بين الحين والآخر، يتأكد أن السياسات التي تتبعها نظم التطبيع العربية حيال الإسلاميين في المنطقة هي من إنتاج "المطبخ" الصهيوني، قلبا وقالبا، حيث يتم طبخها وهندستها وإرسالها "معلبة"، ليقوم الإعلام المتصهين في بلادنا بـ"دلقها" عنوة في عقول الجماهير العربية؛ سعيا لتزييف وعيها وتغييب ضميرها وقلب الحقائق لديها، والمستهدف طرف واحد هم الإسلاميون.

فهم العدو الأخطر على المشروع الصهيوني وعلى مشروع الحكم العلماني الاستبدادي في بلادنا، ولذلك، توافق الطرفان (الصهيوني والعلماني الاستبدادي) على شيطنة الإسلاميين أصحاب المشروع الإسلامي الحضاري، وتسفيه مواقفهم والتشكيك في وطنيتهم وتصويرهم كخطر داهم على البلاد؛ فمشاركتهم في الحياة السياسية "تهديد للديمقراطية لعدم إيمانهم بها"، وفوزهم في الانتخابات النزيهة "احتلال وسيطرة" كقوم لا يستحقون الحرية والمشاركة الديمقراطية، كما أن المظالم التي يقاسون منها تحت قمع النظم الدكتاتورية، ليست إلا "مظلومية وهمية" يروجون لها للابتزار واستدرار عطف الشعوب!

الصلة وطيدة بين الكيان الصهيوني والأنظمة القمعية التي انزلقت إلى مستنقع "التطبيع"، وأهم ما يجمعها الرغبة في إزالة الإسلاميين من الخارطة، بحكم أن مشروعهم يحمل في طياته زوال الاثنين معا؛ فالنظم الدكتاتورية تستميت في الاحتفاظ بالسلطة والثروة والصولجان بأي ثمن، ولا تتأخر عن بيع نفسها والبلاد للصهاينة في سبيل إشباع نهم السلطة. أما الكيان الصهيوني، فصاحب مشروع "إسرائيل الكبرى.. من النيل إلى الفرات"، لكنه مهدد بالزوال في وجود حركات إسلامية وطنية، تقدس الوطن وتجعل من هذا "الكيان" عدوها الأكبر، وأخذ المطبخ الصهيوني يجهز الوصفات الإعلامية والسياسية لشيطنة تلك الحركات الإسلامية والتحريض عليها، وتتلقف نظم التطبيع الفاشية تلك الوصفات الجاهزة؛ لتسويقها على أوسع نطاق في إعلامها وبحناجر إعلامييها.

ولم يعد الأمر سرا، فقد باتت كثير من الوصفات والمخططات على المكشوف، وأصبح الإعلام الصهيوني يعج بتلك الوصفات ويطرحها بكل وقاحة على الملأ، وبات إعلام التطبيع يروجها بحقد أعمى للحيلولة بين الإسلاميين والحصول على حقوقهم السياسية والحياتية والإنسانية.

وقد وجدنا مثالا فجّا لتلك الوصفات المسمومة في مقال الكاتب الصهيوني "إلداد بيك" بعنوان: "إدارة بايدن تعيد إحياء تهديد الإخوان المسلمين"، المنشور في صحيفة "إسرائيل اليوم" في 1 مارس 2021م، ويحاول فيه إشاعة جو من الرعب بالتحذير من أن إدارة بايدن "على وشك ارتكاب خطأ مدمر"، بضم جماعة الإخوان ضمن من يجب أن يشملهم احترام حقوق الإنسان التي يتبناها بايدن، معتبرة ذلك من قبيل "الجنون الأيديولوجي الذي استولى على اليسار في الدول الغربية بوضوح، في تعامله مع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وتوابعه". وينعى الكاتب على الجماعة تمكنها من تصدير نشاطها لأوروبا والولايات المتحدة، بعد أن أصبحت مطاردة من قبل معظم الأنظمة العربية ونجاحها في خلق صورة لنفسها كـ"ضحية سياسية مضطهدة". ويقدم الكاتب الجماعة على أنها خطر على البشرية يجب إزالته، وأنها - في نظره الأعمى - تارة متطرفة وتارة أخرى إرهابية.

ويشكك "إلداد بيك" في كون الإخوان المسلمين أصحاب شعبية أكدتها نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة، مؤكدا أن وصولهم للحكم يعد جنونا ويمثل تدميرا للديمقراطية - هكذا بكل وقاحة - مثلما هو حادث اليوم في "على يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحكم حماس الإرهابي في قطاع غزة، والجنون الذي أنقذ مصر منه انقلاب الجيش على حكم الرئيس محمد مرسي". ويزيد الأجواء رعبا بالقول:

"الإخوان المسلمون ليسوا بديلا ديمقراطيا للأنظمة في الشرق الأوسط، إنهم يريدون استخدام الديمقراطية لفرض نظام ديكتاتوري مظلم". ويدين بكل شدة رفضهم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومعارضتهم لأفكار محمد بن سلمان كحاكم نموذجي في رأيه! وذلك بيت القصيد في حقده وعدوانيته.

ويصل به الجنون والوقاحة الذروة بالقول؛ إن إقدام بايدن على الإقرار بحقوق الإخوان وحقهم في التمتع بحقوق الإنسان خطأ مدمر!! ولم لا يقول ذلك لبايدن؟ ألم ينفذ عبيد الصهاينة أكثر من ذلك، سجنا وقتلا وتشريدا وحرمانا من كل حقوق الحياة؟!

وبعد.. أليس هذا عين ما يردده إعلام الانقلاب وأعوانه وباقي نظم التطبيع المتصهينة؟ إنها بضاعة واحدة.. المنشأ صهيوني والتوزيع في بلادنا.

*نقلا عن "عربي21"