كان الأزهر على مدى ألف عام ضمير الأمة وصوت المستضعفين والفقراء ، ورمز المقاومة ضد الاستبداد والغزاة ، وتجلى موقفه في كثير من المواقف التي سجلها التاريخ بحروف من نور ، حتى جاء العسكر الانقلابيون منذ ستين عاما ليحولوه بوصفه آخر معاقل المقاومة ضد الاستبداد والطغيان ؛ إلى كيان آخر يهتف لهم ويبرر جرائمهم ويسبح بحمدهم من دون الله ، وكان القانون 103 لسنة 1961م ، آخر مسمار في نعش الأزهر المقاوم . 

وشاءت إرادة الله أن ينبت في الأزهر مقاومون جدد ، يغضبون من أجل الإسلام ، ويرفضون الدنية ، ويقدمون استقالاتهم مرات عديدة ، احتجاجا على مواقف ضد الإسلام ، أو ضد الأزهر المؤسسة العلمية التاريخية ، ولعل الشيخ عبد الحليم محمود – خريج السوربون ياللمفارقة – كان أبرز النماذج التي عبرت عن الغضب حين أهان البكباشي الأرعن علماء الأزهر ووصفهم بأنهم يفتون نظير أوزة ، وحين رأى السلطة تجعل شيخ الأزهر في مرتبة وزير ..  وهو الذي ذهب إلى أعماق الريف والصعيد ليبني معاهد أزهرية ، ويفتتحها منددا بالشيوعيين الخونة والعلمانيين المجرمين ، ولم يخافت برأيه ، ولم يسع إلى تدليل هؤلاء الأوغاد الذين يحاربون الله ورسوله  .

كان الشيخ عبد الحليم محمود نموذجا لعالم الدين الزاهد الذي يغضب من أجل الله ، وليس من أجل منصب  أو جاه ، أو مدفوعا برغبة حاكم ، أو ضابط أمن ، وحين أراد السادات إحراجه أمام  الأنبا الطائفي المتمرد شنودة بإلغاء التربية الدينية الإسلامية والناس يشاهدون مايجري على شاشة التلفزيون رفض بوضوح قاطع انتصارا لدين الله ، ولم ترهبه أقلام المثقفين الأوغاد الذين يعملون وفق توجيه البيادة!

عبد الحليم محمود الذي انتفض من أجل الأزهر ، ولبس العمامة في تحد واضح لمن ازدراها ، هو الوحيد الذي قدم استقالته ثلاث مرات ولم يكتف بوضعها في جيبه ؛ وأعلن بملء فيه أمام الدنيا كلها أنه سيزرع معهدا دينيا إسلاميا في كل بقعة على أرض مصر ، في وقت كان المثقفون الأوغاد يصنعون الأغاني التي تغني لمن يخالف الاشتراكية والتقدمية :" ونقول لك ياعدو الاشتراكية يا خاين المسئولية .. ونطبل لك كدهو ونزمر لك كدهو .." !

حين يواصل اليوم المثقفون الأوغاد – وهذا وصف وليس هجاء – هجومهم على الأزهر وعلومه ومواده ، فإن الأزهر الرمز والتاريخ والشارة يجب ألا ترتعد فرائصه ، لأن من يحركون هؤلاء المثقفين الذين لا يعرفون فرائض الوضوء ؛ هم أعداء الإسلام والوطن ، ممن امتلكوا مقدراته وحرموه الحرية ، وأذلوه بالاستبداد والطغيان ، وقتلوا أبناءه في الشوارع والميادين ، والمدن والقرى . هؤلاء الأوغاد مدفوعون بمن يوجههم إلى هدم الدين الذي لن يهدم بأمر الله ، ومدفوعون بأوامر العملاء الذين يوجههم الغرب الصليبي واليهود الغزاة . الأزهر القلعة الشامخة فوق العملاء والأعداء حين ينتصر لدين الله ، وليس لتصفية حسابات مع من لم يسيئوا إليه أو يزدروه أو يمسحوا به البلاط ، فإنه يقوم بواجبه الديني ودوره التاريخي!

غريب أن يسارع بعض الأزهريين إلى تقليص المواد الأزهرية ، وجمعها في كتاب واحد ، ليكون الأزهر مثله مثل المدارس العامة التي لا تعلم ولا تربي ، وغريب أن يردد بعضهم ما يقوله المثقفون الأوغاد عن بعض المواد وما تحمله من مضامين ومناهج ، وتناسوا أن الأزهر هو الذي زاوج قبل أي نظام تعليمي في العالم بين الدليل النقلي والدليل العقلي في قضايا التفسير والتوحيد والفقه والأصول والأدب والتاريخ . كيف تتجمع مواد اللغة العربية في كتاب واحد ، ومواد الشريعة في كتاب واحد ؟ ما الفارق بين كتاب الللغة العربية وكتاب التربية الدينية في المدارس ، ونظيريهما المنتظرين في الأزهر الشريف ؟

هل نسيتم أيها السادة أن الأزهر تخصصه الأساسي هو العلوم الإسلامية واللغة العربية ، وأساسهما القرآن الكريم الذي يجب أن يحفظه الطالب حفظا حقيقيا قبل أن تطأ قدمه المرحلة الإعدادية التي كانت تسمي الابتدائيه على عهدي وعهد شيخ الأزهر الحالي ؟ عودوا إلى أزهر ما قبل 1961م ، يرحمكم الله .

إني أسأل ماهي نسبة الطلاب الحافظين للقرآن الكريم كله الآن في المرحلة الإعدادية بل الثانوية ، بل الجامعية ؟ ألم تسمعوا أئمة وخطباء لا يحسنون قراءة الآيات بل لا يحفظونها فضلا عن أخطاء النحو والصرف التي تتردد بغير حساب في الصلوات والخطب والدروس ؟

الذين أرادوا تخريج طبيب فقيه وصيدلي داعية ، ومهندس إمام لم ينجحوا في أن يكون الخريج طبيبا أو صيدليا أو مهندسا ولا أن يكون فقيها أو داعية أو إماما ، وهم يعلمون ذلك ويدركونه جيدا ، فكيف لهم أن يخضعوا لإردة المثقفين الأوغاد بتقليص المواد الأزهرية تحت زعم تنقيتها ، وغربلتها من الآراء التي لا تواكب العصر ؟ هل يستطيع المثقفون الأوغاد أن يطلبوا من الكنيسة تغيير مناهجها التعليمية في الكلية الأكليركية ، ومواعظهم الأسبوعية ، وبعضها يتحدث عن الإسلام بما لايليق ، ويرى المسلمين غزاة بدْوا جاءوا من أعماق الصحراء ويجب إجلاؤهم من وادي النيل ؟ هل يستطيعون .. . ؟ لا ، لأن الحرب على الإسلام هي وظيفتهم والمطلوب إشعالها باستمرار ، وتفريغ مصر من الإسلام هدف استراتيجي لقوى الشر المجرمة !

لقد سمع الأزهريون يوم المولد النبوي الشريف ساري عسكر قائد الانقلاب وهو يقول بوضوح لا لبس فيه ولا غموض" أنا مش بقول الدين، أنا بقول الفكر ده، اللي تم تقديسه: نصوص وأفكار تم تقديسْها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي لدرجة انّ هي بتعادي الدنيا كلها.. بتعادي الدنيا كلها.. يعني الواحد وستة من عشره مليار هيئتلوا ( يقتلون ) الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا هُمّا؟ مش ممكن. الكلام ده أنا بؤوله (أقوله ) هنا في الأزهر هنا.. أمام رجال وعلماء الدين.. والله لأحاجِيكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى على اللي أنا بكّلّم فيه ده دلوأتي ( الآن ) .. إنتَ مش ممكن تكون وانت جواه تكون حاسس بيه، مش ممكن وانت جواه تكون حاسس بيه.. لازم تخرج منُّه وتتفرج عليه وتِئراه (تقرأه ) بفكر مستنير حقيقي".

الأزهريون الذين سمعوا هذا الكلام ، وكلاما آخر عن تغيير الخطاب الديني ، لم يهتزوا ولم يغضبوا ، ولم يتكلموا ولم يتساءلوا : ماهو الكلام المقدس خارج القرآن الكريم والحديث الشريف الذي تقدسه الأمة منذ مئات السنين ويدفعهم إلى قتل البشر، وهل المسلمون هم الإرهابيون والعالم هو الحمل الوديع ( الصليبيون وفقا لإحصائياتهم ؛ قتلوا مائة مليون إنسان في القرن العشرين والمسلمون لم يقتلوا غير بضعةآ لاف دفاعا عن النفس ) ؟ ثم ما معني تغيير الخطاب الديني ؟ وما مفهوم الاستنارة  ؟ الخطاب الديني باختصار – يعرف ذلك المثقفون الأوغاد - هو مضمون الدين ، والاستنارة كما يعرف الأوغاد هي الإيمان بالواقع والتجربة ورفض ماوراء الطبيعة أي رفض الوحي والدين !

أين علماء الأزهر من هذا التدليس ؟ والتضليل ؟ وأين غيرتهم على الدين ؟