كتب - محمد آدم
 
انشغل العالم بتسريبات قيل إنها "نص وثيقة صفقة القرن" التي ستعلن عقب انتهاء شهر رمضان، نشرتها صحيفة اليمين المتطرف الصهيوني (يسرائيل هَيوم)، 7/5/2019، قيل إنها "وثيقة مجهولة المصدر" تداولتها وزارة الخارجية الصهيونية، ولم ينتبه أحد للهدف من وراء صدورها ولماذا الآن؟ ولماذا انفردت بنشرها صحيفة يمينية متطرفة موالية لنتنياهو؟
 
والحقيقة أن الهدف من هذه التسريبات - سواء كانت صحيحة كليا أو جزئيا - أكثر خبثا، ولا يراد فرضها على الفلسطينيين أو غيرهم بقدر ما إن هدفهم هو رفض الفلسطينيين لها رسميا، ليكون هذا مبررا للصهاينة وترامب لتنفيذ مخطط "تهويد الضفة الغربية" رسميًّا، والسعي لتصفية المقاومة بدعوى أنها عقبة ضد "السلام".
 
فالخطة باختصار هي: إعلان الصفقة - رفضها - يكون هذا مبررًا لشروع تل أبيب في ضم غالبية الضفة الغربية (منطقة ج) لسيادتها، ثم يعترف ترامب بتبعية مناطق (ج) في السلطة الفلسطينية لإسرائيل (كما فعل مع القدس والجولان) قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبل كتعهد إنجيلي للناخبين والصهاينة.
 
وبالتالي لن تكون هناك دولة فلسطينية والخطة الأمريكية جاءت أساسًا لإضفاء صدقية وشرعية على مخطط اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني لضم الضفة للاحتلال.
 
وثيقة مضللة
 
تبدو مظاهر التضليل في صياغة الوثيقة واضحة، والهدف الحقيقي من ذلك.
 
فالوثيقة مثلا تتحدث عن اتفاق بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وحماس، برغم أن الكيان الصهوني وأمريكا لا يعترفان بحماس، وإدارة ترامب تصنف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة إرهابية أجنبية، فكيف تضعها ضمن اتفاق سياسي ترعاه أمريكا؟!
 
لهذا يبدو أن الهدف الآخر لمشروع صفقة القرن المسرب هو تجريد المقاومة من سلاحها وإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية وتمكين الدولة الصهيونية من السيادة على كل فلسطين وتصفية قادة المقاومة، وهذا يعني أنها فاشلة قبل أن تطرح.
 
أيضًا من مظاهر التضليل أنهم يعلمون جيدًا أن السلطة الفلسطينية ترفضها وبسبب ذلك أغلقوا مكاتب منظمة التحرير في امريكا ومنعوا وصول الدعم الأمريكي للسلطة، فكيف يتحدثون الآن عن اتفاق تشارك فيه السلطة؟!
 
الهدف هو أنه سوف ترفضها السلطة الفلسطينية ويكون هذا مبررا للكيان الصهيوني بضم أراض من الضفة الغربية ثم يعترف ترامب بمناطق (ج) في السلطة الفلسطينية قبل الانتخابات المقبل كتعهد انتخابي وبذلك تعطي الخطة الأمريكية شرعية لضم الضفة لدولة الاحتلال.
 
تفاصيل خطة إدارة ترامب
 
وفق الوثيقة الطويلة - مجهولة المصدر - التي نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو، بدأت بالكلمات التالية: "فيما يلي مبادئ الاتفاق الذي تقترحه الإدارة الأمريكية".
 
ولقد تداولت وزارة الخارجية الوثيقة من دون معرفة مصدرها ودرجة موثوقيتها. وجزء من البنود الواردة تتطابق مع كلام جاريد كوشنير وجايسون غرينبلات، بينما تتعارض تفاصيل أخرى مع تسريبات الأسابيع الأخيرة بشأن الخطة.
 
ومن المهم الإشارة إلى أن المقصود هو وثيقة تفصيلية توحي بالثقة، لكن ليس من الواضح من يقف وراءها، ومن وظّف الكثير في كتابة التفاصيل الصغيرة، ومن المحتمل جداً ان تكون وثيقة ملفقة.
 
ورغم التسريبات الكثيرة المتعلقة بالخطة، فإن الغموض لا يزال يكتنفها من كل جانب، خصوصًا مدى قبول الأطراف المعنية بها وإمكانية تمريرها بالمنطقة في ظل الأوضاع الراهنة.
 
وقبل نشر هذه الوثيقة الصهيونية قالت شبكة فوكس نيوز، أن وثيقة مشروع السلام الأمريكي تتضمن ما بين 175 و200 صفحة، وهناك أقل من خمسة أشخاص يمكنهم الوصول إلى الوثيقة كاملة، ويتم تداول الكثير من مضامينها إعلاميا ولدى بعض الأطراف المعنية على شكل تسريبات لم يتم تأكيدها.
 
وفيما يلي ما جاء في نص الوثيقة:
 
الاتفاق
 
"يتم توقيع اتفاق ثلاثي بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير و"حماس" وتقام دولة فلسطينية يُطلق عليها اسم "فلسطين الجديدة" على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المغتصبات الصهيونية كما سيجري التفصيل لاحقًا.
 
إخلاء مناطق
 
الكتل المغتصبة كما هي ستبقى في يد الصهاينة وستُضم إليها المغتصبات المعزولة، وسيجري توسيع مساحة الكتل المغتصبة كي تشمل المغتصبات المعزولة.
 
وضع القدس
 
لن يتم تقسيمها وستكون مشتركة بين الكيان الصهيوني وفلسطين الجديدة، وعاصمة الكيان وفلسطين الجديدة، وسيصبح السكان العرب مواطنين في فلسطين الجديدة، وستصبح بلدية القدس مسئولة بلديًا عن جميع أراضي القدس باستثناء التعليم الذي تتولاه حكومة فلسطين الجديدة، وستدفع فلسطين الجديدة إلى بلدية القدس ضريبة أملاك الدولة والمياه.
 
لن يُسمح لليهود بشراء منازل العرب، ولن يُسمح للعرب بشراء منازل اليهود، ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم.
 
وضع غزة ستقوم مصر بتأجير فلسطين الجديدة أراض بهدف إقامة مطار ومصانع وتبادل تجاري زراعي، من دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، وحجم الأراضي وثمنها يصار الاتفاق عليه بين الأطراف بواسطة الدول "الداعمة" (سيجري تعريف الدول الداعمة لاحقاً)، ويجري شق طريق أوتوستراد بين غزة والضفة الغربية يسمح بإنشاء قناة جوفية للمياه الحلوة من غزة إلى الضفة الغربية.
 
 
الدول الداعمة
 
هي الدول التي ستدعم اقتصاديًا تنفيذ الاتفاق ورعايته وهي: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج المنتجة للنفط. وسترصد الدول الداعمة لهذه الغاية مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع وطنية تخص فلسطين الجديدة. (كلفة إخلاء المغتصبات المعزولة ونقلها إلى الكتل المغتصبة يتكفل بها الكيان الصهيوني)، وسيكون توزيع المساهمات بين الدول الداعمة على النحو التالي: الولايات المتحدة الأمريكية 20٪- الاتحاد الأوروبي 10٪- دول الخليج المنتجة للنفط 70٪ حيث تتوزع النسب بين الدول العربية بحسب إنتاجها النفطي - العبء الأكبر تتحمله الدول المنتجة للنفط لأنها ستكون الرابحة الأساسية من هذا الاتفاق.
 
الجيش الفلسطيني
 
لن يُسمح لفلسطين الجديدة أن يكون لها جيش، والسلاح الوحيد المسموح به هو السلاح الخفيف الموجود بين يدي الشرطة.
 
وسيتم توقيع اتفاق دفاعي بين الكيان الصهيوني وفلسطين الجديدة يتعهد فيه الصهاينة بالدفاع عن فلسطين الجديدة في وجه أي عدوان خارجي، بشرط أن تدفع فلسطين الجديدة للصهاينة ثمن الدفاع والحماية، وكلفة هذا الدفاع ستبحث في مفاوضات يجريها الطرفان بواسطة الدول الداعمة.
 
الجدول الزمني ومراحل التنفيذ 
 
الجدول الزمني ومراحل التنفيذ مع توقيع الاتفاق يجري كالتالي:
 
1.  تتخلى "حماس" عن جميع أسلحتها ويشمل ذلك السلاح الفردي والشخصي لقادة "حماس"، ويجري تسليمه للمصريين.
 
2.  يواصل عناصر "حماس" بمن فيهم قادتها الحصول على رواتب شهرية من الدول العربية حتى قيام الحكومة.
 
3.  تفتح جميع حدود قطاع غزة لعبور البضائع والعمال إلى إسرائيل ومصر كما هو الحال اليوم مع الضفة الغربية وكذلك من طريق البحر.
 
4.  خلال عام من الاتفاق تجري انتخابات ديمقراطية، ويجري انتخاب حكومة لفلسطين الجديدة، وسيكون من حق كل مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات.
 
5.  الأسرى: بعد مرور عام على الانتخابات وتشكيل الحكومة، يجري إطلاق سراح جميع الأسرى بالتدريج لمدة ثلاث سنوات.
 
6.  في غضون خمس سنوات، يتم إنشاء ميناء بحري ومطار لفلسطين الجديدة، وحتى ذلك الوقت يستخدم الفلسطينيون مطارات وموانئ الكيان الصهوني.
 
7.  الحدود بين فلسطين الجديدة والكيان الصهيوني تبقى مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة.
 
8.  يقام جسر معلق يرتفع عن سطح الارض 30 مترًا ويربط بين غزة والضفة، وتوكل المهمة إلى شركة صينية، وتشارك في تكلفته الصين بـ50 %، واليابان 10%، كوريا الجنوبية 10%، أستراليا 10%، كندا 10%، أميركا والاتحاد الأوروبي معاً 10%.
 
غور الأردن
 
سيظل وادي الأردن في يدي الكيان الصهيوني كما هو اليوم، وسيعلن الصهاينة عن مناقصة لشق طريق 90، وسيتحول الطريق 90 إلى طريق له أربعة مسارات، ويقام معبران من فلسطين الجديدة إلى الأردن، ويكونان تحت إشراف فلسطين الجديدة.
 
المسئوليات
 
أ‌-  في حال عارضت "حماس" ومنظمة التحرير هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتعمل جاهدة لمنع أي دولة اخرى في العالم من تحويل أموال إليهم.
 
ب‌-  إذا وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على شروط هذا الاتفاق ولم توافق "حماس" أو الجهاد الإسلامي، يتحمل التنظيمان المسئولية عن أي جولة عنف جديدة بين الصهاينة و"حماس"، وستدعم الولايات المتحدة الكيان الصهيوني لإلحاق الأذى شخصيًّا بقادة "حماس" والجهاد الإسلامي.
 
ج‌-     في حال رفض الصهاينة الصفقة، سيتوقف الدعم الاقتصادي للكيان.
 
صفقة خادعة وليدة الغطرسة والوهم 
 
لأنها خطة غامضة ومثيرة للتساؤلات لأن من وضعوها يعلمون أنه سيتم رفضها، ومع هذا يسعون لتمريرها بالقوة والابتزاز، سواء رفضها الفلسطينيون أم لا؟ وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الصفقة بأنها "وليدة الغطرسة والوهم".
 
وتحت عنوان "صفقة القرن لترامب لحل النزاع العربي- الصهوني محكومة بالوهم" كتب "ويليام بيرنز" المساعد السابق لوزير الخارجية ورئيس منظمة كارنيجي للسلام العالمي يقول إن هناك نوعين من الخطابات في السياسة الخارجية الأمريكية: إطارات للعمل وبدائل عن العمل، واصفا الصفقة بأنها ليست تحركات من اجل السلام فرض لأوهام. 
 
ويعتبر أن الصفقة تخريب للحلول ودفن للحل الوحيد وخطة العمل للتسوية بين الصهاينة والفلسطينيين، وبدون تقديم بديل، وأن ترامب وصهره والمفاوض الرئيسي جارد كوشنر يناورون على الفلسطينيين ولا يدركون مخاطر ما يفعلون.
 
وأن تخلي إدارة ترامب بشكل فعلي عن الحوار مع القيادة الفلسطينية وعدم الالتفات لمظاهر القلق الفلسطينية وتبني أجندة اليمين الصهيوني المتطرف (بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق القنصلية في القدس الشرقية التي تقوم بتوفير الخدمات للفلسطينيين) وتخفيض برامج الدعم الأمريكي وقبول التوسع الاستيطاني والاعتراف بسيادة الصهاينة على الجولان، كلها أخطاء لا خطة سلام.
 
فمن الوهم شراء الآمال الفلسطينية الشرعية للكرامة السياسية والدولة حتى لو كانت مقيدة بالشروط الأمنية الصهيونية من خلال المحفزات الاقتصادية وتقديم المال للفلسطينيين.
 
ومن الخطورة الافتراض ان الوقت مع أمريكا والكيان الصهيوني والفلسطينيين سيجبرون أو يتعبون ويقبلون أي شيء أقل من الدول بدون أن يتكلف الصهاينة شيئًا، فهذه وصفة للاضطراب، وسيصبح العرب قريبًا غالبية في المناطق التي يسيطر عليها الصهاينة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، مما سيؤدي إلى تآكل الكيان الصهيوني كديمقراطية يهودية.
 
أيضًا يجب عدم التقليل من الأضرار الجانبية للخطة، خاصة على الأردن لأن عدم تحقيق حلم الدولة الفلسطينية سيعيد إحياء فكرة الوطن البديل (في الأردن)، كما سيجد الحكام المستبدون في مصر والسعودية أنفسهم وسط شعوبهم القلقة والولايات المتحدة التي تتساهل مع قمعهم وتريد منهم نوعًا من الدعم لخطتها.
 
ويقول "جيمس زغبي" مؤسس ورئيس المعهد العربي الأمريكي ومدير مؤسسة زغبي للأبحاث، في مقال نشره بموقع Lobe Log الأمريكي ينتقد فيه الاهتمام المبالغ به بصفقة القرن، أن غموض صفقة القرن قد ينتهي بخديعة مماثلة لما فعله كيسنجر بالعرب في السبعينيات.
 
وأن المطروح - على خطى هنري كيسنجر - ليس صفقة حقيقية وإنما وهم صفقة، والهدف صناعة كاملة من التخمين بشأن صفقة القرن ولا وجود لصفقة القرن أصلاً؟ فلا يوجد أصلاً شيء للتفاوض بشأنه؟ وحتى لو كانت هناك صفقة، فماذا ستقدم للفلسطينيين؟
 
فهنري كيسنجر هو مَن وصف نهجه لإدارة المفاوضات العربية - الصهيوينة بأنَّه "خلق وهم الزخم" من أجل تعويض "غياب الزخم"، ولم يكن الهدف هو النتيجة، بل إبقاء الجميع مشاركًا في العملية!
 
و"قادت" الأجيال المتعاقبة من الدبلوماسيين الأمريكيين، المتمسكين بهذه القاعدة، عملية سلامٍ لذاتها أكثر من كونها تهدف لإقامة سلامٍ عادل ودائم، بينما الحقيقة أنها كانت "عملية سلام فقط"، بدون سلام حقيقي.
 
وهذا هو ما تواصل القيام به إدارة ترامب حيث دفعت نهج كيسنجر هذا إلى الأمام خطوة، وبدلاً من إضاعة الوقت في محاولة خلق وهم مفاوضات بين حكومة صهونية مُتعنِّتة أيديولوجيًا وسلطة فلسطينية ضعيفة وغير فعالة، تعهَّد فريق ترامب بالقيام بالمهمة بأنفسهم، من خلال إعداد "صفقة القرن" الغامضة، أو "خلق وهم صفقة" لينتهي الحال في النهاية بتمرير نقل السيادة على الضفة إلى الكيان الصهيوني بدعم أمريكي كما فعل ترامب مع القدس والجولان.
 
وبالمقابل جري تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها؛ إذ أبعد ترامب "القدس من على الطاولة" واعترف بها عاصمةً للصهاينة وبإغلاق القنصلية الأمريكية ووقف المساعدات الأمريكية للمؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، وضع ترامب هذا المجتمع الفلسطيني الأسير بالكامل تحت السيطرة الصهيونية.
 
وبالمثل، حاولت إدارة ترامب إبعاد قضية اللاجئين الفلسطينيين "من على الطاولة"، من خلال إيقاف كل المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإيضاح أنَّ الإدارة لا تعتبر أحفاد أولئك الذين أُجبِروا على الخروج إلى المنفى عام 1948 لاجئين.