حالة من الرعب والهلع أصابت الانقلابيين وجنودهم، ودفعت الصفحات الرسمية للشرطة إلى دعوة رجالها إلى خلع الزى "الميري" على الإنترنت حتى لايعرفهم الثوار ويستهدفوهم بعد الدعوى التي أعلنها شباب الثورة للقصاص منهم، كخطوة نحو إنهاء الانقلاب.


مع تصاعد همجية ميليشيات الانقلاب وبلطجيتها وارتكابها للمجازر ضد المتظاهرين السلميين انطلقت دعوات شبابية ثائرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى ضرورة ردع هؤلاء البلطجية والرد على همجيتهم بشكل لا يجر الثورة إلى نطاق العنف أو سيناريو الحرب الأهلية الحاصل فى سوريا، والذي فشل الانقلاب ورعاته بأمريكا والخليج في تطبيقه في مصر.


إستراتيجة جديدة


" Anti_fad "و"مولتوف" و"ما دون الرصاص سلمية" و"الأرض المحروقة"، "سرايا المقاومة الشعبية" و"قوات مكافحة الداخلية".. أبرز الأفكار التي انتشرت بشكل لافت على مواقع التواصل، في ظل ارتفاع عدد الشهداء الذين يمثل الشباب والطلاب غالبيتهم العظمى، ظهر عشرات الاقتراحات للتعامل مع بطش الانقلابيين وبلطجيتهم.
"المقاومة السلمية".. تجريد النظام من مصدر قوته.. تعطيل آلة القمع.. فكر بره الصندوق.. مجموعة من "الهاشتاج" الهدف منها طرح كافة الأفكار القابلة للتنفيذ للحد من بطش وقمع ميليشيات الانقلاب، ومن اللافت للنظر أن هذه الأفكار لاقت قبولاً واسعًا وانتشارًا كبيرًا في صفوف الطلاب والشباب باعتبارهم الأكثر تضررًا والأكثر تقديمًا للشهداء والمصابين والمعتقلين.


وكان رأي الشباب ضرورة تغيير إستراتيجة الثورة ضد الانقلاب، وترك فكرة المظاهرات الحاشدة أو الاعتصامات، مؤكدين أن (السلمية عمرها ما كانت الحل إذا كان خصمك مدججًا بالسلاح.. اللا مركزية هي الحل.. الطريق إلى النصر ليس ميدان التحرير.. التجارب لا تؤخذ بشكل كربوني.. إذا أهدر المتظاهرون كل جهدهم على دخول ميدان التحرير سيسقط منهم ‏الآلاف وسيتم فضه بسهولة بعد ذلك.. الطريق إلى النصر هو إحداث شلل فى الدولة بشكل كامل.. والأهم من ذلك البقاء فى الشوارع لأيام وأسابيع حتى يسقط النظام الأمني ‏القمعي بالكامل.. نحن لا نعرف هدنة الحروب.. سنحارب من أجل العقيدة ولن نقبل ‏بالمصالحات والتنازلات لكي نلتقي في منتصف الطرق.. مصيرنا سنحدده بأنفسنا وسيكون النصر حليفنا عاجلاً غير آجل.


وأكد الطلاب والشباب أن الحل الوحيد لردع ميليشيات الانقلاب عن انتهاك الحرمات وقتل الثوار هو استهداف بيوت ضباط الشرطة والقضاة وقيادات العسكر ومنازل ‏ومشاريع رجال الأعمال التي تمول الانقلاب والبلطجية كخطوة تصعيدية.


غير أن أخطر ما فطن إليه الثوار هو ضرورة تهديد المصالح الأمريكية في مصر، وإحراق العلمين الصهيونى والأمريكي وصور قادة البلدان العربية المؤيدة ‏للانقلاب العسكري وهو ما يمثل ‏تطورًا مهمًّا في إيصال رسائل الثورة المصرية لمن يهمه الأمر في الخارج ‏والداخل أيضًا، بل هدد الثوار باستهداف السفارات ومقار إقامة البعثات الدبلوماسية ‏في مرحلة لاحقة.


أفكار إبداعية


أحدث اختراعات "السلمية- المبدعة" كان مولوتوف النابالم المفاجئ (ذاتي الاشتعال) بمواد بسيطة ومتوفرة، هذه فكرة لصنع مولوتوف من نوع آخر، تستطيع أن تهاجم به هجوم مباغت وسريع فهو لا يحتاج إلى إشعال فتيل، كما تستطيع أن تستخدمه دون أن تكشف موقعك ومصدر هجومك كما أنه يلتصق بالأسطح غير القابلة للاشتعال وتظل النار مشتعلة لفترة طويلة.


كما دعا الشباب إلى ابتكار قاذف للمولوتوف، وكذلك قنابل غاز مصنوعة من البيض الفاسد، وسترات واقية من الرصاص.


دعوات الشباب لم تقتصر على الداخلية والبلطجية فقط، ولكنهم دعوا إلى استهداف الإعلاميين التابعين للانقلاب والقضاة، ورجال الأعمال الداعمين له وإحراق منازلهم وسياراتهم.


الحماية المدنية


دعت حركة شباب ضد الانقلاب لتشكيل مجموعات مدنية لحماية السلمية عقب الانتهاكات الواسعة والمجازر التي شهدتها ميادين القاهرة والمحافظات بأيدي الانقلابيين.
وطالبت الحركة ﺟﻤﻮﻉ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ العظيم بمواصلة التصعيد الثوري السلمي والمشاركة في كافة الفعاليات ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ، حتى تنتصر الثورة. وأكدت أن الشاطر من سيضحك أخيرًا والمنتصر من يحقق أهدافه كاملة.


قتل وقناصة


من جانبه يرى د.محمد عوض أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الزقازيق أن الانقلاب قام  بتقسيم الشعب إلى شعبين، وأنه هو سبب التمييز والتقسيم، فهناك شعب بميادين فتحتها لهم سلطة الانقلاب وتلقي عليهم هدايا وتقيم لهم احتفالات راقصة لمؤيديها، وفي الوقت نفسه تقتل رافضي الانقلاب وأسالت دماءهم في جميع الشوارع والقرى والمدن في نفس الوقت، وبينما طائرات تلقي هدايا هناك طائرات تحمل قناصة تقتل المتظاهرين السلميين.


ويحذر من أن سلطة الانقلاب عرَّت نفسها فهي لم تأت لمنع انهيار الوطن أو حرب أهلية كما ادعت بل إنها باتباع فكرة الشعبين والقتل بدم بارد تدفع الوطن لانهيار شامل انهيار الدولة والمجتمع والجيش.


ولفت إلى احتفال مبارك ورجاله بميدان التحرير وميادين فتحها الانقلابيون لهم يكشف عودة دولة مبارك بقوة؛ لأن الانقلاب نفسه جاء انقلابًا على ثورة 25 يناير.


وتابع: "أصر المتظاهرون على الاستمرار في التظاهر ولا يوجد أمامهم بديل آخر سوى الاستمرار بالفعاليات والالتزام بالسلمية مهما كانت التضحيات في مواجهة سلطة باطشة ترتكب كل الجرائم"، مشيرًا إلى أن صمود المتظاهرين ونزولهم بحشود كبيرة وبذلهم تضحيات ودماء وشهداء في العديد من المحافظات والمدن بالألف مسكن بالقاهرة والإسكندرية والمنيا والسويس وحلوان ورمسيس؛ يؤكد أنهم أصحاب الحق ولم يعد أحدهم يكترث بالقتل. والجديد اليوم- في رأيه- وجود قناصة تطلق الرصاص من طائرات هليوكوبتر بمنطقة الألف مسكن إمعانًا في القتل.


ويؤكد أن الثوار لم يخشوا  تهديدات وزير داخلية الانقلاب بالقمع وبالأسلحة الثقيلة على أسطح الأقسام ومديريات الأمن، ووزير لا يستطيع حماية مواقعه الشرطية، كيف يتحدث بهذه الثقة مع متظاهرين سلميين لم يهددوا أبدًا باقتحام أماكن شرطية وأعلنوا سلميتهم، بينما قوات الأمن تقتل الناس بالشوارع بدم بـارد، وتتعامل بوحشية بما يؤكد أن دولة القمع البوليسية مستمرة وعلى المتظاهرين ألا ينجروا للعنف رغم سياسة القتل المستمرة، ورغم القمع الشديد تظل السلمية تؤرق الانقلاب ولكن حق الدفاع عن النفس مشروع في حالة التعرض للاعتداء.


ولفت إلى أن سلطة الانقلاب ليس أمامها إلا المزيد من القتل والاعتقال ظنًّا منها أنها أداة ردع ضد الثوار ولكنها أضغاث أحلام، فالسلمية أساس والثائر يعلم أنه هدف للقناصة والرصاص منذ 6 أشهر، وبعد مجازر الفض والحرس الجمهوري و6 أكتوبر لم يعد يخاف، ولكن المؤلم ميدان فيه رقص وميدان به قتل ومصابون بلا سيارات إسعاف ولا نجدة.


وأكد أيضًا أن قطاعات ممن أيدت 30 يونيو تأكدت مع الوقت أنه لا بديل عن عودة المسار الديمقراطي مرة أخرى، وقد شاهد الجميع القوة المفرطة للأمن وكيف قضى الانقلاب على هذا المسار. لافتًا إلى أنه تزامنًا مع الفعاليات داخل مصر كانت هناك وقفات بعدة عواصم أوروبية تحمل رسالة للغرب وتندد بالقمع ضد السلميين والوقوف مع قيم الحرية والديمقراطية واستعادتها.


إزاحة الانقلاب


ويرى د. حسام عقل رئيس المكتب السياسي لحزب البديل الحضارى أنه بالرغم من السلبيات التي شابت المرحلة الماضية فإن أبرز الإيجابيات في المسار الثوري إعادة التقاء القوى والائتلافات الثورية على فكرة واحدة وهي إزاحة النظام الانقلابي واستئناف الحالة المدنية وإبعاد كل هذه الشبكات المسمومة من الإجراءات والقوانين الاستثنائية التي كبل بها الانقلاب مصر مجددًا.


وقال "عقل" إنه من أبرز ما لفت نظره في البيانات التي تصدر عن القوى والائتلافات الثورية أنها جميعًا وضعت يدها على أخطاء المسار الثوري، وأكدت رغبتها في الالتقاء، وأنها جميعًا يحدوها عزم كبير في إنهاء حكم الجنرالات ومحاسبتهم بعدالة ناجزة سريعة على كل ما أراقوا من الدماء واعتقلوا من الأبرياء واحتجزوا من الحرائر وأشاعوا من الرعب .


ويشير إلى أن ائتلاف شباب الثورة- على سبيل المثال- أوضح فى بيانه إلى ما أسماه "إجهاض الحلم"، كما دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في بيانه إلى نبذ "العباءة الحزبية"، كما أشارت حركة 6 أبريل في بيانها إلى ما يعانيه المصريون من الملل والحزن، فيما أشار الاشتراكيون الثوريون في بيانهم إلى ما أسموه "مقاومة الفاشية العسكرية" وهذا كله يؤكد على أن المسار الثوري عائد بقوة، وأن التوحد بين الأطياف والقوى الثورية ماض في طريقه.


وقال: إن هناك تغيرًا في تكتيك الأداء الثوري يقوم على تفتيت الكتلة لكتل موزعة على الميادين والقرى والمحافظات، وهو ما يضيف للأداء الأمني صعوبة في التتبع والرصد.
وأكد أنه لا يشك للحظة بأن الشباب الثوري بذكائه الفطري المعهود سيتحين اللحظة المناسبة التي يسترخي فيها النظام الانقلابي بقواته ليعاود الحشد في ميدان كبير، ومن الواضح أن الوقت ومرور الزمن يصيب القوات الأمنية بنوعين من إرهاق الجسد والضمير، منبهًا إلى أن الشباب استوعب آليات النضال والمواجهة وبدأ خلق فنيات وآليات جديدة في المواجهة، وهي الآليات التي تعتبر سلمية حتى الآن بدليل سقوط هذا العدد من القتلى دون إطلاق رصاصة واحدة من جانب الشباب ورافضي الانقلاب، وكل ما حدث وما أشيع من تفجيرات لم يثبت تورط المسار الثوري فيه سواء بقياداته أو رموزه.


رهان رابح


ويقول محمد عبد اللطيف، الأمين العام لحزب الوسط، إن الشعب المصري يسجل بالفعل سطورًا جديدة لاستكمال ثورته، مؤكدًا أن انصهار الأيدلوجيات وإذابة الفوارق ما بين القوى السياسية المختلفة كانت هي أهم عوامل نجاح ثورة يناير التي نجحت في اقتلاع نظام استبدادي بوليسي في 18 يومًا، مشيرًا إلى نفس المقومات تتجدد الآن وتتوحد القوى المختلفة عليه، وهو ما يؤدى إلى استرداد الثورة وهو ما يمثل مؤشر كبير للانتصار والمضي قدمًا نحو دحر هذا الانقلاب الدموي .


ويرى أنه يجب على الثوار ألا يتعجلوا النصر ؛ لأن المعركة تحتاج إلى نفس طويل ولكن عليهم أن يدركوا أنهم بخروجهم بهذه الحشود وإصرارهم على استكمال ثورتهم قد وضعوا بالفعل أيديهم على الطريق الصحيح، ويجب عليهم استكماله كما وضعوا الانقلابيين في مأزق كبير حيث اتضح للعالم حجم معارضيهم في الشارع .


واعتبر أن إعادة وحدة الصف الثورى نجاح كبير في حد ذاته وخطوة مهمة تمهد لاستعادة الزخم الثوري وتحقيق كل أهداف الثورة من جديد، كما أنه أول معول هدم في جدار الانقلاب، مؤكدًا أن صمود شباب الثورة هو الرهان الرابح والذي تعجز أمامه كل حيل وممارسات الانقلابيين القمعية .