عرف القارئ العربي  الكاتب الكبير الدكتور حلمي القاعود  محاميًا مؤمنًا بقضيته، من خلال دفاعاته الشهيرة عن أصالة الأمة وتراثها وثقافتها وهويتها العربية الإسلامية ومواجهاته للتيارات والأفكار الوافدة التي تطعن في الثوابت وتحاول النيل منها.

 

في هذا السياق يأتي كتابه الجديد "العمامة والثقافة" الصادر عن مكتبة جزيرة الورد.

 

يقول في مقدمة الكتاب:

"مذ خرج الإنجليز الحمر, وغادروا مصر في منتصف الخمسينيات تقريبًا, والأمور في مصر والبلاد العربية, بل البلاد الإسلامية تجرى في سياق عملية "تغريب" شاملة, بدأت على استحياء تتناول قضايا "التطور والتجديد والتقدم", وشيئًا فشيئًا وصلت إلى الهجوم الشرس والجامح ضد الإسلام, وضد هوية مصر الإسلامية, بل وصل الأمر إلى شيء من الجرأة والتحدّي يدعو إلى تحرير مصر من الإسلام, وإعادتها إلى أصحابها الأصليين(؟), وإلغاء اللغة العربية, واستئصال الدين الإسلامي في التعليم والإعلام والثقافة.

 

قام "الإنجليز السمر"- بعض أبنائنا- بدور الإنجليز الحمر في الهجوم على الإسلام والتشكيك فيه وتشويهه, وساعدتهم ظروف شتى, أتاحت لهم الهيمنة على التعليم والإعلام والثقافة والصحافة والاقتصاد, وجعلتهم يشيعون أفكارهم التخريبية تحت مسمى "العلمانية".

 

ومن المفارقات أن القوم جعلوا العمامة رمزًا للإسلام والمسلمين, والثقافة صنوًا للإلحاد والعلمانيين, وأقاموا معركة بدون مسوغات بين الطرفين, وزعموا أن الإسلام ضد الثقافة, وأن المسلمين ليسوا مثقفين من خلال مفهوم غالط يربط بين الثقافة وغير المسلمين, ويجعل الإسلام عدوًّا للمعرفة والعقل والفكر! والغريب أنهم على تعدد ألوانهم (شيوعيون, وماسون, وليبراليون, وزنادقة, وعلمانيون..) يشكون مما يسمى "التكفير", ويتهمون الطرف الإسلامي بتكفيرهم, وسلبهم نعمة الانتماء إلى الإسلام, ويلحون في مقولاتهم وكتاباتهم أنهم "مسلمون"، ولكن على طريقتهم التي دفعت بعضهم إلى حد القول إن الإسلام دين وضعي اخترعه عبد المطلب جد النبى- صلى الله عليه وسلم - ليحقق السيادة على قريش وأهل مكة!.

 

إن سطور هذا الكتاب تشتبك مع الأحداث الجارية, وتكشف من خلالها طبيعة الصراع بين الإسلام والعلمانية, وقد تعود هذه السطور إلى الماضي أو التاريخ لتضيء بعض المواقف التي تفخر بها الأمة الإسلامية وتعتز، وفي كل الأحوال, فإن محنة الوطن ترجع في جانب مهم منها؛ إلى دور النخبة العلمانية التي آثرت مساندة الاستبداد, وأيدت مصادرة الحرية, لصالح استئصال الإسلام بوصفه العدو الأول والرئيسي للتقدم والازدهار!.

 

ولا ريب أن الصراع الذي يقوده من يطلق عليهم "مثقفو الحظيرة", الموالون للاستبداد والقهر, ضد الإسلام وثقافته وقيمه, سيمتد إلى آماد غير معروفة, طالما كان الدعم الخارجي القادم من المؤسسة الاستعمارية الصليبية مستمرًّا وفعالاً, بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

 

وفي كل الأحوال, فإن واجب أبناء الأمة, الحريصين على إسلامهم ومستقبلهم أن يكشفوا طبيعة الصراع, وأبعاده, وملامحه, خاصة وأن الطرف العلماني يجيد لعبة "الأكاذيب", والتعبير عن أفكاره على نطاق كبير, وهو ما لا يتوفر إلا بصورة محدودة للطرف الإسلامي الذي يمثل الغالبية العظمى.

 

إن المثقف الاستئصالي سيد الموقف بلا ريب؛ لأنه حاضر في كل الظروف والأحوال, أما المثقف الأصيل فهو محجوب, ومغيب, ومطارد, ولكنه موجود, ويتحرك في حدود إمكاناته المتاحة، وهو ما يوجب استغلال الوسائل المتاحة.. دفاعًا عن الإسلام, والرد على الشبهات, وكشف ألاعيب المزورين..".