ممدوح الولي

ظل الخطاب الإعلامى المصرى المبرر لرفع أسعار الكهرباء سنويا وبإنتظام منذ عام 2014، يبرر ذلك بخفض الدعم عن الكهرباء، لتخفيف العبء على الموازنة العامة المصابة بالعجز واستجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، إلا أن الموازنة المصرية منذ العام المالى 2019-2020 خلت من أي مخصصات لدعم الكهرباء، واستمر ذلك بالعام المالى التالى، وأيضا بالعام المالي المقبل الذي بدأ أول يوليو الجاري.

ورغم خلو الموازنة من أي مخصصات لدعم الكهرباء خلال ثلاث سنوات مالية، فقد استمرت زيادات أسعار الكهرباء خلال تلك السنوات المالية الثلاثة، إضافة إلى خمس سنوات مالية سابقة، ليعاني المواطن المصري من ثماني زيادات لأسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي، خلال ثماني سنوات مالية منذ العام المالي 2013-2014.

وشهدت الزيادات السعرية للكهرباء المنزلية للعام المالى الجديد نسب ارتفاع تراوحت ما بين 8.5% إلى 26%، مع استحواذ شرائح الاستهلاك المتدنية على النسب الأعلى من نمو الأسعار، وكلما زادت شريحة الإستهلاك قلت نسب الزيادة السعرية، حتى تصل إلى عدم تغير السعر بالنسبة لشريحة الإستهلاك الأكثر من ألف كيلوات شهريا.

وهكذا تكون الشريحة الأدنى التى يتراوح استهلاكها من صفر إلى 50 كيلووات، قد تحملت نسبة الزيادة الأكبر، حيث بلغت نسبة الزيادة فى أسعار الكهرباء لها خلال السنوات الثمانية 860%، وتقل النسبة إلى 542% مع شريحة الاستهلاك الثالثة، ثم إلى 458% للشريحة الرابعة و341% للشريحة الخامسة الأعلى استهلاكا خلال الثمانية أعوام.

  جهاز حكومى لحماية مستهلكى الكهرباء

ورغم وجود جهاز يسمى جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك منذ عام 1997، والذى يختص بالدفاع عن حقوق المستهلكين للكهرباء، إلا أن مجلس ادارة الجهاز المكون من 13 عضوا، يرأسه وزير الكهرباء إلى جانب المدير التنفيذي للجهاز، وثلاثة يمثلون قطاع الكهرباء الحكومى و4 أعضاء من ذوى الخبرة يرشحهم رئيس الوزراء، و4 عن المستهلكين يمثلون جهاز حماية المنافسة وجهاز حماية المستهلك واتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية، ولأن رئيسي جهازي حماية المنافسة وحماية المستهلك موظفان بالحكومة، فلا يتبقى سوى شخصين فقط من الثلاثة عشر عضوا يعبرون عن القطاع الأهلى.

والغريب أن جهاز حماية مستهلكي الكهرباء ذكر سبعة حقوق لمستهلكي الكهرباء منها حق الاختيار، أي حق المستهلك فى الاختيار بين أكثر من مورد للكهرباء، بينما الواقع يشير إلى مورد وحيد متاح للمستهلك، يتمثل في شركة توزيع الكهرباء التي يقع في نطاقها الجغرافي، كذلك حق التثقيف أي الإطلاع على القواعد المنظمة للقطاع والمعارف الخاصة به.

وهو أمر غائب أيضا حيث لا أحد يعرف التكلفة الحقيقية لانتاج كيلووات من الكهرباء بالقطاع العام، وكم منه تكاليف إنتاج، وكم منه أجور عمالة زائدة، وكم منه فوائد وأقساط قروض محملة على السعر، وكم منه لتعويض الفاقد الكبير سواء خلال عملية النقل والتوزيع أو بسبب سرقة التيار، أو الإسراف في استخدامه مثل إنارة مسجد الفتاح العليم بمساحته الضخمة وغيره من المنشآت طوال الليل.

حيث نرى أن السبب الحقيقي لاستمرار ارتفاع أسعار الكهرباء هو الخلل المالى للشركة القابضة لكهرباء مصر، والتي تتبعها 16 شركة منها ست شركات للإنتاج وواحدة لنقل الكهرباء وتسع شركات للتوزيع، نتيجة توسعها العشوائي خلال السنوات الأخيرة فى الإنتاج حتى تحقق فائضا ضخما لا تتم الاستفادة به، بينما أصبحت الشركة متخمة بالقروض التي حصلت عليها لتنفيذ تلك القدرات الإنتاجية.

وهي القروض التي بلغت 312 مليار جنيه فى يونيو 2019 كآخر بيانات متاحة، بينما تصل حقوق الملكية 29 مليار جنيه، أي أن القروض تمثل 11 ضعف لحقوق الملكية، وتقتضي المعايير الرشيدة أن تكون النسبة 1 إلى 1 أو 1 إلى 2 على الأكثر، كما بلغت الفوائد والأقساط بالعام المالى 2019/2018 أكثر من 45 مليار جنيه.

  فائض ضخم واستهلاك يتراجع

إلى جانب العمالة الضخمة الموجودة بشركات الكهرباء والتي بلغت 162 ألف في يونيو 2018، وبلغت قيمة أجورها النقدية 19 مليار جنيه حينذاك، وتشير المقارنة بين العمالة بشركات إنتاج الكهرباء التابعة للقطاع العام الستة والتي تراوح عددها ما بين 3110 عامل بأقل شركة و7698 عامل بأعلى شركة، بوجود 257 عاملا بشركات إنتاج الكهرباء التابعة للقطاع الخاص مجتمعة، وكان متوسط نصيب العامل بالشركات العامة 5.7 مليون كيلووات كهرباء منتجة، بينما زاد للعامل بالقطاع الخاص إلى حوالي 8 ملايين كيلووات.

وتزايدت مشكلة الفائض غير المستغل بقطاع الكهرباء، والذي بلغ حوالي 10 جيجا وات بالعام المالى 2017/2016 لتزيد بالعام التالى إلى أكثر من 24 جيجاوات، حتى بلغ 29 جيجا بنهاية عام 2020، أي أننا لم نكن بحاجة لمحطات شركة سيمنس الثلاثة التى بلغت طاقتها معا 14.4 جيجاوات والتي تمت بالاقتراض.

وبرر المسئولون الزيادة الفائضة بأنها ستفيد مع التوسعات في الصناعة والنشاط الاقتصادي، إلا أن المفاجأة أن استهلاك الكهرباء يتراجع، حيث بلغ الاستهلاك الإجمالي 148.5 مليار كيلووات ساعة بنهاية العام المالي 2020/2019، مقابل 154.5 مليار بالعام المالي السابق، ومقابل أكثر من 158 مليار بالعام الأسبق، كما أن الاستهلاك بالعام المالى 2020/2019 كان أقل مما كان عليه قبل خمس سنوات، ونذكر هذا ردا على من يبررون تراجع الاستهلاك بظروف كورونا .

وشمل التراجع بالإستهلاك المجالات المختلفة سواء الإستخدام المنزلى والصناعى والتجارى والإستخدامات الأخرى كالزراعة الري والسياحة وغيرها، وهكذا انخفض استهلاك الصناعة الى 41.2 مليار كيلووات ساعة بالعام المالي 2020/2019، وهو أقل مما كان عليه قبل سبع سنوات بالعام المالى 2014/2013 حين بلغ 41.7 مليار كيلووات ساعة.

وكذلك انخفض الإستهلاك المنزلى إلى 61.6 مليار كيلووات ساعة بالعام المالي 2020/2019، مقابل 73 مليار قبل خمس سنوات، كما كان الاستهلاك المنزلى أعلى قبل سبع سنوات رغم زيادة أعداد المشتركين، من 30.6 مليون مشترك في يونيو 2014 إلى 36.4 مليون فى يونيو 2019.

  قدرات محدودة لخطوط تصدير الكهرباء

وتكررت تصريحات المسئولين المصريين عن الاستفادة بالفائض الضخم في إنتاج الكهرباء، بتصديره إلى دول الجوار مع التوسع فى الحديث عن تصديره إلى قبرص واليونان ومنهما إلى أوربا، وإلى إثيوبيا والسعودية والعراق وسوريا وتركيا وإلى المغرب العربي، لكن الواقع يشير إلى كميات تصدير محدودة إلى الأردن وليبيا وأحيانا لفلسطين ومؤخرا إلى السودان، وتأجيل مشروع الربط مع السعودية لعام 2023 وعدم البدء بعد في تنفيذ الربط مع قبرص.

وكميات التصدير أقل من نسبة الأربعة بالألف من الإنتاج بالسنوات الماضية، إذ إن سعة خط الربط مع الأردن 400 ميجاوات، ومع فلسطين 30 ميجاوات ومع ليبيا 220 ومع السودان 70 ميجاوات، بينما الفائض يبلغ 29 ألف ميجاوات.

وها هي بيانات حصيلة تصدير الكهرباء الصادرة عن جهاز الإحصاء، تشير إلى أقل من 64 مليون دولار أي حوالي 1 مليار جنيه بالعام الماضي كأعلى رقم خلال ثماني سنوات، بينما كانت قيمة تصدير الكهرباء قد بلغت 282 مليون دولار عام 2011 و185 مليون دولار عام 2012.

لتظل مشكلة الفائض والعمالة الزائدة وأقساط القروض وفوائدها موجودة، وليستمر برنامج زيادة أسعار الكهرباء حتى عام 2025/2024 كما أعلنت وزارة الكهرباء، وربما تتم زيادة المدة كما حدث من قبل مرتين عما كان قد تم إعلانه عام 2014.

المصدر : الجزيرة مباشر