فتحي السيد 

لقد وجد على مر القرون نساء تجاوزن علوم فرض العين إلى فروض الكفاية، فكانت منهن المحدثات العظيمات، والراويات الثقات، وهذا الإمام محمد بن سعد، صاحب الطبقات، يعقد جزءًا من كتاب الطبقات الكبير لراويات الحديث من النساء، أتى فيه على نيِّف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته رضي الله عنهم، وروى عنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين، وكذا فعل غيره من الأئمة في مصنفاتهم.

ومما ينبغي أن يعلم أن المرأة حازت تلك المكانة العلمية الرفيعة ضمن ضوابط شرعية محددة، تهيئ لها المناخ الصالح الذي تأمن فيه الاختلاط بالرجال، وحضور مجالسهم، فكانت تؤدي وظيفة العلم من وراء حجاب، ومن هنا فلا يجوز لأحد أن يستدل بهذه النماذج الطيبة، من العالمات المسلمات، على استحلال ما عليه مجتمعاتنا اليوم من اختلاط فاضح، وتهتك مزرٍ، وتبرج مشين، فهذا لا يمكن أن يقره دين ولا عقل، لتعارضه مع نصوص الشريعة الصريحة، ولمنافاته روحَها الراميةَ إلى سد الذرائع المفضية إلى الفتنة والفساد، ولكن تلك النماذج المشرقة دليل واضح على موقف الإسلام من حق المرأة في التعلم، على أن يتم في حدود ما أحل الله، وعلى أن تراعي طبيعتها وما يناسبها من أنواع العلوم، وعلى أن تصان مما يخدش عقيدتها وآدابها الإسلامية.

وللمرأة الداعية سمات عديدة يجب أن تتحلى بها، منها :

1- الإخلاص:

فما ارتفع عمل إلى السماء أعظم من الإخلاص، ولا نزل شيء إلى الأرض أعظم من التوفيق، وبقدر الإخلاص يكون التوفيق، والله سبحانه وتعالى لا يقبل العمل إلا على شرطين :

أ- أن يكون موافقًا أوامر الله، وعلى سنة نبيه عليه السلام.

ب- أن يكون خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، والنية محلها القلب؛ لذا، فهي شديدة التقلب والانفلات؛ فلا بد من استحضار النية، وتصحيحها قبل العمل، ومراقبتها أثناء العمل، والاستغفار بعد العمل، والداعية المخلصة لا تتأثر من مدح الناس أو ذمهم، ولا تنتظر الأجر إلا من الله .

2- على الداعية أن تقوم بالدعوة بالآداب الشرعية المنوطة بها كامرأة:

وعليها تنظيم وقتها بين واجباتها، وترتيب أولوياتها، بين الارتقاء بنفسها إيمانيًا، وتزكيتها بالعبادات، ورعاية أهل بيتها، والتواصل معهم في ظل ظروف العصر، وصولًا لتحقيق التوازن بين رسالتها في بيتها وبين ما يحيط بأسرتها في المجتمع الخارجي .

3- أن تتحلى بالأخلاق الفاضلة:

وأن تعكس سلوكيات نبيلة تلفت انتباه الأخريات لها، فنحن عندما نرى شخصًا مخلصًا في عمله، يراعي الله فيما يقول ويفعل، ويحرص على تطبيق القيم والمثل العليا، ويعتز بإسلامه ويشعر بالفخر والانتماء إليه، نسعد بصحبته وبالاستماع إلى حديثه، وهكذا الأمر بالنسبة للمرأة المسلمة، فمتى ما نجحت في جذب قلوب الأخريات إليها، من خلال أخلاقياتها وسلوكياتها ومواقفها المختلفة، فإنها ستنجح في أداء رسالتها الدعوية، هذا مع ضرورة الابتعاد عن أسلوب الوعظ المباشر أمام الأخريات، الذي قد يجرح مشاعر المنصوحات وينفرهن، فالداعية إلى الله لا بد أن تكون قدوة في أخلاقها وتعاملاتها، فهي تمثل دين الله، وتترجم ما تدعو إليه من خلال صفاتها الشخصية وتعاملاتها الإنسانية، وأن تكون سمحة، مشفقة، وأن لا تبخل بالابتسامة، والكلمة الطيبة، والإكرام، وإعطاء كل ذي حق حقه من الاهتمام والرعاية، والمعاملة بالحسنى، فهذا الرقي والسماحة في التعامل هو أول شيء جَذَب الناس لهذا الدين؛ فالدعوة إلى الله دعوة حال، ودعوة مقال، ودعوة الحال أشد وأبلغ تأثيرًا في النفوس، والدين المعاملة كما أخبر عليه الصلاة والتسليم.

4- الهم الدعوي:

لا بد للداعية من مولّد داخلي يدفعها للدعوة إلى الله بكل قوة وجلد وهمة، ألا وهو الهم والحرقة؛ فهذا هو هم الأنبياء، فقد كان عليه الصلاة والسلام دائم العبرة، متواصل الأحزان على هذه الأمة، ونحن العالم كله بحاجتنا؛ فلا بد من أن نحمل هم الدعوة لكل العالم؛ المسلمين وغير المسلمين.

5- العلم الشرعي:

يجب أن تتسلح الداعية بأقوى سلاح بعد الإيمان بالله، ألا وهو العلم الشرعي، فالله سبحانه وتعالى أمر الرسول بطلب العلم والزيادة منه، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:14]، فالداعية يكون لها يوميًا مورد عذب من القرآن والسنة وسير الصالحين، وتزداد نورًا على نور، وتوسع مداركها، وتزيد من ثقافتها واطلاعها، حتى لا تتخلف عن ركب مجتمعها وتعيش عالمًا غير عالمها .

ولا يعني هذا أن تبلغ رتبة الاجتهاد في العلم، لا، وإنما تكون على علم بما تدعو إليه.

6- مراعاة أحوال المدعوين:

وتباين مستوياتهم العلمية، والثقافية، والاجتماعية، وحتى العمرية؛ فالداعية الناجحة تخاطب الناس على قدر عقولهم، وبما يعقلون، فلكل طريقة، وأسلوب، ومنهجية، ولكل قلب مفتاح، فلنتعرف على مداخل قلوب الناس حتى نستطيع تحريك وملامسة بذرة الخير الموجودة فيه .

7- الإصلاح الذاتي:

الداعية الناجحة دائمًا تنظر في عيوبها، وتغض البصر عن عيوب الآخرين، وتعمل على إصلاح ذاتها، وأخلاقها، وتعاملاتها، وتنظر للعصاة أو المفرطين بعين الشفقة والرحمة، فهم أولى بها، كما كانت شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم ورحمته للناس أجمعين.