ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:

وفى العمل الصالح... زاد

الإيمان والعمل الصالح متلازمان؛ فالعمل الصالح مصدق للإيمان، والإيمان لازم لقبول العمل الصالح .

وقد تكرر ذكرهما متجاورين فى كثير من آيات القرآن الكريم وهكذا نجد الإيمان يدفع الى العمل الصالح، والعمل الصالح يؤكد الإيمان ويدعمه ويقويه، وهو أيضاً مصدر للتزود بالتقوى والإيمان على الطريق؛ فهو مجال الممارسة والتطبيق وترويض النفس ومجاهدتها وتطويعها؛ لتكون عند مرضاة الله سبحانه وفى هذا عون وزاد على الطريق .

- إن تحقيق الإيمان والعمل الصالح وتحقيقهما في الفرد والجماعة يترتب عليه خير عظيم، وفوز كبير كما قرر كتاب الله النجاة من الخسران مصداقاً لقوله تعالى :{ و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر  } والمغفرة و الأجر العظيم: { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً }  وقبول التوبة وإبدال السيئات حسنات: { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله  غفوراً رحيماً }  وتحقق الفلاح: { فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين }، ودخول الجنة :{ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً } والتمكين والاستخلاف فى الأرض: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا  الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا  يعبدوننى لايشركون بى شيئاً } .

- العمل الصالح مجال تطبيق العلم الذى نقرؤه ونسمعه؛ فيكون بذلك حجة لنا لا علينا، وفى العمل تثبيت للعلم  وخروج من  مجال النظريات  والخيال إلى  واقع الحياة وميادين المجاهدة والجهاد  وفي هذا ارتقاء بالنفس  وبناء للشخصية وتقوية للإرادة  وكسب للخبرة و التجربة، وكما قال الإمام البنا  رحمه الله أن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد المخطىء ، إننا نرى كثيراً من الناس يسهل عليهم  القراءة والعلم، ولكن تحويل هذا  العلم إلى عمل  قد يصعب على الكثير .

نوازع الخير ونوازع الشر فى كل إنسان تتدافعان  وفى ممارسة العمل الصالح  دليل على تغلب نوازع الخير، وتقوية لها، وإضعاف لنوازع الشر، وهذا في ذاته زاد وخير  ومن أمثلة ذلك :

- نقرأ عن فضل الإنفاق في سبيل الله فتتوق أنفسنا إلى الإنفاق وعند الممارسة قد تظهر نوازع البخل والشح وحب المال لتحول دون الإنفاق؛ فإذا مارسنا الإنفاق  نكون قد قهرنا أنفسنا وروضناها على البذل و العطاء، وهذا خير .

- نقرأ عن فضل الجهاد في سبيل الله، وقد يظل ذلك نظرياً  حتى تتم الممارسة العملية للجهاد؛ فننفر في سبيل الله متغلبين على جواذب الأرض، ومطالب الجسد، ومتع الدنيا، والخوف من الموت  وغير ذلك؛ مما يجعل صاحبه يثّاقل إلى الأرض  وفى التغلب على هذه الجواذب نصر على النفس وزاد كبير .

-نقرأ عن الصبر و التحمل والثبات  على طريق الدعوة، وننتشى بما نقرؤه من مواقف لأصحاب الدعوات على طريق الدعوة، وعندما نتعرض لذلك عملياً يكون الترويض و الصقل وزيادة الإيمان: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل  } { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } .

- الدعوات تقوم على العزائم وأولى العزم ولا تقوم على الرخص و المترخصين، والقرآن الكريم يحثنا على ذلك: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } ، :{ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم }  فعلى الأخ المسلم  أن يأخذ نفسه بذلك في حياته  ويجد في العمل الصالح  بكل طاقاته؛ ففى ذلك زاد .

- مجال العمل الصالح متسع، وليس محدوداً؛ مما يعطى الفرصة الكبيرة لتزود الأخ المسلم في كل ميدان ثم إنه موزع على الأوقات؛ فهناك أعمال صالحة  مطلوبة في اليوم والليلة، وأخرى أسبوعية، وغيرها شهرية، وكذلك أعمال سنوية،  وفى ذلك تجديد واستمرار للزاد على الطريق .

- لايفوتنا أن ننبه إلى فرصة العمل الصالح في شهر رمضان المبارك حيث يتضاعف الأجر، ويكثر الزاد في هذا الشهر الكريم، كما أشارت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- العمل الصالح تزكية للنفس ، وسمو بها، وتطهير لها من الدنايا والخطايا، وتحلية لها بفضائل الأخلاق و الصفات، وهذا زاد .

- إن الأخ المسلم يقوم بالعمل الصالح لأداء الواجب أولاً ، ثم للأجر الأخروى ثانياً، ثم للإفادة ثالثاً، وهو إن عمل فقد أدى الواجب، وفاز بثواب الله متى توافرت شروطه وبقيت الإفادة، وأمرها الى الله؛ فقد تأتى فرصة  لم تكن في حسابه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات  .

أما الذى يقعد عن العمل الصالح فقد لزمه إثم التقصير ، وضاع منه أجر الجهاد ، وحرم الإفادة  قطعاً فأي الفريقين خير مقاما وأحسن ندياً .

- إن الله يحب معالى الأمور ويكره سفاسفها، وبممارستنا العمل الصالح نعيش دائماً معالي الأمور ونعلو على سفاسفها، وفي هذا زاد وسمو .

- العمل الصالح يجعل من صاحبه قدوة صالحة للغير، وفي ذلك معاونة على نشر الفضيلة في المجتمع بالقدوة العملية وهي أكثر تأثيراً من القول أو الكتابة .

- العمل الصالح يوصل التوجيه الى غير المتعلمين  بصورة عملية لا قولية  كما يوصله الى الذين لايقرأون لعدم وجود وقت عندهم  للإطلاع  .

- لكى يكون العمل الصالح مقبولاً يلزم أن يتوافر معه الإخلاص والالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوافر هذين الشرطين بممارسة العمل الصالح زاد كبير لصاحبه .

- الأعمال الصالحة هي مجال تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى  والابتعاد عن نواهيه، ولم يأمرنا  الله إلا بكل  خير لنا ولغيرنا،  ولم ينهنا إلا عن كل شر لنا ولغيرنا ، ولكل منا طاقات وإمكانيات من وقت وجهد وصحة وفكر  ومال ونفس، إذا بذلناها في مجال العمل الصالح  تحققت حكمة الله من وراء  هذه الأوامر وأصبحنا مصدر إسعاد لنا وللبشرية وهذه منزلة عالية، أما إذا بذلت هذه الطاقات في غير العمل الصالح كان الفساد والإفساد في الأرض ونعوذ بالله من ذلك ... هذا فى الدنيا ، أما في الآخرة؛ فالفوز والنعيم للصنف الأول، والخسران و العذاب للصنف الثانى،  وهكذا نرى فضل العمل الصالح .

- الظروف التى تمر بها الدعوة الإسلامية والمسلمون اليوم تحتم النهوض من هذه الكبوة، والعمل المتواصل لمجابهة أهل الباطل وأعداء الإسلام الذين يبذلون جهدهم للقضاء  على الإسلام و المسلمين  ... وهذا يعظم من قدر وأهمية العمل الصالح وخيره وأثره في مجال الدعوة .

- إن نهوض الأمة الإسلامية يتطلب من أبنائها قوة روحية ونفسية هائلة تتمثل كما قال الإمام البنا في عدة أمور ك( إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت  لايعدو عليه تلون ولا غدر ، وتضحية عزيزة لايحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ  فيه والانحراف عنه و المساومة عليه و الخديعة بغيره .

وتحقق هذه الصفات لايتم إلا من خلال العمل و العمل الجاد .

- العمل الصالح يحقق التغيير المطلوب في النفس، وهو مفتاح الخير لهذه الأمة، مصداقاً لقول الله تعالى: { إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } فإذا تغلبنا على أنفسنا وألزمناها تعاليم الإسلام استطعنا أن نؤثر فى غيرنا حتى نقيم المجتمع المسلم والدولة الإسلامية  وإلا ففاقد الشىء لا يعطيه .

- الأخ المسلم الذى يحرص على الأعمال الصالحة في حياته وأوقاته يكتسب صفة هامة، وهى الحرص على الوقت فلا يضيع جزءاً من وقته إلا في عمل نافع مفيد، ويدفعه ذلك إلى تنظيم وقته وأعماله وترتيبها  حسب أهميتها، مستشعراً أن الوقت هو الحياة، وأن الواجبات أكثر من الأوقات، وفي حسن استغلال الوقت زاد وخير كبير .

- العمل الصالح مجال طيب لكسب الثواب الأخروى وبقدر ما يقدم المسلم من عمل صالح بقدر ما يزداد رصيده من الحسنات فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وما أشد حاجة كل منا يوم القيامة إلى ما يرجح كفة حسناته .

- العمل الصالح وفعل الخير  يقوم به الأخ المسلم في أى مكان فيظل ذكرى طيبة له ولجماعته فى ذلك المكان حتى بعد مغادرته أو بعد وفاته .

- المسلمون يتفاوتون بالنسبة إلى إقبالهم على العمل الصالح  وفعل الخيرات؛ فمنهم من تتاح له فرصة عمل الخير ويتركها تمر دون أن يعمل ذلك الخير  ، ومنهم من يعمل الخير  متثاقلاً ، ومنهم من يؤديه بهمة واهتمام وأفضل من هؤلاء  من لاينتظرون فرصة عمل الخير حتى تأتيهم، ولكنهم يفتشون، ويبحثون عنها ويسعون إليها: { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }  .

وهذا ما يجب أن تكون عليه  أخي المسلم إذا كنا صادقين في دعوانا وما نتصدى له من مهام وآمال .