د. عز الدين الكومي

حاول النظام الانقلابى من خلال مسلسل " الاختيار2"  تزييف التاريخ وطمس الحقائق، بإبراز رواية العسكر عن مذبحة رابعة، لكن يفضح هذه الرواية وهذا التزييف، أنَّ شهود العيان على المذبحة مازالوا على قيد الحياة، كما أن العالم كله شاهد بالصوت والصورة إرهاب العسكر من خلال البث المباشر، فالعالم كله شهود عيان على هذه المجزرة.
فقد شاهد العالم كله قيام جلاوزة الشرطة والعسكر، على نحو ممنهج ، بإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين السلميين، من رجال ونساء وأطفال.
هذه المذبحة التى  قالت عنها  منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن  ما جرى في ذلك اليوم "هو أكبر وقائع قتل للمتظاهرين في العالم، جرت في يوم واحد، في التاريخ الحديث".
وقالت  في تقريرها الذى أصدرته بعد عام كامل من المذبحة في 2014 بأن أدلة قوية تشير إلى تعمد قوات الأمن إشعال الحرائق في منصة رابعة، والمستشفى الميداني، ومسجد رابعة، عقب السيطرة على ميدان الاعتصام، فضلاً عن الإعدامات الميدانية التى نفذتها قوات الأمن ضد المعتصمين الذين تم إلقاء القبض عليهم بإطلاق الرصاص الحى عليهم.
كما أن قوات الأمن استخدمت "القوة المميتة" دون تمييز، وكان القناصة المتمركزون داخل ناقلات الجنود وبجوارها يطلقون النار على حشود كبيرة من المتظاهرين. مع وجود قناصة آخرين كانوا يطلقون النيران من مروحيات فوق ميدان رابعة.
ولكى يبرئ النظام القاتل نفسه من هذه المذبحة التى مازال عارها يلاحقه حتى اليوم إلى ماشاء الله - هل نسى المصريون مذبحة دنشواي؟ وهل نسى الفلسطينيون مذبحة دير ياسين؟ - لقد قام النظام باستدعاء بعض "المشخصاتية" الذين حققوا نجاحات في أعمال فنية سابقة؛ لتوظيف حضورهم الجماهيرى في غسل يديه من دماء المئات في مذبحة القرن، ليحول القاتل إلى ضحية – لا ينقصه إلا أن يصرخ في الميدان "سلمية سلمية"- كما هى عادة النظم المستبدة!!
  وهذا ليس بجديد على النظم المستبدة؛  فقد درجت هذه الأنظمة منذ خمسينيات القرن الماضى  على توظيف الفن والمشخصاتية في إلهاء الشعب  بأحداث زائفة،  وتطويعها لتحقيق أهدافها في تشديد قبضتها الأمنية  وتبرير جرائم تلك النظم،  وتزييف الحقائق.
وقد حرص النظام الناصرى خلال حقبة الخمسينيات والستينيات على  توظيف السينما والفن من خلال تمجيد النظام الناصري، وتشويه النظام الملكى قبل ثورة يوليو 1952. 
ففى الوقت الذى كانت فيه السينما في ظل النظام الملكى  تقتصر على الأفلام الهزلية والفواجع الإنسانية والتي تنتهى دائمًا بنهايات سعيدة؛ لأن الوعى - بحكم وسائل التواصل التي لم تكن قد انتشرت مثل اليوم - في تلك الفترة لم يكن على درجة عالية لدى فئات من الشعب، فكان يعتبر هذه الأفلام نوعا من الترفيه والتسلية. 
لكن سرعان ما تغير الوضع في العهد الناصرى فتم توظيف الفن بدرجة كبيرة لخدمة النظام، لتبرير أعمال العسكر الجديدة أو "الفواريق الجدد" لانتقاد الماضي و الإعلاء من شأن النظام الجديد، وأنه يسعى لإزالة الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، والعمل على تحقيق أهداف الثورة، ومن أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية.
فكان للسينما في الحقبة الناصرية هدف واحد هو؛ الدفاع عن النظام، وتبرير تصرفاته الشاذة، والقبول بكل تصرفات العسكر طالما تخص الزعيم الملهم.
وقد تغير الوضع بعد هزيمة 67 ؛ حيث ظهرت موجة الأفلام الكوميدية ، بهدف إلهاء الناس وصرف أنظارهم عن فساد طبقة العسكر الحاكمة، وأنهم هم السبب الحقيقى في هذه الهزيمة المذلة.
حتى أصبح الفن والفنانات جزءا لايتجزأ من استراتيجية النظام في الفساد والقمع وانتهاك الحريات وحماية الفساد. 
وفى فترة حكم السادات ظهرت الأفلام التى تمجد السادات، باعتباره بطل الحرب والسلام،  وانتقاد النظام السابق وبيان مثالبه!!
أما فى عصر مبارك، فقد تم استخدام السينما والفن بشكل كبير، حيث انتشرت موجة الأفلام الهابطة والمسفة كوسيلة لإلهاء الناس عن قضايا الفقر وتردى أوضاع التعليم والصحة، فظهرت أفلام عبثية، كما انتشرت فضائيات وقنوات الرقص والأغاني لإلهاء الناس.
وبعد الانقلاب العسكرى – في يوليو 2013 -  ركز هذا النظام الانقلابي بشكل كبير على استخدام الفن بصورة غير مسبوقة، ربما يعود  ذلك للخلفية المخابراتية لرأس النظام الانقلابى، من إحكام القبضة الرقابية والأمنية علي السينما عن طريق رجال الاعمال، الذين أسسوا شركات إنتاجية، بدأت في صناعة الأفلام التى تروج للنظام الانقلابى  .
فبدأت المخابرات بتأسيس عدد من شركات الإنتاج الفنى لإنتاج مسلسلات وأفلام لدعم النظام الانقلابى، وإظهاره بمظهر المنقذ الذى أنقذ البلاد من نظام الإخوان الذين سعوا خلال فترة حكمهم لعودة "الخلافة الإسلامية".
كما تم إنتاج مسلسلات تظهر بطولات زائفة لضباط الجيش والتغطية على جرائمهم في سيناء من القتل والتهجير القسرى، وإتلاف المزروعات، كما حدث في مسلسل "الاختيار1 " .
ثم تم انتاج "الاختيار 2 "، والسعى لتوظيفه؛ لتبرير إرهاب الدولة ضد الشعب وتبرئة العسكر من دماء المعتصمين في ميدان رابعة، والتغطية على فشل النظام في جميع الملفات، وآخرها " سد النهضة".  
لكن ترى هل يمكن من خلال إنفاق مليارات الجنيهات سيغطى هذا الانقلاب المأزوم على "مذبحة القرن" التى مازالت أحداثها موثقة فى ذاكرة العالم أجمع؟ وهل بهذا المسلسل ستطوى صفحة "مذبحة القرن" كما يتوهم العسكر؟!!
وكما قال الشيخ سلمان العودة- فك الله أسره – فى تغريدته الشهيرة”غمة مصر”: ” ألا أيها المستبشرون بقتلهم ؛ أطلت عليكم غمّةٌ لاتفرّجُ”.
"رابعة مذبحة" لم ولن تسقط بالتقادم، فليذهب كل مشخصاتي خائن عميل إلى مزبلة التاريخ. وها هى البلاد غارقة فى الفساد والفشل والهزائم، ومع ذلك فالانقلاب حريص على إنتاج  أعمال فنية تافهة تحرض على الفتنة والقتل ونشر الرذائل والأكاذيب،  وتضليل الشعب وتزييف التاريخ، ظناً منه أنه بهذه الأساليب الرخيصة سيصرف الأنظار، ويلهى الشعب عن حوادث الطرقات والسكة الحديد، وانهيارالاقتصاد، وفشل منظومة التعليم والصحة؟!!