بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني وأخواتي الكرام..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب رسالتي هذه في ذكرى الإسراء والمعراج، استكمالاً لما كتبته في غرَّة رجب، وقد ابتلى الله تعالى الإنسانية بوباء "كورونا"؛ لعل الله يقبل تضرعنا إليه في هذه الأيام المباركات، ويوفقنا إلى الأخذ بأسباب النجاة لنا نحن المصلين المتضرعين ولأهلينا في أوطاننا المنكوبة بالاستبداد والفساد.

وأرجو أن يكون في ذلك أيضًا عبرة لكل هَلوع جَزوع "إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلا الْمُصَلِّينَ" (المعارج: 19-22).

والواجب علينا نحن الإخوان أن نبدأ بأنفسنا فنستكمل بقية صفات المصلين الذين ينجيهم ربهم, فإن الأمنيات لا تغني عنا من الله شيئًا، فهولاء المصلون وصفهم ربهم بصفات عشر، كما جاء في سورة المعارج (الآيات من 23- 34):

1- "الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ".

2- "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ".

3- "وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ".

4- "وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ".

5- "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ".

6- "إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ".

7- "فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ".

8- "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".

9- "وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ".

10- "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ".

إخواني وأخواتي الكرام..

في رسالتي إليكم في مطلع العقد الميلادي الجديد 2020م، والتي خاطبت فيها أجيال الأمة الإسلامية من خلالكم، أكدت أن تُعِدَّ أجيالُ النهضة نفسَها لعقود مقبلة من التضحيات العزيزة والصبر الجميل والعمل المتواصل، والدفع بالتي هي أحسن لاستعادة وحدتها وإزاحة المستبدين المفسدين عن قيادتها.

كما أكدت أن تتجهز أوطانُنا للمعركة الفاصلة مع أعدائها الغاصبين المحتلين "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" (الإسراء: 7)

وفي رسالتي إليكم في غرة شهر الإسراء أشرت إلى أن عودة الأمة إلى المساجد في الفجر العظيم كان فيه إحياء للقلوب وإذهاب لكل خشية من غير الله من حكام مستبدين أو صهاينة محتلين وتجديد للعهد مع الله تعالى في كل صلاة على تحرير الأقصى، ثم أكدت أن نستكمل شروط العقد بين المؤمنين وربهم على سلعته الغالية ألا وهي الجنة، فنكون نحن (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) (التوبة: 112)، عسى الله تعالى أن يغير موازين القوى في بلادنا المبتلاة بالفساد والاستبداد الذي فرّق الشمل وأضاع الثروات وفرط في الأوطان، فيرينا الله تعالى آية بهذه الجائحة التي اختلت بها الموازين على الساحات الوطنية والإقليمية والعالمية ومن حيث لا يحتسب الجميع فأصبح لكل منهم شأن يغنيه.

وتمضي سنة الله تعالى في خلقه "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا. وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا. كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا" ( الإسراء: 18-20)، فارتقبوا عطاء الله بالتيسير والنصر والتمكين ما أحسنتم في سعيكم للآخرة.

فالحمد لله لدى كل منا إجراءات واضحة على مستوى الفرد والبيت والمجتمع والتي بها تتحقق الريادة المجتمعية بفعل الخير والدفع بالتي هي أحسن، الذي يفتح الله به قلوب الناس لدعوته " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد: 17)... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21).

أ.د. محمود عزت

القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الأربعاء غرة شعبان 1441هـ - 25 مارس 2020م