- د. قميحة: شعراء السلطة رأوا العسكرية عقابًا خفيفًا والبعض اختار الحياد

- وحيد الدهشان: نحن سبب تجاهل قضايانا والأدب طاقة هائلة محركة للأجيال

- جودة: علينا التواصل مع المبدعين ليزيد تفاعلهم معنا وانتماؤهم لقضايانا

- عبد الرحمن يوسف: مطلوب من المبدعين دمج أرواحهم بهموم الناس

 

تحقيق- هند محسن:

قوة الدفع الهائلة للقضايا الساخنة تتمثَّل في الأديب، وخاصةً الشاعر، الذي يُعدُّ الشعلة المنتفضة والثائرة لتحريك النفوس الخاملة، وتأجيج القضايا التي مرَّ عليها الزمن ونسيها الناس، وتذكيرهم بها..

 

ولأن الشاعر يحمل هموم وطنه، ويجول بها في أنحاء البلاد، كما أنه يتأثَّر بعمقها، وتتفجَّر نفسه ألمًا لها؛ فإنه أيضًا يتفاعل معها فتُؤثر فيه، وتجعله يمرُّ بحالة من الالتحام معها؛ ليكون هو القائدَ الخفيَّ لتحريك الشعوب نحو نَيْل حقوقهم المهدرة أو عدالتهم المستباحة، وكما حدث في المحاكمات العسكرية التي حاكمت مدنيِّين؛ فإن هناك شعراء تفاعلوا معها وأدانوها وجرَّموها، ومنهم مَن وقف موقف المتفرج؛ إما خوفًا وإما لا مبالاة.

 

(إخوان أون لاين) طرح تساؤلات حول موقف الشعراء والأدباء من المحاكمات العسكرية، وأسباب هذا التجاهل ودور الأدب والشعر تجاه هذه القضايا؟! وهل هو سلاح مؤثِّر وفعَّال في المجتمع تجاه القضايا الكبيرة المطروحة على الساحة، وخاصةً في هذا الوقت؟ وهل من واجبات الشاعر الاهتمام بقضايا أمته أم أن شعره هواه؟!

 

نوعان

 الصورة غير متاحة

 د. جابر قميحة

يرى الدكتور جابر قُميحة الأديب والكاتب وأستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن "سابقًا" أن الأمر أكبر من قضية تجاهل الشعراء الآخرين لقضايا الحريات في مصر، وأهمها قضية المحاكمات العسكرية، بل يطرح ماهية موقف الشعراء من الظلم والديكتاتورية والفساد الحكومي والإداري، أما المحاكمات العسكرية فهي جزءٌ من الاحتلال الذي اتصف به الحكم القائم في مصر.

 

ويقول: إن السؤال الذي يطرح نفسه: ما موقف الشعراء من الأحكام الجائرة على المدنيِّين؟ وكي نُجيب عن ذلك علينا أن نقسِّم الشعراء قسمين:

الأول: شعراء السلطة وأدباؤها الذين رصدوا أقلامهم لمسايرة الحكم القائم، ومنافقة قادة الحزب الوطني، وتبرير الأخطاء التي يسقط فيها النظام، وللأسف هؤلاء ينفردون بالأضواء الإعلامية، ويأكلون على كل مائدة، وهمُّهم زهرة الحياة الدنيا.

 

ويؤكد أن نظرتهم للمحاكمات الظالمة نظرة مَن يقول إن الدولة يجب أن تفعل هذا حرصًا على أمن المواطن وسلامة مصر، بل إن منهم من يجد أن هذه القسوة في المحاكمات قليلة بالنسبة لهؤلاء المارقين من الظَّلاَمِيين والرجعيين، الذين هم جماعة الإخوان المسلمين، بحسب رأيهم.

 

أما الطائفة الثانية من الأدباء والشعراء فهم الذين يحترمون أقلامهم، ويحملون روح الحب للإسلام، وللوطن والحرص على سلامته، وينطلقون من ضمير حيٍّ ومن إيمانٍ بأن الكلمة أمانة، وهناك شعراء وأدباء حملوا حملةً شديدةً على الأحكام العسكرية وإحالة المدنيِّين إليها، لكن هناك بعض الأدباء الإسلاميين كان لهم أيضًا موقف سلبيٌّ من هذه الاختلالات.

 

ويعلِّل ذلك بسبب الحرص على الحياة دون تفريطٍ منهم في الكرامة الشخصية، فربَّما يكون موظفًا، فيصبح مُعرّضًا للتضييق أو القبض عليه، فيتبع مبدأ "لا مجاملة.. لا نِفاق"، ويكون له بالفعل أعمال تتصدى بقوة لمظالم النظام، وحكم الفرد المطلق، والفساد، فنُصنِّفه في المرتبة الثانية من المبدعين الإسلاميين الذين يتقدمون صف الحرية.

 

ويشير د. قُميحة إلى أن المسألة ليست "كم من الشعراء..؟ " ولكن علينا أن نُقيِّم الإبداع في ذاته، والمبدع باتجاهه الناشط الإيجابي، بصرف النظر عن الكم العددي، ويقول: نحن- دعاةَ الأدب الإسلامي- ننظر إلى أن أداءنا بمواجهة هذه المظالم، إنما هو جوهر رسالتنا، وأن البقاء للأصلح، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).

 

وحول رؤيته لقبول الشارع المصري لأشعار هموم الوطن وجراحه وقضاياه القاسية، يؤكد أن المثقف العادي يُقبل على الكلمة الناقدة التي تُعبّر عن همومه؛ لأنه يعلم أن اعتناق هذه الكلمة وأخذ النفس بها سيكون طريقًا لهدم الأصنام، ورفع الأنقاض، والبناء على أساسٍ طيب قويم، مؤكدًا أنه لمس هذا في كل طبقات المجتمع، فمثلاً على الرّغم من أن الحكومة رصدت الأقلام والإعلام للهجوم الشديد على جماعة الإخوان المسلمين؛ إلا أن الهجمات الحادة أنتجت الإيحاء العكسي لدى المواطن المصري، فعكست ما يبغي الأدعياء والقائمون على الحكم الديكتاتوري من تشويه لصورة الجماعة. 

 

 عِرض الشاعر

 ويهدي د. قُميحة نصيحته لكافة شعراء جيله والأجيال اللاحقة، كما يهديها للشعراء الشباب، أن على كل واحدٍ منهم أن يعيش وطنه؛ وليس أن يعيش في وطنه، فعليه أن يعيشه بأزماته ومشكلاته واختلالاته ونكباته، كما أن عليه أن يقول الكلمة الحرة، قائلاً: "إن الكلمة عِرض الشاعر"، مضيفًا أنه ليس هناك وقت لأشعار الغزل والحب، ويجب عليه أن تكون كلمته نابعة من ضمير حيّ، فضلاً عن أن يعيش عصر الغربة والكربة.

 

ويؤكد أنه شارك بشعره في إدانة المحاكمات العسكرية، كما أنه ينوي أن يُنتج ملحمةً متكاملةً من 2000 صفحة بعنوان: "ملحمة المصحف والسيفين"، يعرض فيها شعرًا لتاريخ دعوة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، وحتى اليوم.

 

ومن أشعاره التي تدين العسكرية:

يا حسرتا يا مصر.. يا كنانةْ!

للحر كنتِ سِلْمَهُ.. أمانَـةْ

وكنتِ أمسِ مَوطنَ الأمانةْ

والحبِّ والسماحِ .. والصّيانةْ

لا غدرَ.. لا تدجيلَ.. لا خيانةْ

واليوم "راقصوك" في مكانةْ

وصفوة الأطهار في الإدانةْ

حيث السجون السود والمهانةْ

واخجلتا يا مصر.. يا كنانة!!

وهذه الحقائق.. يا سادة

 

اختلاف ونقد

 الصورة غير متاحة
ويختلف معه الشاعر وحيد الدهشان قائلاً: إننا كحركة إسلامية سبب تجاهل الشعراء الآخرين لقضايانا، خاصةً قضية العسكرية، وليس تجاهلهم خوفًا من النظام أو لا مبالاةً بالقضية؛ لأن ملف الأدب ليس من أولوياتنا، موضحًا بذلك أن قضايانا لا تصل إلى الشعراء والأدباء؛ لأن الحركة الإسلامية لا تتواصل معهم بشكلٍ فعَّال في أساس الأمر، مشيرًا إلى أنه لو تمَّ عرض مَن تفاعل مع قضية المحاكمات العسكرية سنجدهم شعراء الحركة الإسلامية فقط، "مَن أيديهم في النار"، على حدِّ تعبيره.

 

وحول دور الأدب، وخاصّةً الشعر كسلاحٍ مؤثر في المجتمع اليوم، وهل هناك تفاعل من قِبَل الناس مع الشعر الذي يمس قضية مثل المحاكمات العسكرية، يجيب الدهشان: إنه سلاح قوي وفعَّال تنتج عنه طاقة هائلة محركة لجميع الأجيال.

 

ويؤكد أن الناس جميعًا تتفاعل بشدة مع قضاياهم، خاصةً قضية كقضية العسكرية؛ حيث إنه وجد هذا التفاعل القوي أثناء إلقائه لشعره الخاص بها، مبينًا أننا سنجد تفاعلهم عندما ننجح في توصيل القضية أو الفكرة إليهم بشكلٍ جيد.

 

ويقول الدهشان إن هناك آلياتٍ يتبعونها للتواصل مع الجمهور، وقد اتبعناها وقت أن كانت المحاكمات العسكرية في أوجها، كنسخ أشعارهم بأصواتهم على شرائط كاسيت، وإسطوانات مدمجة، ونشرها على مواقع الإنترنت، وطباعتها في دواوين ليتداولها الناس، فضلاً عن حضور المؤتمرات والندوات لتفعيل هذه القضية.

 

وعن الطريقة التي يقدمها للشعراء الآخرين ليدقَّ ناقوس اهتمامهم لقضايا مثل العسكرية، يقول الدهشان: إنه ينصح- أولاً وأخيرًا- الحركة الإسلامية أن تتواصل مع الشعراء الآخرين وتهتم بهم؛ باستثارة مشاعرهم ووجدانهم تجاه قضايانا، في دعوتهم لحضور ندوات ننظِّمها، أو مسابقات نُفعِّلهم بها أو مساعدتهم في نشر دواوينهم، وعندما نصل إلى هذه الدرجة سينفعل معنا، وسينبع عمله الأدبي من داخله بعد اقتناعٍ منه بهذه القضايا، وبالتالي سنُحرِّك طاقتهم تجاهنا.

 

وعن جديد أعماله الأدبية التي سيقدمها في العام الثاني للمحاكمات العسكرية، قال الدهشان: إنه- بإذن الله- سيقوم بتأليف قصيدة لهذه المناسبة تُذكِّر مَن نسي وتُفعِّل مَن هبطت معنوياته، داعيًا الله أن يلهمه أركان القصيدة.

 

أهملنا فلم يهتموا 

 الصورة غير متاحة

الشاعر محمد جودة

 وينتقد محمد جودة الشاعر المصري المعروف؛ الشعراء الحاليين من حيث اهتمامهم بالقضايا، مثل قضية المحاكمات العسكرية، حيث يقول: إن هناك قسمين من الشعراء، الأول: مَن لا يهتم بقضايانا- قضايا الحركة الإسلامية- لأننا لم نوصلها إليهم ليدركوها ويتفاعلوا معها، والقسم الثاني: مَن يهتم بالفعل بقضايانا، ولكننا لا نُلقي عليه الضوء إعلاميًّا ولا نهتم به أو نتواصل معه؛ خاصةً أن كل اهتمامنا مُنصب على شعراء العاصمة، وليس الأقاليم، وهم قد أبلوا بلاءً حسنًا في القضية العسكرية، وفي الحالتين يقع علينا عبء توصيل قضية العسكرية لهم بصورة واضحة وصحيحة، كما أنه علينا أن نتواصل مع الشعراء ونساعدهم ونبرزهم للمجتمع، بالتالي سيزيد تفاعلهم معنا وانتماؤهم لقضايانا.

 

وحول وجوب اهتمام الشاعر بقضايا أمته ومحاسبته إن لم يفعل، أم أن شعره هواه، فيرى جودة أن كل بيئة وعصر لهما معطيات تُجبر الشاعر على أن يتأثر بها؛ الأمر الذي يجعله ينفعل بهموم وطنه وقضايا أمته فيكتب شعرًا يمس به وجدانهم.

 

وردًّا عما إذا كان الأدب بصفةٍ عامة؛ والشعر بصفةٍ خاصة؛ يُعدُّ سلاحًا مؤثرًا وفعالاً في المجتمع تجاه قضايا الوطن الكبيرة المطروحة على الساحة، ومنها قضية العسكرية، وخاصّةً الآن، في ظل انحدار الذوق العام في تذوق فنون الأدب.. يجيب جودة: إنه لا يوجد فن من فنون الكلام مؤثرًا في جميع البيئات المختلفة مثلما يؤثر الشعر في نفوس الناس ووجدانهم دون إرادة منهم، ولا نجد كلمات تُعبِّر عن دخائل النفس كما يُعبر عنها الشعر، مؤكدًا أنه لم ير انفعالاً قويًّا وهائلاً بالشعر عندما يُلقيه كما يراه في انفعالات الجمهور، موضحًا أنه عندما يُشارك في أي ندوة أو فعالية ويُلقي شعره عن المحاكمات العسكرية الظالمة يجد انفعالاً غير عادي، وغير مسبوق من الحضور، حتى إلى الآن؛ أي أن الناس ما زالت تتذكر، ومبينًا أنه يبقى الشعر الهادف هو الذي يطلبه الجمهور رغم أنه تُُمارَسُ عليه ضغوط شديدة ويُنحّى جانبًا. 

 

 وعن جديده الذي ينوي المشاركة به في العام الثاني للعسكرية صرّح جودة بأن هناك أغنيتين بعنوان "الورد البلدي ورا القضبان"، وأغنية "عَلِّي حيطان السجن يا سجَان"؛ من تأليفه وألحانه وغناء الدكتور محمد عباس، وتوزيع عصام شوشة، كما أن هناك ألبومًا كاملاً سيتم طرحه قريبًا في الأسواق يضم أشعارًا غنائية لنفس المناسبة.

 

الشعر محرِّك للأمة

 الصورة غير متاحة

الشاعر عبد الرحمن يوسف

ويرى الشاعر الشاب عبد الرحمن يوسف أنه ليس غريبًا أن يكون السبب الرئيسي وراء تجاهُل الشعراء الآخرين لقضايا الحركة الإسلامية، وخاصّةً قضية المحاكمات العسكرية هو أن الجميع مُهدَّد- بمن فيهم الشعراء- باللحاق بمن سبق من الشرفاء إلى السجن.

 

وحول ما إذا كان الاهتمام بقضايا الأمة من واجباته كشاعر أم أن شعره هواه، يجيب يوسف: إن الشعر هو الهوى، فإذا كان هوى المرء على هوى الشعب والأمة، متصلاً بهما ملتحمًا معهما؛ كان الشعر ملتزمًا وصادقًا، معبرًا عما يجيش في نفوس أمته ومُحرِّكًا لها، أما إذا كان هوى الشاعر في طريق آخر، يلتمس مالاً أو شهرةً فلن يصدق في شعره مهما تناول هموم الناس، مشيرًا إلى أن غالبية الشعراء قلوبهم مع هؤلاء المعتقلين ظلمًا وعدوانًا، كما أنه يشعر بغصَّة كلما تذكَّر أن في مصر آلافَ المعتقلين الذين لم يحظوا بمحاكمة، أو حظوا بمحاكمة هزلية عسكرية، كتلك التي رتبوها لأناس تشرف بهم أي أمة على وجه الأرض.

 

ويقول إنه تناول موضوع العسكرية من منظور الظلم والقهر والتعذيب في العديد من القصائد، مثل "حداد بدون عزاء" في ديوان "حزن مرتجل"، وهي عن التعذيب، والاعتقال في السجون العربية، وكذلك تعرَّض للموضوع في بعض القصائد مثل "ينتابني الصقيع"، و"الهاتك بأمر الله"، و"ارحل" و"وجبة "، موضحًا أنه لم يتناول الموضوع بشكل منفرد، وهذا تقصير منه يحاول استدراكه، على حد قوله، وأنه سيضع مسألة الاعتقال والمحاكمات الظالمة بكل أشكالها على جدول كتاباته.