صدر للكاتب الكبير الدكتور حلمي محمد القاعود كتاب "عواصف الربيع العربي: محاولات إجهاض الثورة!" عن مكتبة جزيرة الورد.

 

يتناول الاعتقاد الذي كان سائدًا بأن الشعوب العربية لن تتحرك أبدًا، ولن تنهض لمواجهة جلاديها وظالميها، وأنها تحولت إلى مجرد جثة هامدة لن تقوم من رقدتها، ومن ثم كان الطغاة وخصوم الأمة يعيشون في وهم كبير، خططوا على أساسه أنهم باقون وراسخون إلى الأبد، وأن بإمكانهم ممارسة المزيد من القهر والاستلاب وسحق كرامة شعوبهم من العرب والمسلمين.

 

ولكن الأقدار فاجأت الطغاة والخصوم من حيث لا يحتسبون، وانطلقت الشرارة من بلدة في أعماق تونس اسمها "سيدي بوزيد"، وهب الشعب التونسي يواجه الطاغية هناك، وفي أقل من أسابيع محدودة انهار النظام المستبد الإرهابي الدموي المعادي للإسلام، وهرب الطاغية مع أسرته وبعض اللصوص الكبار، وحملوا ما استطاعوا من أموال ومنهوبات، وانكشفت بعد رحيله مخاز وفضائح لا تليق بحاكم يحمل ذرة من إنسانية، فضلاً أن يكون حاكمًا مسلمًا!.

 

وما لبثت الشرارة أن امتدت إلى قلب العروبة النابض، واشتعلت الإسكندرية والقاهرة والسويس وغيرها من مدن المحروسة؛ بهدير الشعب الثائر، ودماء الضحايا الأبرياء الذين قتلوا في مسالخ التعذيب بالأقسام وأمن الدولة المجرم، وفي ثمانية عشر يومًا انهار النظام الدموي الفاسد الذي كذب ونهب وسرق ودمر وقتل بلا رقيب ولا حسيب ولا ضمير، واستطاع الشعب المصري الصبور أن يدخل الطاغية وبعض أعوانه قفص العدالة ببعض التهم، على أمل أن يواجه بتهم أخرى أشد وأكثر خطرًا.

 

 الصورة غير متاحة
واشتدت عواصف الدم في ليبيا واليمن وسوريا، وأخذ الطغاة يخلعون برقع الحياء، واستخدموا الأسلحة الثقيلة على مدى الشهور الطويلة الماضية، تشبثًا بكراسي الاستبداد والطغيان، ولم يتورعوا عن الكذب وإخفاء الحقائق، ومنع وسائل الإعلام العربية والدولية من نقل ما يجري للعالم، وشوشوا على القنوات التلفزيونية المؤثرة؛ في محاولة بائسة للتستر على ما يريقونه من دماء الأبرياء الأطهار الشرفاء الذين يعارضون حكوماتهم الإجرامية المستبدة، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل، فقد كانت الهواتف المحمولة تسجل بالصوت والصورة ما يجري، وما يحدث من جرائم تلك الأنظمة، وتنقله إلى شاشات التلفزة ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم، وكان للشباب الذي يستخدم الإنترنت أو الشبكة الضوئية دور مهم في مخاطبة العالم بالصور الموثقة لجرائم هذه الأنظمة ضد الإنسانية التي لن تسقط بالتقادم.

 

لقد انتهزت قوى الشر الخارجية والداخلية فرصة الثورات العربية لتحاول تحقيق أهدافها من خلال إجهاض الثورات العربية، والتدخل في شئون العرب عن طريق القوات العسكرية أو عن طريق العملاء؛ بحيث يشعر الناس أنهم لم يحققوا فائدة تذكر بعد الدم الذي بذلوه في سبيل بلادهم وأوطانهم، وكأنهم تخلصوا من طواغيت وأحلوا مكانهم طواغيت آخرين، بالإضافة إلى الطامعين من دول الاستعمار التي لا تخفي نهمها لالتهام كل شيء، والهيمنة على كل شيء، وإنهاء الربيع العربي وتحويله إلى خريف بل شتاء قاس يعيد سيرة الطغاة مرة أخرى.

 

العاصفة الآثمة لا تتوقف عند حدٍّ بل تمتد إلى النواحي العملية والاجتماعية كافة، وهناك رموز العهد البغيض في المجالات المختلفة والإعلام والصحافة خاصة؛ يصولون ويجولون ويمنعون ويمنحون، بل إن بعضهم أتيح له أن يجد مساحات أكبر من النفوذ وإبداء الآراء الصادمة والفاسدة ضد الدين والحرية، وهناك الحالة الثقافية التي مازالت كما هي حكرًا على مثقفي الحظيرة الذين نافقوا وأفسدوا وهبروا من أموال الدولة ما لا يستحقون، بل إنهم صاروا الآن على حجر المجلس العسكري، يستشيرهم ويتلقى منهم النصيحة؛ وهم الذين كانوا يركعون للرئيس السابق ويسبحون بحمده! والأمر نفسه ينطبق على الجامعة التي لم تتخلص بعد من ذيول النظام البائد؛ حيث يحاولون إعادتها إلى الوراء مرة أخرى.

 

إن العواصف التي يشنها أعداء الإنسانية على الشعوب العربية في ربيعها المبشر بالأمل لن يتوقفوا عن ممارسة إجرامهم، ومحاولات إجهاض الثورة ووأدها، وهو ما يفرض على أبناء الربيع العربي أن يتمسكوا بقوة الدفع والعمل والاستمرار، لبناء أوطان عربية قادرة على النمو والمشاركة في الحضارة الإنسانية، على أسس الحرية والكرامة والمشاركة التي تعم المواطنين جميعًا.

 

وعلينا أن نرفع شعار: إذا كان خصوم الحرية يعملون لوأدها فلنعمل نحن على إحيائها، مهما كانت التضحيات، ولتستمر مقاومتنا في إصرار ودأب، حتى يأتي نصر والفتح.

 

إن الربيع العربي يمثل طفرة من أعظم الطفرات التي حققها العرب في تاريخهم الحديث، لذا ينبغي الدفاع عنها بكلِّ ما تملكه الشعوب من إرادة وإيمان وقوة وصمود وصبر حتى يأذن الله بتحقيق الأمن والاستقرار، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!.