أسباب للنجاة من الأهوال يوم القيامة

في حديث اليوم رؤيا كرينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أطلعه الله فيها على بعض أسباب النجاة من أهوال يوم القيامة، وكلها من مكارم الأخلاق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرج الطبراني وغيره عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَرَجَ (عَلَيْنَا) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بِالْمَدِينَةِ) فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا:

(1) الوضوء أو الصلاة

رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ (أي أحاطت به) مَلَائِكَةٌ (الْعَذَابِ) فَجَاءَهُ وُضُوؤُهُ فَاسْتَنْقَذَهُ (أي خلصه) مِنْ ذَلِكَ. (فَجَاءَتْ صَلَاتُهُ فَاسْتَنْقَذَتْهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ)».

(2) ذكر الله

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَخَلَّصَهُ مِنْهُمْ.

(3) صيام رمضان

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا مِنَ الْعَطَشِ (أي يخرج لسانه من شدة العطش) (كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ) فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ. (وَأَرْوَاهُ).

(4) الحج والعمرة

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ، وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ، وَمِنْ فَوْقِهِ ظُلْمَةٌ، وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ، (وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الظُّلْمَةِ) فَجَاءَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَاسْتَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ (وَأَدْخَلَاهُ النُّورَ).

(5) بر الوالدين

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ يَقْبِضُ رُوحَهُ، فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَرَدُّ عَنْهُ.

(6) صلة الأرحام

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ، فَجَاءَتْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ فَقَالَتْ: (يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَلِّمُوهُ) إِنَّ هَذَا وَاصِلٌ كَانَ وَاصِلًا لِرَحِمِهِ، فَكَلَّمَهُمْ وَكَلَّمُوهُ وَصَارَ مَعَهُمْ.

(7) الغسل من الجنابة

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي النَّاسَ وَهُمْ حِلَقٌ (وَالنَّبِيُّونَ قُعُودٌ حِلَقًا حِلَقًا) (دوائر دوائر) فَكُلَّمَا أَتَى عَلَى حَلْقَةٍ طُرِدَ، فَجَاءَهُ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُمْ (فَأَقْعَدَهُ إِلَى جَانِبِي).

(8) الصدقة

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ (أي حر) النَّارِ بِيَدَيْهِ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ وَصَارَتْ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْرًا عَلَى وَجْهِهِ.

(9) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ (أي الملائكة الذين يدفعون الناس في نار جهنم للعذاب)، فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَدْخَلُوهُ مَعَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، فَصَارَ مَعَهُمْ).

(10) الوجل من الله عز وجل

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي هَوَى فِي النَّارِ (أي سقط من أعلاها إلى أسفلها)، فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَأَخْرَجَتْهُ مِنَ النَّارِ. (قَائِمًا عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَجَاءَ وَجَلُهُ (أي خوفه) مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَضَى).

(11) الخوف من الله

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ إِلَى شِمَالِهِ، (أي سقطت صحيفة أعماله في يده اليسرى) فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ.

(12) حسن الظن بالله

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي (قَائِمًا عَلَى الصِّرَاطِ) يَرْعَدُ كَمَا تَرْعَدُ السَّعَفَةُ (أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل) (فِي رِيحٍ عَاصِفٍ)، فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَّنَ رِعْدَتَهُ (أي اضطرابه) (فَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ).

(13) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ (أي يجر استه عليه لا يستطيع المشي) عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً، وَيَجْثُو مَرَّةً، وَيَتَعَلَّقُ مَرَّةً، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلَيَّ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ عَلَى الصِّرَاطِ حَتَّى جَاوَزَ (فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ).

(14) شهادة التوحيد

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَغُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ دُونَهُ، فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَخَذَتْهُ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ»

(15) الوضوء

«وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي بُسِطَ (أي نشر) عَلَيْهِ (نَزَلَ بِهِ) عَذَابُ الْقَبْرِ، فَجَاءَ وُضُوؤُهُ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ.

(16) حسن الخلق

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاثِيًا (أي جالسا) عَلَى رُكْبَتَيْهِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ، فَجَاءَ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(17) الصبر على فقد الأولاد

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قُرِّبَ إِلَى الْمِيزَانِ، فَخَفَّتْ مَوَازِينُهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ، فَجَاءَ أَفْرَاطُهُ (أي أولاده الصغار الذين ماتوا في حياته وذاق مرارة فقدهم) فَثَقَّلُوا مِيزَانَهُ، يَعْنِي أَطْفَالَهُ.

(18) دموع البكاء من خشية الله

وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْقَذَتْهُ مِنَ النَّارِ».

قال ابن القيم في «الوابل الصيب»: «هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه؛ لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه». وقال:«وَكَانَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابنْ تَيمِيَّةَ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ يُعَظِّمُ شَأَنْ هَذَا الحَدِيثِ، وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَوَاهِدُ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ».

وقال في الروح: «وَنَحْو هَذَا الحَدِيث مِمَّا قيل فِيهِ أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وحي، فَهُوَ على ظَاهرهَا».

«هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص لله في عمله، وصدق الله في قوله وفعله، وأحسن نيته في سره وجهره، فهو الذي تكون أعماله حجةً له، دافعة عنه، مخلِّصةً إياه».

ومجيء الأعمال وفعلها يحتمل الحقيقة بأن يجسد الله ثواب تلك الأعمال ويخلق فيها حياة ونطقا، والقدرة المطلقة صالحة لذلك، ويحتمل أنه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثواب الأعمال. والله أعلم.