بين 250- 300 فرد، وكانت التهمة قلب نظام الحكم، وقد عقدت لهم محكمة عسكرية حكم عليهم بأحكام مختلفة، تراوحت من السجن خمس إلى عشر سنوات أشغال شاقة لكل من دفع خمسة قروش أو عشرة. وحكم عليه بالسجن خمس سنوات أشغال شاقة قضاها كاملة في سجون مصر- سجن القناطر- سجن المنصورة- سجن قنا سجن أبي زعبل- سجن محكمة الاستئناف بغرفة الإعدام.

 

وقد أورث بلاء السجن وفقد والدته متأثرةً بسجنه ألمًا وجرحًا غائرًا في نفسه يوضح ذلك المستشار العقيل في كتابه (من أعلام الدعوة الإسلامية في مصر) فيروي عنه: ويحكي في تأثر بالغ عن وفاة والديه في سجنه الأول: عندما صدر الحكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 1955م، أرسل إلى صديق له يطلب منه أن يطمئن أمه؛ لأن حالة المسجون أفضل من المعتقل"؛ لكنها حين بلغها الخبر صرخت: ابني! واندفع الدم من أنفها وفمها، وماتت على الفور في 30/9/1955م، وحملها أبوه إلى القبر، ولم يمكث بعدها سوى شهر واحد فلحقها في 30/10، ولم تكن بلغت الخمسين.

 

الاعتقال سنة 1965م

وقد ثبت الحاج وهبة مع إخوانه داخل السجن، وبالرغم من تأييد بعض الإخوان لعبد الناصر ليستريحوا من هول التعذيب الذي يتعرضون له إلا أنه لم يأخذ بالرخصة التي طالب بها قادة الإخوان كل أخ لا يستطيع أن يتحمل التعذيب أن يبدي تأييده لعبد الناصر حتى يرفع عنه العذاب؛ إلا أن الحاج وهبة تحمَّل صابرًا محتسبًا، لم يؤيد الظالم حتى بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان حتى دبرت الحكومة قضية عام 1965م.

 

وكانت الأوامر قد صدرت باعتقال كل من سبق اعتقاله، يقول المستشار العقيل: ففي يوم الإثنين، الموافق 9 من أغسطس عام 1965م، حضرت حملة بوليسية بقيادة النقيب أحمد راسخ (صهر علاء مبارك ورئيس اللجنة المشرفة على تزوير الانتخابات في عهد المخلوع مبارك)، والنقيب أحمد رشدي (وزير الداخلية الأسبق في عهد مبارك) (وكأن هذا التاريخ من تعذيب الإخوان هو مؤهل اختيار المسئولين في عهد المخلوع)، ومعهم أكثر من 50 جنديًّا، وتمت مصادرة المكتبة والمخازن وجميع الأموال التي بالبنك، ووضعت المكتبة تحت الحراسة بأغرب قرار جمهوري!!.. وضع وهبة حسن وهبة، صاحب مكتبة وهبة، وعائلته وجميع أموالهم وممتلكاتهم تحت الحراسة.

 

وكان له في ذلك الوقت أربعة أبناء؛ هم: (حسن- سلطان حسين- إنصاف- عزة)، وكانت الابنة الصغرى في ذلك الوقت تبلغ من العمر أربعة أشهر.

 

ولم تكن الحملة البوليسية موجهة للمكتبة فقط، بل شملت المنزل، حيث دب الذعر في أهله، وبعثروا كل شيء بالمنزل، بحيث لم يتركوا أي شيء إلا وعاثوا فيه فسادًا، وتركوا البيت لا يصلح فيه أي شيء سواء للنوم أو للطعام.

 

وفي فجر 14 من أغسطس 1965م حضرت حملة أخرى مكونة من أكثر من خمسين ضابطًا وجنديًّا (زوار الفجر)، وتم إلقاء القبض على الحاج وهبة، وما حدث في المرة الأولى حدث في المرة الثانية من بعثرة كل شيء، وإفساد المنزل، وتُركت الزوجة الشابة والأربعة أولاد دون عائل أو مورد للرزق.. وأخذوه وترك الأهل والأولاد في حفظ الله ورعايته.. وكان مقررًا له الإعدام بأمر من شمس بدران (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)) (الأنفال).

 

وبعد التحقيق والتعذيب لم يثبت عليه شيء سوى أنه ناشر لكلمة الله وللعلم النافع. صدر قرار بالاعتقال، كل ذلك ولا يعرف أهله وأولاده عنه شيئًا نهائيًّا إلا بعد نكسة 1967م، حيث سمحوا له بإحضار بعض الملابس، ثم بعد ذلك سمحوا لأولاده بالزيارة مرة كل شهر، ولم يخرج من المعتقل إلا بعد وفاة جمال عبد الناصر عام 1970م.

 

وفاته

وشاء الله تعالى أن تكون وفاة الحاج وهبة في نفس الشهر الهجري الذي توفيت فيه زوجته رحمها الله، فلقد توفي فجر يوم الجمعة 20 من ذي الحجة 1423هـ/ الموافق 21 فبراير 2003م- وتوفيت زوجته رحمها الله في يوم السبت 13 من ذي الحجة 1419هـ- رحم الله الحاج وهبة، وجعل عمله وجهاده في ميزان حسناته.

-------

المراجع

- أعلام الدعوة في مصر: الحاج وهبة حسن وهبة: موقع المستشار عبد الله العقيل.

 

- محمد الصروي: الإخوان المسلمون، الزلزال والصحوة: تنظيم 1965، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

 

- أحمد عبد المجيد: الإخوان وعبد الناصر.. القصة الكاملة لتنظيم 1965م، الزهراء للإعلام العربي.

- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1998م.