هل حقيقى يعيش ديننا الإسلامى أزمة حول العالم كما ادّعى "ماكرون"؟ أم أنها الكراهية والعداوة التى يكنّونها لهذا الدين ويتوارثونها جيلًا عن جيل؟ لا تجهد نفسك كثيرًا فى الإجابة عن هذا السؤال وقد اخترت لك مقتطفًا من أقوال مواطنى الرجل، منهم من سبقه بنحو قرن، نفثوا السموم نفسها التى صرح بها منذ أيام.

على منواله تحدث مسئول بوزارة خارجية بلده (عام 1952م) قال: (ليست الشيوعية خطرًا على أوربا فيما يبدو لى، إن الخطر الحقيقى الذى يتهددنا تهديدًا مباشرًا وعنيفًا هو الخطر الإسلامى، فالمسلمون عالمٌ مستقلٌ كل الاستقلال عن عالمنا الغربى، فهم يملكون تراثهم الروحى الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون بأن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية فى الحضارة الغربية)، ثم يتوقع تمدد الإسلام فيقول: (وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة، فكان الإخفاق الكامل مقابل مجهوداتنا الكبيرة الضخمة. إن العالم الإسلامى عملاق مقيد لم يكتشف نفسه اكتشافًا تامًّا، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى فى مستقبل أحسن وحرية أوفر).

هذه هى الحقيقة التى دفعت زعيم أكبر دولة تتبنى "العلمانية" إلى إطلاق تلك التصريحات العنصرية التى إن دلت على شىء فتدل على أن الغرب هو من يعيش أزمة حادة بسبب الإسلام، وفى حالة صراع "حضارى" مع هذا العملاق الذى عيَّنه الوزير الفرنسى منذ سبعة عقود. أما أزمة العلمانية فهى التناقض الكبير بين النظرية والتطبيق؛ ففرنسا بها ستة ملايين مسلم ويمثل الإسلام الديانة الثانية فى هذه الجمهورية التى تحتضن الإلحاد كما تحتضن ديانات ومذاهب أخرى، ورغم ذلك فإن المسلمين دون غيرهم هم من يتعرضون للتهميش ومحاولات التمييز والتحريض عليهم، من الإعلام ومن الساسة الرسميين ومن اليمين المتطرف؛ ما جعل ظاهرة "الإسلاموفوبيا" فى أقصى درجاتها، حتى أنه تم رصد "استبداد" حكومى بعد حادثة "شارلى إيبدو" عام 2015م تمثل فى غلق عشرات المساجد ووضع شخصيات إسلامية رهن الإقامة الجبرية، وفرض رقابة صارمة على تبرعات المسلمين، غير مشروع وعد "ماكرون" بتقديمه للبرلمان نهاية العام ينص على منع الحجاب وعزل المسلمين –تقريبًا- عن المجتمع الفرنسى.  

إن المفردات التى أطلقها "ماكرون" مثل: التشدد الإسلامى، الإرهاب الإسلامى، الانفصال الإسلامى، النزعة الإسلامية الراديكالية، وأخيرًا تصريحه العنصرى: "على فرنسا التصدى لـ(الانعزالية الإسلامية) الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية" -تؤكد جهل الرجل والتزامه طريق آبائه المتعصبين فى آن معًا؛ فإن الإسلام الذى يصفه بـ"الانعزالية" هو من دعا إلى التعارف والتقارب بين الشعوب: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]، ونادى بالتنوع والتعددية، ودعا إلى الحوار واحترام الآخر، وكرّم الإنسان على العموم، وأمر بالعدل والقسط بين الناس، والتعاون على البر والتقوى، وأقر الاختلاف (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود: 118]، وستظل "وثيقة المدينة" دليلًا على عظمة ورحابة صدر هذا الدين.

فى الذكرى المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر قال أحد الخطباء: "إن احتفالنا اليوم ليس احتفالًا بمرور مائة سنة على احتلالنا الجزائر، ولكنه احتفال بتشييع جنازة الإسلام".
المستهدف إذًا هو الإسلام بعيدًا عن قصة "الجمهورية العلمانية" وذلك الاستهلاك السياسى الترفى الذى تشهده فرنسا 2020، أكد ذلك –كما ذكرت- تصريحات "الآباء الفرنسيين"؛ فالمستشرق الفرنسى "كيمون" يقول: (من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته فى متحف اللوفر) و"جوليمين" فى كتابه "تاريخ فرنسا" يردد شبيهًا بتصريحات "ماكرون" فيقول: (إن محمدًا مؤسس دين الإسلام قد أمر أتباعه أن يُخضعوا العالم، وأن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو، ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين –يعنى المسلمين- وبين النصارى)، وإن يقينهم بسيادة هذا الدين هو ما يضعهم فى هذه الأزمة وذلك المعترك، يقول "هانونو"، وزير خارجية فرنسا الأسبق: (لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذى يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق أى دين آخر).

ولقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحالة النفسية التى تصيب زعماء الكفر عندما يكتسح الإسلام ويتضاعف أتباعه، قال تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33]، هو إذًا العناد والكبر، والإصرار على عدم الاعتراف بالحقيقة خوفًا على ضياع مكاسبهم وانفراط عقد جماعتهم التى يبرزون ويسودون من خلالها، ونورد بمناسبة هذا الكلام شهادة حيى بن أخطب، سيد يهود بنى النضير، فى النبى –صلى الله عليه وسلم- ولماذا لم يؤمن به، تحكى السيدة "صفية" -رضى الله عنها- تقول: (لما قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المدينة ونزل قباء فى بنى عمرو بن عوف غدا عليه أبى حيى وعمى أبو ياسر مغلسين –أى ساروا بغلس وهو ظلمة آخر الليل- قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلىَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمى أبا ياسر وهو يقول لأبى حيى: أهو هو؟ (أى: هل محمد –صلى الله عليه وسلم- هو النبى الذى ننتظره، الموجودة بشارته فى كتبنا؟) قال حيى: نعم والله. قال أبو ياسر: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال أبو ياسر: فما فى نفسك؟ قال حيى: عداوته والله ما بقيت). وهذا هو حال "ماكرون" وإخوانه الغربيين.