هو عالم جليل، وداعية عظيم، بل مدرسة تربوية، وعلم من أعلام الدعوة .. شعلة متدفقة بالحيوية والنشاط وموجه الدعاة .. الداعية المعلم بهمة عالية .. جرئ في الحق، لا يهمه تهديد أو وعيد .. نال شهادته من الأزهر الشريف، واعتقل في مصر في عهد عبد الناصر1954 اتخذ من جامع عمر بن عبد العزيز بحلب مقرّاً له جمع فيه الشباب .

يعدّ الدكتور عبد الله ناصح علوان رحمه الله من أهم الدعاة الذين مارسوا التربية دعوة وتأليفاً، وقد شغلت التربية مساحة كبيرة من اهتمامه، تمثلت في العديد من الكتب والمؤلفات التي تعدّ من فرائد المكتبة الإسلامية.

كان الشيخ رحمه الله جريئًا في الحق، وكان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي أحد، مهما بلغت منزلته وسطوته، كان يدرك أن الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسئول في الدولة، كما كان يتضايق من تفرق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.

المولد والنشأة

ولد فقيد التربية والدعوة أبو سعد عبد الله ناصح بن سعيد بن فارس علوان- رحمه الله - في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1346هـ - الموافق سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر، حيث يرجع نسب عائلة الشيخ إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه – تربى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان - رحمه الله - وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلباً للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وقد أسمى ولده (عبد الله ناصح) بهذا الاسم المركب لأنه كان يؤمل، ويدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم، والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه، فصار الشيخ عبد الله داعية، ود. فارس علوان طبيباً .

دراسته ومراحل تعليمه

حصل عبد الله ناصح علوان على الشهادة الابتدائية في مدارس حلب عام 1943، ثم نال شهادة الثانوية الشرعية (الخسروية) في سنة 1949م، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قلّ نظيرهم في ذلك الزمن ، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم .

وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم، ومنهم:

    الشيخ المحدث المؤرخ راغب الطباخ

    الشيخ أحمد الشماع

    والعالم النحوي الصناع عبد الرحمن زين العابدين

    والشيخ ناجي أبو صالح

    وشيخ القراء في حلب نجيب خياطة

    والشيخ عبد الله حمادوالشيخ سعيد الإدلبي

    والشيخ الشاعر أحمد عز الدين البيانوني.

    والشيخ الفقيه الصالح عيسى البيانوني.

 وقد التقى ببعض الدعاة مثل:

    الشيخ يوسف القرضاوي: رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

    والقاضي الشهيد عبد القادر عودة: صاحب التشريع الجنائي في الإسلام .

    والعالم الشهيد سيد قطب: صاحب تفسير في ظلال القرآن .

    والشهيد عبد الله عزام: رائد الجهاد في العصر الحديث .

وحين نزل البلاء بالإسلاميين في مصر سنة 1954م، ووقعت المحنة أصاب الأذى فقيَدنا، فاعتقل، وكان قد بقي له عدة مواد حتى يؤديها، ويتخرج من الجامعة، فكان يؤتى به إلى الاختبار مقيد اليدين، وحين انتهت الاختبارات اقتيد إلى الطائرة لتنقله إلى وطنه، ولم تسمح له حكومة مصر حينذاك أن يكمل دراسته العليا، ويحصل على شهادة الدكتوراه .

وقد حصل الشيخ -رحمه الله- على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة(فقه الدعوة والداعية)، واسمه الحالي مدرسة الدعاة .

جهوده في الحركة الإسلامية المعاصرة في سورية

انتسب فقيدنا إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية شبابه، وعرف بين زملائه في المدرسة بالجرأة في الحق والشجاعة في مواجهة الأحداث . وبدت الشخصية القيادية في تصرفاته، وعرف في المدرسة بالخطابة والقلم المعبر عن أحاسيس المسلمين، وكان بيته في حلب منتدى ومجمعاً لأصدقائه ولأساتذته، وكان الكرم يشمل الجميع من والد الفقيد -رحمه الله- .

وكان الشيخ خلية لا تهدأ في تبليغ دعوة الإسلام والرد على العلمانية والملاحدة واستخدم الخطابة والدروس والمحاضرات والإذاعة والصحافة والأشرطة والاتصال المباشر فأجاب الدعوة وفتح بيته للزائرين . .. وكان إذا خطب تفاعل معه الجمهور ففي خطبة الدستور خرج عشرات الألوف ينادون بالدستور الإسلامي ونبذ الدستور العلماني الذي أقره حافظ أسد دون الرجوع إلى الشعب .

إغراءات حافظ الأسد لكسب ود الشيخ –عبدالله رحمه الله

تم التفاوض مع الشيخ القدوة عبد الله ناصح علوان – رحمه الله -عدة مرات من خلال محافظ حلب تارة وتارة من خلال علماء السلطة ممن له اتصالات وثيقة مع حافظ الأسد وذلك من أجل التخلي عن صدعه بالحق ومداهنة السلطة مقابل تسليمه أرفع المناصب ومنها أن يكون مديرا للأوقاف أو إنشاء جامعة إسلامية في حلب ليتولى الشيخ ادارتها. وقد رفض –رحمه الله -بشدة ذلك .

وطلب أحد علماء السلطة منه أن يستضاف على انفراد مع حافظ الأسد في القصر الجمهوري ليسوق له إغراءاته فرفض -رحمه الله- اللقاء أيضاً فعندما لم يستجب لإغراءات الأسد المتكررة . هدد الشيخ بفصله من عمله في التدريس و كان مصدر دخله الوحيد؛ فقال الشيخ عبدالله أمام المسئول الأمني كلمته المشهوره " والله لبيع بقله وبقدونس على أرصفة حلب أحب إلي من أن أداهن السلطة في دعوتي إلى الله تعالى" .

وما هذه الإغراءات والتهديدات إلا لعلم السلطة الوثيق أن الشيخ –رحمه الله- بيده وقف الهياج الحركي عند الشباب في أكبر مدينة سورية، وهي حلب الشهباء، ويؤكد هذا حين قبض على الشهيد البطل حسني عابو –رحمه الله- وهو زعيم الطليعة المقاتلة في الثمانين من العام الميلادي سأله المحققون من له كلمة مسموعة عند الشباب لنتفاوض معه لننهي القتال المسلح

فأجابهم: شيخ حلب "عبدالله علوان" وكان حينئذ متواريا عن أنظار السلطة لطلبهم اعتقاله، بل وضعوا إغراء ماديا كبيرا مقداره مائة ألف ليرة سورية لمن يرشدهم على مكانه-وكانت الليرة الواحدة حينذاك تعدل ريالا سعوديا واحدا أو تزيد- وتحرك الجهاز الأمني للتفاوض مع الشيخ من خلال مفتي حلب ليبلغ اخوة الشيخ بان النظام أعطى لهم المواثيق و العهود بعدم مس الشيخ عبدالله بأي أذى حتى تتم المفاوضات بين الطرفين وتمت المفاوضات بالفعل وسرعان ما تعثرت...فحينها اقترح مفتي حلب والشيخ محمد الشامي ان يتم التفاوض مع الرئيس مباشرة فوافق الشيخ عبدالله على مقابلة المقبور وذهب مع وفد من علماء حلب كان على رأسهم الشيخ محمد الشامي رحمه الله .

هيبة شيخ حلب أشد في الصدور من هيبة فرعون الشام في قصره

وفوجئ العالم القدوة الشيخ عبدالله ناصح علوان - رحمه الله - حين دخوله القصر الجمهوري بأن هناك حشدا كبيرا من علماء السلطة الذين قدموا ليؤيدوا ويداهنوا حافظ الأسد وكانت كاميرات التصوير للتلفزيون السوري حاضرة فقال للشيخ محمد الشامي لم نأتي هنا لنداهن إنما أتينا لنتفاوض فقال له لم أكن اعلم بان الاجتماع عام وبدأ الهالك بدهائه السياسي بالتحدث عن الاستقرار.

وعن أثر المسلحين الذين يواجههم النظام على استقرار البلد وبعد ذلك بدأ يهدد ويتوعد، وقال سنتعاون معا لنقضي على تلك الجماعة التي تنتمي للإخوان المسلمين، حتى همّ الشيخ عبدالله علوان بالكلام فشد على يده الشيخ طاهر خير الله -رحمه الله - وقال له اتق الله في دمائنا يا شيخ عبد الله فبدأت نظرات علماء السلطة تنظر بعين للشيخ عبدالله وعين على الطاغيه حافظ فكرر الرئيس نفس العبارة سنتعاون معا لنقضي على تلك الجماعة التي تنتمي للإخوان المسلمين وبقيت النظرات من علماء السلطة تنظر بعين للرئيس والأخرى إلى الشيخ عبدالله فلم ينطق أحد من الجمع الغفير لعلماء السلطة بأي كلمة تأييد أو مداهنة للأسد على ما قاله –حقاً- أنها هيبة العلماء الربانيين التي زرعت الخوف في قلوب علماء السلطة.

عندها فطن الأسد بدهائه ونظر بعين جاسرة حقود تقدح بالشر إلى الشيخ عبدالله، وقال للجمع يظهر لي يوجد بينكم من ينتمي للإخوان المسلمين، وعندها تدخل الشيخ محمد الشامي رحمه الله (الذي كان مقرّباً من حافظ الاسد)، وقال يا سيادة الرئيس أنت لست رئيساً لحزب ولا رئيساً لطائفة أنت رئيس للجمهورية ومسئولية الجميع بالنسبة إليك سواء

وقد أثنى الشيخ عبدالله على موقف الشيخ الشامي الحكيم – وقد كان زميلاً له في دراسته بالأزهر - وبنهاية الاجتماع رفض الشيخ عبد الله ضيافة الرئيس، وغادر القصر الجمهوري وبعدها أظهر الأسد غله من الشيخ ومن هيبة الحضور له على هيبته كرئيس للدولة، فأمر باعتقاله حياً أو ميتاً ولكن وفق الشيخ بحمد الله بالخروج من سورية إلى الأردن سجين ومهجر محتسبا ذلك عند الله تعالى . ولم يشف غل وحقد السفاح ما فعله بعائلة الشيخ من قتل وتنكيل وتشريد حتى قام بإرسال من يدس له السم في الطعام لينال بذلك حلم الشهاده الذي كثيراً ما حلم به .

فهل في حلب اليوم من قدوات حية يستجيب لها الجماهير!. وهل يجود التاريخ بمثله خاصة في هذه الظروف الصعبة. فهؤلاء شيوخي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع .