وائل قنديل

قامت الدنيا ولم تقعد إلا بتجريد الدكتور الممثل محمد رمضان من درجة الدكتوراه الفخرية، التي حصل عليها مما يطلق عليه "المركز الثقافي الألماني في لبنان"، وإصدار المركز بيان اعتذار إلى الشعب المصري، قال فيه إنه لم يكن يعلم بقصة الطيار الذي مات كمدًا بسبب الممثل.

التفاصيل كثيرة، وقد حفظها كل من تابع هذا البالون المبهر في الفضاء الإلكتروني قاطعًا الرحلة بين بيروت والقاهرة، منطلقًا من ذلك المركز أو المعهد الذي لا علاقة لألمانيا أو سفارتها به.

يلفت النظر أن المركز الذي يسمّى "الثقافي" ومقرّه في بيروت، العاصمة العربية التي لا تزال عصيةً على السقوط في مسار التطبيع، تراجع عن منح الدكتوراه الفخرية للممثل، مستندًا إلى قضيته مع الطيار الذي تسبّب في إنهاء خدمته، وإصابته بالأسى حتى الموت حزنًا، عقب نشر صاحب الدكتوراه صورة له في قمرة القيادة، وهو يقوم بوظيفة الطيار.

لم تلفت نظر المركز الثقافي الألماني، مثلًا، حكايات التطبيع الساخن بين الممثل وصهاينة دبي وأبوظبي، في حفلات تدشين العلاقة الحميمية بين الإمارات والكيان الصهيوني، لكنه اختار قضية الطيار الضحية لتكون مبرّرة في سحب الدكتوراه.

محمد رمضان هو أحد أيقونات انحطاط فن صناعة السينما العربية، وقبل ذلك هو العنوان الحقيقي لانهيار الذوق العام، والانتقال بالفن من المفهوم الأرسطي، فعل تطهر، أو في تعريفات أخرى تالية وسيلة للارتقاء بالمجتمعات، إلى مفهوم جديد تمامًا يجعل الفن وسيلة تدمير للوجدان والعقل وترويج قيم الفساد والاستبداد، وتسييد الجهل والسوقية.

غير أن هذا كله ليس إلا الانعكاس لسياقٍ عام يعادي الفن الحقيقي والعلم الحقيقي والثقافة الحقيقية، ويحارب بلا هوادة كل من تتجسّد فيهم هذه المعاني ويُقصيهم ويهمّشهم، بل ويسخر منهم، كذلك، فيما ينتجه من أعمالٍ بقصد احتلال وعي الجمهور، ثم إعاده هندسته وتشكيله، بما يجعله في حالة تفاعل واستجابة كاملتين لكل ما هو زائف وفاسد، والنفور من كل ما هو حقيقي.

في ذلك، يمكن القول إن ما تسمّى "الدكتوراه الفخرية" في العالم العربي باتت واحدة من أدوات تكريم الجهل والاحتفاء به، واعتباره معيار التميّز والنبوغ، سواء جاءت هذه الدكتوراه الفخرية من جامعةٍ هي الأعرق والأقدم في الشرق الأوسط لملك أو حاكم لا يجيد القراءة والكتابة، وكل مؤهلاته أنه يموّل منظومة استبداد وفساد سياسي تحقق له طموحاته .. أو كانت هذه "الفخرية" صادرة من معاهد ومراكز وهمية، مجهولة المنشأ والمصدر.

وبالتالي عليك وأنت تنهال بالسخرية والسباب لنموذج محمد رمضان، وما يمثله من انهيار، ألا تنسى أن هناك من هم أجهل منه وأشد بؤسًا معرفيًا، حصلوا على شهادات وألقاب لم يكن نيوتن أو أينشتاين يحلمان بالحصول عليها.

هذا المناخ الذي يقبل بكل أريحية أن يتعاطى مع وصف الجنرال عبد الفتاح السيسي لنفسه أنه "طبيب الفلاسفة صاحب العلم اللدني" هو نفسه المناخ الذي يمنح عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، لقب الفيلسوف المجدّد، أو كما ظهر على غلاف كتاب مبتذل الإخراج والألوان "فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم .. دراسات في فلسفة الخشت النقدية أعدها نخبة من المفكرين والأستاذة بالعالم العربي".

خمسة وعشرون اسمًا تجمّعت على غلاف واحد، مجاملة ونفاقًا لرئيس الجامعة، الذي هبط بمستوى الجامعة قبل نحو ثلاث سنوات، إلى ما هو أبعد من عمق انحدار الممثل محمد رمضان بالفن، حين نظّم حفلًا غنائيًا صاخبًا في حرم الجامعة، لمناسبة التصويت على تعديلات دستور السيسي، وأمسك بالميكروفون ليؤدّي نشيدًا للفساد، ويعرض الرشوة على الطلاب، ممثلة في النجاح بمواد الدراسة، والإعفاء من رسوم السكن الجامعي، مقابل التصويت لصالح مواد الدستور التي تجعل السيسي حاكمًا إلى ما لا نهاية.

إذا كان الخشت، صاحب هذه الممارسات، يحمل لقب فيلسوف التجديد فما الذي يمنع أن يلقب محمد رمضان حامل الدكتوراه الفخرية؟

المصدر: العربي الجديد