ومن مقومات رجل العقيدة أن يكون نافعًا لغيره

فخير الناس أنفعهم للناس، كما أوضح لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأي نفع للناس أفضل من دعوتهم إلى الله، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، الذي يحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة ونجاتهم من العذاب.

والواقع أن كثيرًا من الناس في غفلة بدرجات متفاوتة، ويحتاجون إلى من يوقظهم من غفلتهم؛ ليتداركواْ حالهم ويعملواْ لآخرتهم قبل أن يحال بينهم وبين العمل، ويواجهون الحساب والجزاء؛ لأن الموت يأتي بغتة، فقد يصبح المرء بين أهله ويمسي وحيدًا في قبره.

وتعوّد الكثيرون- عندما يقدمون خيرًا أو نفعًا لغيرهم- أن يكون مقابل نفع يعود عليهم أو على الأقل شكر عليه.
الإخلاص في بذل الخير:

وعلى الأخ المسلم أن يروِّض نفسه على تقديم الخير والنفع لغيره دون نظر إلى نفع أو شكر من الغير، ولكنه يبتغي وجه الله وثواب الله، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ (الإنسان من12:8).

وعليه أن يستشعر أن الفضل فضل الله، فهو الذي أعطاه ورزقه، وهو الذي وفقه إلى بذله في أوجه الخير، وليطمئن أن الله يضاعف للمحسن إحسانه أضعافًا كثيرة، وما يقدمه من خير سيجده عند الله ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ (المزمل:20).

من وسائل التأثير بذل الخير:

وفي مجال دعوة الناس إلى الله يَلزم أن نفتح مغاليق القلوب؛ كي تستقبل ما ندعوها إليه، ولا شك أن تقديم الخير والنفع للغير دون مقابل من أفضل الوسائل للتأثير على الغير وتهيئته لتقبل النصح ولتقوية الرابطة التي تساعد على التعاون على البرّ والعمل الصالح في حقل الدعوة.

وفي مجال الدعوة العامة وكسب الرأي العام لصالح الدعوة الإسلامية يَلزم القيام بتقديم الخدمات الاجتماعية والبَرّ بالفقراء والمحتاجين، فالمدارس الخاصة الإسلامية والمستوصفات ولجان الزكاة وغير ذلك من الأنشطة الاجتماعية، ومشاركة الناس في آلامهم وآمالهم وأفراحهم وأتراحهم، كل ذلك مطلوب في مجال العمل العام لنشر الدعوة.

هكذا ندعو كلَّ أخٍ أن يكون حريصًا على وقته، يؤنبه ضميره إذا مرّ عليه جزء من وقته- ولو كان قليلاً- دون أن يشغله في خير، كما ندعوه أن يكون دائمًا مصدر خير ونفع لغيره من الناس.

• مخلصًا لربه... متجردًا لدعوته

عندما ذكر الإمام الشهيد "حسن البنا" الإخلاص كركن من أركان البيعة قال: وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ... ﴾ (الأنعام:162،163).

وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم(الله غايتنا) و(الله أكبر ولله الحمد). والحقيقة أن الإخلاص ثمرة الإيمان بعقيدة التوحيد وإفراد الله بالعبادة.

والرجاء في ثواب الله يحتم النية الخالصة لله فلا يقصد غير وجه الله. ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:110).

ويوجه الله سبحانه رسوله-صلى الله عليه وسلم-إلى الإخلاص في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ

الدِّينَ﴾ (الزمر:11)، ﴿قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي﴾ (الزمر:14).

كما يوجهنا رسولنا الحبيب إلى الإخلاص في الحديث الذي بدأ الإمام البخاري به كتابه الجامع الصحيح لأهميته وهو"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (البخاري ومسلم).

منقول بتصرف من كتاب – مقومات رجل العقيدة – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.