بقلم: صادق أمين

من اللافت للنظر في سيرة الحبيب- صلى الله عليه وسلم- أنه اختار في المدينة بعد الهجرة وبناء المسجد أن يؤكد مفهوم الأخوة بشكل عمليٍّ واقعيٍّ، عندما آخى بين المهاجرين والأنصار؛ بل تعدى الأمر ذلك إلى أن تكون وراثة بين المتآخين في بداية الأمر، ثم نسخت بعد ذلك.

ولكن لعلني ألفت الانتباه إلى أمور عملية لعلها تحيي معنى الأخوة في قلوبنا ومشاعرنا، ذلك المعنى الذي أراد الحبيب- صلى الله عليه وسلم- تثبيته من أيامه الأولى في المدينة المنورة، ومن هذه الومضات ما يلي:

- لماذا أنت أخي؟ ما فائدتك لي؟ ومن ذا الذي أريد أن يكون لي أخًا؟ أسئلة متعددة نحتاج إلى النظر فيها بعمق، مع الرجوع إلى الآيات القرآنية والإشارات النبوية وإرشادات الصحابة والسلف، رضوان الله عليهم أجمعين.

قال الله تعالى: ﴿الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف: 67)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "المرءُ على دِين خليلِه فلينظر أحدكم من يخالل" و"المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" و"المؤمن مرآة أخيه" و"المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى" و"صديقك من صدَّقَك لا من صدَقك".

حقوق الأخ وواجباته

علينا اختيار الأخ بحرص ودقة ومعرفة حقوقه وواجباته، ومنها:

أولاً: السلام والمصافحة

من الأمور العملية المهمة التي نحتاج إلى الانتباه إليها ما وصى به الحبيب- صلى الله عليه وسلم- "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" السلام بصيغته الإسلامية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو السلام عليكم ورحمة الله، أو السلام عليكم، ولا ننسى أن الحبيب- صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تصافح المسلمان تحاتت ذنوبهما كما تتحات أوراق الشجر"؛ ولكن نريد من المصافحة أن تكون حارة كما كان هديه- صلى الله عليه وسلم- فكان لا ينزع يده حتى ينزع الآخر، وكذلك النظر والابتسامة إلى المصافح، وشدُّ يده باعتدال، وإشعاره بالدفء والمحبة، فإن هذه المشاعر تنتقل سريعًا من حيث لا نشعر.

هل شعرت أخي بالفرق بين من يصافحك بحرارة وصدق، ومن يصافحك بيد باردة ونظر مشغول، ولا يكاد يعطيك إلا طرف يده!! هل يستويان؟!

ثانيًا: قضاء الحاجات

فهو من الأمور المهمة التي تقوي أواصر المحبة والأخوة حتى قبل أن يطلب أخوك، فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- يأتيه رجل يريده لقضاء حاجة، وهو معتكف في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإذا به يلبس نعليه ويخرج مع الرجل، فإذا بالرجل يستدرك ويقول: يا بن عم رسول الله، إنك معتكف؟ فيقول- رضي الله عنه-: أما علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن أمشي في حاجة أخي أحب إليَّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرًا"، وكم من إخوة قويت علاقاتهم لاهتمام بعضهم بحوائج بعض، حتى وإن كانت في نظر البعض بسيطة تافهة.

ثالثًا: المصارحة والنصيحة بالحسنى

وهي أيضًا من الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها، فكم من أخوة قويت بالنصيحة والصدق والمصارحة، وردت الأخ عن انحراف أو تهاون، وأذكر أن أحد إخواني وقع منه تفريط في إحدى السنن، فكان الكثيرون لا يصارحونه لشدته، فلما نصحته بذلك شكرني، وقال لي: أشكرك على ذلك، وإن كنت أختلف معك؛ إلا أنني أعرف أن الكثيرين من إخواني يتكلم عني ولا ينصحني، فقلت له: بل أنصحك مرة واثنتين ومائة، فما أريد لك إلا الخير، فكان ذلك استئناسًا بيني وبينه، ولله الحمد.

رابعًا: إبقاء صفاء القلب دائمًا

لأن الشيطان حريص على تضخيم أي خلاف بين الإخوة، والخلافات تكثر خاصة إذا كان التعامل بين الإخوة مستمرًّا في الأنشطة واللقاءات والاجتماعات أو حتى في العمل العادي؛ لذلك المطلوب تصفية القلب دومًا حتى وإن كان الأمر بسيطًا، وأتأكد من خلو قلبه وقلبي من أي شحناء؛ فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق.

خامسًا: المجاملة والهدية

وهي من الأمور المهمة التي تطيب الخاطر وتقوي العلاقات، وهي أيضًا سنة نبوية عظيمة، قال عنها الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا"، وليس شرطًا أن تكون الهدية غالية أو تكون دائمًا شريطًا أو كتابًا، وإنما بالإمكان أن تكون شيئًا رمزيًّا وقد يكون مضحكًا بعض الأحيان؛ ولكن الهدية تبقى هدية، ومن ظريف ذلك أنني كنت مع بعض الإخوة الأفاضل وأحببت أن أحيي سنة الهدية، فوجدت عند المسجد بعد صلاة العشاء من يبيع بعض الخضار كالليمون والجزر، فاشتريت كيسًا من كل واحدٍ وأخذته لصاحب المنزل الذي استغرب هذه الهدية وأصبحت مثلاً لطيفًا يذكر بالهدية.

ومن الأمور التي كانت ولا تزال موجودة، أن الشاب عندما يكون حديث عهد بالتزام فإن أخاه الأقدم منه التزامًا، يتودد إليه بالهدايا والمرور عليه للذهاب لصلاة الجمعة مثلاً، ثم بعد أن يقوى عود هذا الشاب وينتظم، فإن تلك الاهتمامات تكاد تختفي!!

سادسًا: الستر والتواصل حتى بعد الانقطاع

وهذا يحدث إذا وقع فتور بين بعض الإخوة لأمر أو لخلاف فابتعد أحد الإخوة عن المجموعة، فينبغي ألا نترك هذا الأخ ولا نكون عونًا للشيطان عليه؛ بل علينا مواصلته وإرجاعه أو إبقاؤه على أدنى حدود الالتزام على أقل تقدير، ونتجه إلى فضحه وإفشاء سره، فإن هذا مناف لأخلاق الأخوة الإسلامية.

سابعًا: التواصل حين الغربة والبعد

وهذا مما ينبغي التنبه إليه لأنه مهم في إبقاء الصلة مع الأخ وتذكيره بنشاطه واستمراره وألا يخفت وينقطع نشاطه لبعده عن الصحبة والمؤازرة والتوجيه، ولا بأس بأن يزوره البعض في إحدى الإجازات خاصة إذا كان المكان قريبًا، وإن كان المكان بعيدًا؛ فالاتصال عبر الهاتف والبريد الإلكتروني من الأمور المتيسرة التي تُبقِي حبل المودة والتذكير، ولا بأس بأن نوصي من هم في البلد من الإخوة القدامى بزيارته والتوصية عليه قدر الاستطاعة.

ثامنًا: أمر أخير وهو من الأهمية بمكان

وهو مرتبط باستمرار التواصل، ألا وهو أنه إذا كان هناك لقاء مستمر بين مجموعة من الإخوة، ثم انقطعت لسبب أو لآخر فينبغي أن تبقى العلاقة دافئة مستمرة، حتى وإن لم تكن هناك علاقة عمل أو دعوة، وأذكر بشيء من الحزن أنني كنت مع بعض الإخوة الأفاضل لفترة تقرب من الخمس سنوات، ثم عندما اختلفت مناطق عملنا انقطعت العلاقة بشكل مفاجئ حتى دون لقاء توديع أخير، ولعلني ألوم نفسي كذلك أنني قصرت في هذا الأمر أيضًا.