أثار إعلان الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن سلسلة من التدابير لمحاربة كل أشكال "التطرف الإسلامي" مستخدمًا تعبيرًا مثيرًا للجدل - وهو "الإسلام الانفصالي" - ردود فعل غاضبة لدى مسلمي فرنسا ومسلمي العالم.

فقال رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب: إن تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول مكافحة "الانفصال الإسلامي"، بأنه معاداة للإسلام.

وأضاف - في تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" - أن "تصريحات الرئيس الفرنسي الذي يُفشل السلام في الساحل الإفريقي وليبيا، ويثير الفوضى في العالم الإسلامي، ويقدّم السلاح للانقلابي حفتر، حول اعتزامه مكافحة الانفصال الإسلامي، بمثابة معاداة للإسلام".

وتابع: "على فرنسا أن تواجه أولاً، ماضيها العنصري والمليء بالمجازر".

وأرفق شنطوب تغريدته بصورة لمعانقة ماكرون واللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر.

كما اعتبر عدد من ممثلي الجالية الإسلامية في فرنسا أن بعضا من هذه الإجراءات كانوا سباقين لاقتراحها لحماية أبنائهم من كل أشكال التطرف، وعبروا عن رفضهم أن يُزج بهم مرة أخرى في مزايدات سياسية بين الأحزاب مع اقتراب أجل الانتخابات البلدية المقررة الشهر المقبل.

وبخصوص أبرز هذه الإجراءات التي أعلن عنها إيمانويل ماكرون قبل يومين، وقف استقدام أئمة ومدرسين للغة العربية من عدد من الدول الإسلامية، ووقف كل أشكال تدخل هذه الدول في بناء أو تسيير مساجد ومدارس إسلامية، كما شدَّد على أن بلاده لن تسمح بانتشار الإسلام السياسي.

وعبر أنور كبيبش، رئيس مجلس الديانة الإسلامية سابقا، ورئيس المنظمة الإسلامية "تجمع مسلمي فرنسا"، عن تحفظه، بشأن  تعبير "الانفصال" مؤكدًا أن بعض مظاهر الانفصال عن المجتمع وقيم الجمهورية الفرنسية ليس بسبب التشدد في مظاهر التدين، ولكن أحيانًا كثيرة بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية، بينها الفقر والتهميش والإقصاء والعنصرية.


كبيبش دعا لعدم وصف المسلمين بالانفصاليين (الجزيرة)
 

كما أكد أنور كبيبش - في تصرح لـ"الجزيرة نت" - أنه لا يجب وصم ملايين المسلمين بـ"الانفصاليين"، مؤكدًا أن "الانفصالية" ظاهرة هامشية، تمس فئة قليلة من المسلمين الفرنسيين، لهم قراءة ضيقة للإسلام، أما الأغلبية الساحقة منهم فهي مندمجة وتحترم قيم الجمهورية الفرنسية خصوصًا مبدأ العلمانية.

ولفت كبيبش إلى أن أغلب الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس ماكرون، كان قد اقترحها بدوره عندما كان رئيسًا للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بينها وقف استقدام أئمة من عدد من الدول الإسلامية؛ لأن هؤلاء الأئمة أغلبهم لا يتقنون اللغة الفرنسية، ولا يفقهون كثيرًا في قيم الجمهورية الفرنسية، وبالتالي لا يمكنهم التواصل وتوجيه خطاب ديني يتناسب مع طبيعة النظام العلماني الفرنسي، حسب وصفه.

وأوضح كبيبش أن لا مانع لديه أيضًا في وقف استقدام مدرسين أجانب لتدريس اللغة العربية؛ لأن أغلبهم لا يتقن اللغة الفرنسية، وبالتالي يفضل أن يتم تدريسها، كلغة حية في المدارس الفرنسية، مثل باقي اللغات الحية الأخرى لكل الفرنسيين وليس لأبناء الجاليات الإسلامية فقط..


جاب الله أكد أن مسلمي فرنسا مندمجون بإيجابية في مجتمعهم (الجزيرة)
 

بدوره عبر أحمد جاب الله، الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (تضم نحو 300 جمعية إسلامية)، عن استغرابه من استخدام الرئيس الفرنسي تعبير "الانفصال الإسلامي"، مؤكدًا أن الواقع على الأرض يفند هذه المزاعم، لأن مسلمي فرنسا مندمجون ويسهمون بإيجابية في مجتمعهم، ويعتلون مناصب ووظائف مهمة في كل المجالات والتخصصات.

وأوضح جاب الله في تصريح للجزيرة نت، أنه إذا كانت هناك انعزالية بسبب الدين فهي لفئة شاذة، وهامشية، أما أغلب حالات الانفصال فلها جذور اقتصادية واجتماعية، بسبب التمييز والعنصرية التي تعيشها هذه الفئة من المسلمين.

ولفت الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا إلى أن حديث الرئيس ماكرون عن محاربة الإسلام السياسي، أمر غير مفهوم؛ لأنه ببساطة غير موجود، ومجرد أراجيف، معتبرًا أنه يتم حث المسلمين على عدم الانفصال لكن حينما يرغبوِن بلعب دور إيجابي في المجتمع، واقتحام كل المجالات بما فيها السياسة، يتم وصمهم بنشر الإسلام السياسي.

ولفت جاب الله إلى أن مسلمي فرنسا ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها إلى هذا النوع من الخطاب الذي يعتمد على التهويل والتضخيم لظواهر اجتماعية واقتصادية ليتم إعطاؤها صبغة دينية لأهداف سياسية وانتخابية.