أشرف دوابة

شهد الأسبوع الماضي تعديل وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، مع إبقائها للتصنيف الائتماني عند "B2"، وذكرت بذات الخصوص أن تشديد أوضاع التمويل يضع ضغوطا على قدرة البلاد على سداد ديونها الخارجية، كما حذرت من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر للمرة الأولى منذ آذار/ مارس من العام 2013م.

وقد جاء تبرير وكالة موديز لتلك النظرة السلبية لمصر لتزايد مخاطر الاتجاه الهبوطي لقدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية، في ضوء التقلص الكبير في احتياطي النقد الأجنبي لتلبية مدفوعات خدمة الدين الخارجي المقبلة، فضلا عن الزيادة المستمرة في تكاليف الاقتراض التي سوف ترفع من مخاطر السيولة وتقلل من القدرة على تحمل الديون.

ويطرح هذا التصنيف تساؤلات عن ماهية التصنيف الائتماني للدول، وماذا يندرج عليه؟ وما هو مستقبل الاقتصاد المصري في ضوء ذلك؟

بداية، التصنيف الائتماني قد يكون للأفراد أو الشركات أو الدول، ويعني بالنسبة للدولة قياس درجة الملاءة أو الجدارة الائتمانية لها، وهو بمعنى آخر يكشف عن مدى صلاحية الدولة للحصول على القروض، ومن ثم قدرتها على سدادها. وقد عرفت هيئة الأسواق المالية الفرنسية وكالة التصنيف الائتماني بأنها تعني مدى الوفاء بالالتزامات المالية المستقبلية.

وتتعدد تصنيفات الدول حسب قدرتها على سداد ديونها من مؤسسة تصنيف ائتماني لأخرى، حيث تعد من أهم هذه الوكالات وكالة استاندرد آند بورز ووكالة موديز ووكالة فيتش. وتتراوح تصنيفاتها ما بين الجودة الائتمانية العالية والدنيا وفق درجات لوصف الجدارة الائتمانية تأخذ حروفا معينة، تبدأ من AAA كأعلى تصنيف ائتماني نزولا للتصنيفات الأقل جدارة عبر الحروف AA وA وBBB وهكذا.

وتكمن أهمية الحصول على تصنيف ائتماني أعلى في مستوى الفائدة التي يتوجب على مصدر الديون دفعها، فكلما ارتفع التصنيف الائتماني كلما انخفض مستوى الفائدة، وكلما انخفض التصنيف الائتماني كلما زاد سعر الفائدة التي يتطلب دفعها من قبل الجهة المصدرة.

كما تبدو أهمية الحصول على تصنيف ائتماني أعلى في جذب عدد أكبر من المستثمرين الذين يرغبون في شراء سندات الدين ونحوها، وذلك نظرا لأن العديد من المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار وغيرها لا تستثمر إلا في سندات دين ذات جدارة ائتمانية مرتفعة، ومن ثم فإن انخفاض التصنيف الائتماني للسندات المصدرة يعني بالضرورة انخفاض الإقبال عليها وصعوبة تغطيتها، نظرا للعزوف عن شرائها.

وتعود سيطرة الشركات الثلاث على سوق التصنيف الائتماني العالمي إلى قرار أصدرته هيئة الأوراق المالية الأمريكية في عام 1975م باعتماد هذه الشركات من قبلها، ومن ثم ارتبطت قوتها وحاجة الدول والمؤسسات إليها بقوة السياسة الأمريكية وتوجهاتها، حتى أصبحت هذه الشركات الثلاث أشبه بمؤسسات محتكرة للتصنيفات الائتمانية حول العالم.

وإذا كانت عملية التصنيف الائتماني تتم بناء على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة أو الدولة، فإن هذا لا يعني أن وكالات التصنيف الائتماني بعيدة كل البعد عن توجهات الدولة التي تعمل فيها، فأحيانا تدخل في هذا التصنيف الاعتبارات السياسية والخدمات الاستعمارية، وإن كان الأمر بالنسبة للوضع السياسي المصري لا يتوفر فيه ذلك، خاصة وأن سياسة الانقلاب عززت دور مصر كدولة وظيفية تسير في فلك السياسات الأمريكية.

إن نظرة وكالة موديز تعكس جزءا من الواقع والمستقبل الاقتصادي السيئ لمصر وإن كانت الحقيقة أسوأ، فسياسة الحكومة قائمة على ترقيع الديون، وقروض بلا قيمة مضافة. فرغم رفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس منذ مارس، فما زالت الأموال الأجنبية الساخنة -التي ضررها أكبر نفعها- مستمرة في الخروج من البلاد حتى بلغت الأموال الأجنبية الخارجة نحو 20 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، ولم يزد تخفيض الجنيه المصري الأمر إلا سوءا، وسرقة لجيوب المواطنين ومدخراتهم من أصحاب العملات المحلية، كما انخفض خط الدفاع الأول وهو الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي ليصل إلى 37.123 مليار دولار في أبريل الماضي، وهو في غالبيته ديون خليجية، كما انخفض صافي الأصول الأجنبية في نهاية مارس الماضي وللشهر السادس على التوالي إلى سالب 221.3 مليار جنيه.

إن سياسة الإفراط في الديون وبيع الأصول هي دليل على اقتراب النهاية، فالحكومة المصرية لا تعرف سوى لغة الديون التي اقتربت من تغطية الناتج المحلي الإجمالي، وها هي تسعى للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي ما بين 3 و4 مليارات دولار بشروط قاسية سيتحمل تبعاتها المواطنون، وفي الوقت نفسه تسعى لطرح سندات وصكوك بقيمة تقدر بأكثر من 73 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية. كما أن الحكومة سائرة في طريقها لبيع ما تبقى من أصول، حيث تسعى لطرح بعض الأصول المملوكة للدولة مقابل 40 مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة، حتى وصل الأمر بها إلى التوجه لبيع رأس المال الاجتماعي والتضحية بالأمن القومي بدمج أكبر سبعة موانئ مصرية في شركة واحدة وطرحها في البورصة، وفتح الباب لسيطرة دول بالذات على قطاعات نوعية من الاقتصاد المصري.

twitter.com/drdawaba