خرجت من بيت أهلي وقد كنت المدللة عندهم محط رعاية الجميع وعطفهم، ما كان والدي يتحمل أن يراني حزينة أو مريضة أو متعبة، وما كانت أمي لتسمح بأن يجرحني أحد وتحملني على كفوف الراحة، أما إخوتي فقد كانوا يفخرون بي ويحيطونني بعطفهم، كل واحد منهم يتسابق ليرضيني لأكون أكثر مصاحبةً له من أخيه، تركت ذلك الجو الأسري الدافئ من حولي، الجميع يحبونني ويخافون عليَّ، أطلب فيُلبَّى طلبي، وأحكم فيُسمع لي.

 

ثم أتيت أنت لتأخذني منهم، فرحتُ بك وقبلتك لدينك وخلقك، بيت أهلي جعلني أحب أن أكرر التجربة الناجحة وأصنع بيتًا مثله أكون فيه أنا الملكة، وأكون أنا صاحبته الآمرة الناهية، يكون عندي زوج أحبه ويحبني، ويكون عندي أولاد أربيهم على الإسلام وحب الله وطريقه، حلمت بك كثيرًا وأنت ربان سفينتنا الوليدة.

 

وعلمت قبل أن أدخل بيتك أنك ستملكني، وأن دخولي الجنة مرهون برضاك، وأن نظرتك لي بعين الرضا تعدل عندي الدنيا بما فيها، فقررت منذ اليوم الأول أن أتقي الله فيك، وأن يكون حقك عندي بعد حق الله عزَّ وجلَّ، وقبل حق أهلي الذين درجت على حبهم والتعلق بهم.

 

تخيلتك وأنت تأخذ بيدي إلى طريق النور، وتصعد بي إلى حيث رضا المولى، تذلل لي الصعاب، وأسلم لك القيادة وأنا مطمئنة إلى أنَّ مَن يقودني إنسان مؤمن يتقي الله في وفي أبنائنا.

 

تخيلتك وأنا مريضة وأنت تسهر على راحتي بعدما سهرت عليك أنا كثيرًا، وذللت لك صعوبات الحياة في بيتنا، وحملت معك همك، وكفيتك هم البيت، وحولته إلى جنة تأوي إليها، فانتظرتك حين احتياجي إليك لتكون بجواري قبل أمي وأبي، فلم يعودوا هم رغم قربهم وفضلهم الرقم الأول في حياتي.

 

تخيلتك وأنت عائد من عملك في قسوة الحر أو البرد وأنا أحتويك بمملكتك، فصارت هي عندك الملاذ الآمن وبيت السعادة.

 

تخيلتك حين أحتاج إليك فأجدك متفرغًا لي من كلِّ شغل يشغلك، ولطالما كنت بجانبك حين تحتاج إلي.

 

تخيلتك حين تمر الأيام وحين تثقل هموم الأولاد فتضعف صحتي ويضعف احتمالي تقف لتساعدني يدك بيدي فأستمد منك القوة لا من غيرك.

 

تخيلت الأيام تمرُّ علينا فنتغير كما يغير الزمن كل شيء، فيصيب مفرقي المشيب، وينحني الظهر قليلاً، ويضعف البصر نتاج خدمتي لكَ ولأولادك، فأجدك صبورًا حليمًا مقدرًا مساندًا لي لا متخليًا عني.

 

حلمت معك بأن أحيل حياتك جنة في الأرض وأنا أسيرتك، وحلمت كذلك بأن تحسن إلى تلك الأسيرة عندك بما اخترتك عليه من دين وتقوى.

 

أتذكر حين كنت تعود في قيظ الحر وأنا انتظرك على الباب بكأس الليمون البارد؟

 

أتذكر حين عودتك من عملك مهمومًا جريحًا تحمل الدنيا فوق كاهلك فأسألك واكتشف أن الأمر يتعلق بمشكلة في العمل فيذوب كل ذلك بين يدي في لمسة ليديك وجبهتك، فتنسى الهموم، وتحل المشكلات حين تهدأ نفسك بمشاركتي إياك ما يشغلك؟

 

أتذكر حين كانت تغضب والدتك لكل صغيرة وكبيرة وتضيق نفسي ثم أعود وأقرر أن أحتمل المزيد والمزيد من أجلك أنت، ومن أجل أن أسعدك، ولا تجد في بيتنا ما يكدرك، فأحسن وأحسن حتى يحبني جميع أهلك لحبي لهم ولك، وأتفانى في خدمتك وإرضائك؟

 

أتذكر أولادنا الذين فرحنا بهم واحدًا تلو الآخر فرحة بهم جمعتنا، وخوف عليهم جمعنا، وتعب عندك جمعنا، وهَمّ حملته جمعنا.

 

لا أمنُّ عليك بل فقط أذكرك بأنني كنت لك كما تريد وكما أراد ربي أن أكون، فما بالك اليوم لا تحتمل مني بعض الغضب من انشغالك وقد احتجتُ إليك في وقت ضعف، لست أشك فيك، ولستُ أطالبك بترك عملك أو التقصير فيه، فقد بنيناه معًا سهرًا وجهدًا ومشقةً، وأعلم أنني لا أملكك فأنا أسيرة عندك كما أخبرني حبيبي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم"، ولعلمي أنني أسيرة فقد اخترت مَن يأسرني، لعلمي أنه بخوفه من ربه سيحسن إليَّ.

 

زوجي الحبيب تحملني في بعض غضبي حين يضيق بي الأمر، وتلطف معي، وأعطني الأمان إلى أنك بجواري حتى ولو كنت مكانيًّا بعيدًا عني.

 

تَحَمَّل مني بعض الخوف على تاريخي معك، واغفر لي بعض التجاوز طالما رصيدي عندك يسمح بذلك الغفران.

 

تحمل مني وتلطف فبكلمة حانية منك ولمسة رقيقة من يديك ونظرة عطوفة من عينيك وابتسامة صادقة تجدني وقد عدت إليك كما تريد.

 

زوجي أعلم أنني لا أملكك بل أنت تملكني فأحسن إلى أسيرتك.