في كل مرةٍ أجلس أمام رئيس النيابة ليحقِّق معي يوجِّه اتهامًا إليّ: ما قولك فيما هو منسوب إليك من أنك تنتمي إلى جماعة... إلخ؟، وتكون الإجابة: "محصلش"، وأعماق نفسي تقول: "حصل".. لماذا؟؛ لأن أساسَ السعادة النفسية هو إحساس الفرد بانتمائه إلى عقيدة.. إلى جماعة.. إلى عائلة.. إلى وطن.. والإنسان لا يشعر بالسعادة إلا إذا أحسَّ أنه حقق ذاته.

 

وتحقيق الذات لا ينبع من امتلاك المال أو القوة أو السيطرة، إنما ينبع من خدمة فكرة معينة، وينتمي إلى شيء ما حوله، وسيمتد إلى ما بعد انتمائه، ولا يحدث ذلك إلا بالانتماء العقدي الذي يَجُبُّ كل الانتماءات.

 

وطبيعة دعوتي التي أنتمي إليها في حقيقتها: فكرة وعقيدة ومنهاج، ولا يحدها مكان أو زمان، ولا تقف عند غرض محدود في زمن محدود، بل هي أكبر واشمل؛ لأنها رسالة سامية خالدة، سامية لأنها نزلت من عند الله عز وجل، وخالدة لأنها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

دعوة الإخوان

قال عنها مؤسسها رضوان الله عليه: "إنها روحٌ عامٌّ يهيمن على سلوك الأفراد والجماعات، حكامًا ومحكومين، ليتحقَّق قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ﴾ (القصص: من الآية 77).. هذه فكرة جماعتي التي أنتمي إليها.

 

إذا كان واقع الحال يقول: لقد تقدَّم العلم وتطوَّرت الحضارة، واكتشفنا الكثير من أسباب المرض النفسي والعقلي، وأصبحت مناهج الحياة ومغرياتها بلا نهاية، واستغرق الإنسان في الاستمتاع بفهم لكل ما تصل إليه يده، ولم يَحُل ذلك دون وجود المرض النفسي والعقلي، ولم يكف الإنسان عن المعاناة أو التفكير في مأساته اليومية، ولقد ثبت أن العلم وحده عاجز عن إسعاد الإنسان، وثبت أن استرداد الإنسان سعادتَه وسكينتَه مرتبطٌ بالإيمان والانتماء، وثبت أن خير وسيلة لعلاج القلق والتوتر والاكتئاب أن يعيش الإنسان في نسيجٍ إيماني اجتماعي صحي.

 

فجماعتي التي أشرف بالانتماء إليها تربيتُ فيها على الإيمان، والعلاقة بيني وبين إخواني علاقة مقدسة قائمة على الحب في الله، وبالتالي تُحقِّق لي السعادة النفسية؛ ولذلك يجلس الأخ من أفراد جماعتي أمام رئيس النيابة هادئ النفس، مستريح الضمير، مطمئن قلبه؛ لا يعاني من خلل عقلي أو اضطراب نفسي، وإنما يجلس سعيدًا، هاتفًا من أعماق قلبه، مؤكدًا في نفسه: نعم.. أنتمي، نعم أنتمي.

-------

* المعتقل على ذمة قضية تمويل حركة حماس