اقترب الماراثون الرمضاني من نهايته.. وها هي ملائكة الرحمن تنزلت في ليلة القدر.. فرحة برؤية المتسابقين المشمرين الجادين.. وها هي الجنة قد فتحت أبوابها وتزينت..

وها هو باب الريان مفتوح على مصراعيه لاستقبال من يصل إلى خط النهاية.

فرمضان كما يصفه الحسن البصري- رحمه الله- مضمار سباق، يقول الحسن: "إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون".

وها هو علي- رضي الله- وعى هذا المعنى فكان يخرج قرب نهاية الماراثون في آخر ليلة من شهر رمضان يستحث المتسابقين ويحفزهم وينادي بأعلى صوته: "ليت شعري.. من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟".

وترجمان القرآن ابن مسعود- رضي الله عنه- ذلك الفارس الذي تميز في هذا الماراثون كان يقول نفس كلام الإمام علي "من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟؟"

أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك!

هيا أيها المتسابقون: فلنجتهد لنكون من المقبولين، ولنلحق بركب الصالحين فما بقي إلا القليل.. والعبرة بالخواتيم.

الاستغفار ختام السباق
 
فقِه هذا المعنى الخليفة الفقيه الراشد عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- فكتب إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة، يقول عمر في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف: 23)، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: ﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (هود: 47).

وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ (الشعراء: 82).

وقولوا كما قال موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (القصص: 16).

وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: ﴿ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنبياء: 87).

يقول الحسن: أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة، ويوصي لقمان ابنه فيقول: "يا بني عود لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلاً.

فلنكثر من الخصلتين اللتين نرضي بهما ربنا بأن نشهد أن لا إله هو إلا هو الغفور الرحيم وأن نستغفره ونتوب إليه.

فيا متسابقينا الكرام: ها هو السباق قد أوشك على الانتهاء ولم يبق منه إلا القليل، فمن كان منكم أحسن فيه فعليه بالتمام، ومن كان فرط  فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام فاجتهدوا فيما بقي منه، واستودعوه عملاً صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.

وقبل النهاية وقفة محاسبة
 
من منَّا لا تؤلم نفسه لحظات الفراق؟! ومن منا لا تجرح مشاعره ساعات الغياب؟! بدموع الفرح استقبلناك يا رمضان، وها نحن بدموع الأثر والتأثر نودعك.. نادمين كل الندم على التقصير.

إخواننا المتسابقين: ونحن نودع السباق نتذكر أن رمضان قد جاء وها هو يذهب وقد طوى دفاتره وسوى حساباته فليقف كل متسابق منا مع نفسه وقفة وقفة محاسبة

1- كيف استقبل ضيفه؟

2-هل أطعم جارًا؟ هل زار أخا في الله؟ هل عاد مريضا؟

3-هل فطر صائمًا؟

4- هل نصر مظلومًا وأعانه على تخطى ظلامته؟

5- هل مسح على رأس يتيم وآواه؟ وما أكثرهم في أمتنا.

6- هل صادف ضالاً فعمل على هدايته وتوجيهه والأخذ بيده ليثوب إلى رشده؟

7- هل جبر كسر مجروح وواساه وأدخل السرور عليه؟

8- هل طيَّب خاطر محروم؟

9- هل أصلح ذات البين؟

10- هل تذكر إخوانه المجاهدين هنا وهناك فادخر لهم شيئًا من كسب يده لعل الله أن يدفع به عنه مكائد الأعداء؟

11- هل برَّ والديه وقام بصلة رحمه وقدر معلميه وحفظ عرض إخوانه؟

دمعة فراق

وما أجمل أن نختم ونحن نناشد مع ابن رجب- رحمه الله- رمضان أن يترفق بنا:

رمضان ترفق

دموع المحبين تدفق

قلوبهم من ألم الفراق تشقق

عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق

عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرق

عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق

عسى أسير الأوزار يطلق

عسى من استوجب النار يعتق

عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق

رمضان ترفق

رمضان ترفق

رمضان ترفق