ظرفاء جدًّا وزراء الحكومات عندنا!

فقد خرج في سالف العصر والآوان الراحل عاطف صدقي ليلة غرق العبارة "سالم أكسبريس" وقال: ليلة كبيسة، ثم ظن أنه بهذا التعبير العبقري قد أدّى واجبه الوطني، ولم يمهل الناس وقتًا لتفهم عبقريته إذ أعقب ذلك بكلمة سوقية أمام البرلمان يتبرأ من مسئوليته عن أمر ما فقال ما معناه: ماذا يفعل إنسان لشخصين رضيا الوقوف في موضع شبهة في بئر السلم في جنح الظلام؟

 

وما أصاب الناس بالصدمة حينها هو صدور هذه العبارة من شخص سمته الوقار والرصانة، وعليه ملامح الأدب والخلق، ناهيك عن تقلده منصب رئيس وزراء مصر بجلالة قدرها.

 

ولن أحدثك باستظراف عبيد أو نظيف أو شرف فما هي عن حضرتك ببعيد. 

 

ولكن قد حاز الجنزوري- الخارج من قبور النسيان- قصب السبق كما يقال في الاستظراف والفكاهة.

 

فقد قال لا فُضَّ فوه: إن البرلمان ليس لديه سند قانوني لسحب الثقة، بعد أن أقسم بأتخن الأيمان أنه لن يستقيل.

 

لا أحد يملك أن يسلب الجنزوري حقه في التمسك بمنصبه، ولكن الظريف أن يحاول فخامته استكراد جموع الشعب الذي رضي ببعثه من تيه النسيان من أجل حل مشكلاته التي تفنن الأبعدون في صناعتها.

 

لقد أجاد تمثيل دور المنقذ الذي لم يقبل المنصب إلا بعد تمتعه بصلاحيات كاملة، حتى قيل إنه أخذ صلاحيات الرئيس ما عدا الجيش والقضاء، ثم نراه يبكي في حوار الأخبار مع صحفي غير إخباري!!! ويقول: "أرجو مراعاة الظروف التي تعمل فيها الحكومة، هذه حكومة إنقاذ وطني تولت أمر البلاد بصلاحيات محددة".

 

شفت الكلام يا معلم؟

 

البطل الذي تمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية يستدعي صحفيًّا خصوصيًّا من خارج الصحيفة التي نشرت الحوار ليشكو محدودية صلاحيات حكومته؟

 

إذا كان الزهايمر قد أصاب شيخوختك؛ فليس هذا بسبب لاستكرادنا يا جدو.

 

وإذا كانت هذه هي الحقيقة، وصلاحياتك محدودة؛ فلماذا كان الصداع والشو والمنظرة واستعراض العضلات علينا قبل قبولك الوزارة؟

 

أتأتي اليوم بعد أن وجدت مساءلة حقيقية من برلمان الثورة، وتم فضح دورك المشبوه في تخريب البلاد، وتجريفها وحرقها لمن يأتي بعدك لا محالة، وتدعي محدودية صلاحيات حكومتك؟.

 

بل بلغ الاستظراف والاستكراد درجة غير مسبوقة حين راح يحدد إنجازات حكومته على مساحة صفحتين كاملتين، ولكنه راح يشكو ممن يعيثون فسادًا في البلاد، ويلقون بالسولار على الطريق الصحراوي، ومن يصنعون الأزمات الأمنية وغيرها.

 

وكأن المتحدث ليس رئيس الحكومة المسئولة عن كل ذلك.

 

إذا كانت حكومتك كما تقول: حكومة إنقاذ وطني لها مهام محددة؛ فماذا فعلت سوى تكريس هذه الأزمات بل افتعالها.

 

هل هناك غيرك يحكم البلد يا سيد يا جنزوري؟

 

المنتظر أن يقول الجنزوري ووزراؤه ماذا فعلوا في هذه الأزمات.

 

هل جاء الجنزوري ليستمر قتل المصريين في بورسعيد، وتقوم حكومة فخامتك بحجب الأدلة عن نواب الشعب، ثم تعيد فخامتك محافظ المدينة لمنصبه بمنتهى الاستخفاف بمشاعر الناس؟.

 

إن المحافظ مسئول إن لم يكن جنائيًّا فأدبيًّا عن الكارثة، أم أن فخامتك منزوع المسئولية السياسية أنت ووزراؤك ومحافظوك؟

 

ماذا استفاد المواطن من حكومتك سوى استمرار أزمات البوتاجاز، وأضفت إليها بعبقريتك السولار، وقتل المشجعين، والحمى القلاعية، واستنزاف موارد الدولة والصناديق الخاصة؟

 

هل تظن أننا مجموعة من السذج الدراويش لنصدق كلامك عن الصناديق الخاصة؟

 

إذا كنت نزيهًا طاهر الثوب واليد لماذا لم تقنع نواب الشعب؟

 

المسخرة أن لا يجد الجنزوري عيبًا في عدم وجود برنامج لحكومته؛ وهو رجل التخطيط والإدارة الذي لا يشق له غبار أو دخان أو أي شيء عكر لا مؤاخذة.

 

بدلاً من أن تدّعي عدم وجود سند لسحب الثقة من حكومتك، كان الأولى أن تشعرنا بإنجازاتك يا صاحب صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

يا سيد جنزوري من لا يعرف من لا يريد للشرطة أن تعود لممارسة دورها، ولا يعرف من يلقي بالسولار في الصحراء، ولا يعرف من أخفى ملفات موقعة الجمل، ولا من هو المسئول عن عدم التعامل بجدية مع الأموال المهربة، ولا يعرف من قتل المصريين في بورسعيد وأخفى الأدلة، ولا تعرف مَن أطلق يد أمن الدولة مرة أخرى، ويحاول إضفاء البطولة الزائفة على دورها بفبركة قصة عبيطة عن الشيعة وإيران وقناة السويس... إلخ.

 

مَن لا يعرف ما سبق وغيره لا بد أنه لا يعيش في مصر، فضلاً على أن يكون رئيس وزرائها.

 

إذا كنت لا تعبأ بنواب الشعب المنتخبين؛ فاعلم أن الشعوب لا تعبأ بالفاشلين، وأن الإرادة الشعبية هي السند القانوني والدستوري والثوري والعسكري والبوليسي والعالمي والفيصلي والمحوري لأي حكومة أو حزب أو رئيس أو مجلس.