قوارب النجاة في حياة الدعاة:

قارب معرفة الله

قارب عبادة الله

قارب ذكر الله

قارب الخوف من الله

قارب مراقبة الله

قارب حب الله

قارب الاخلاص لله

قارب الرضا

قارب حب الله وصحابته

حياة الدعاة، حياة معاناة.. معاناة مع النفس والناس.. مع أبناء الاسلام ومع أعداء الاسلام.. والدعوة إلى الاسلام دعوة جهاد وكفاح؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.. والدعوة والدعاة في صراعهم مع الباطل، أشبه بسفينة وسط أمواج عاتية { أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجأر يوم بدر بالدعاء إلى الله وهو يقول:" اللهم نصرك الذي وعدتنا.. اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض".

ولقد قيّض الله للدعاة قوارب للنجاة، وسط هذه المهالك، إن هم استلهموها أقلتهم إلى شاطئ الأمان، وأنجتهم من التيه والشرود والضياع { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء في الأرض أإله مع الله تعالى الله عما يشركون} { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.

وإليكم بعض هذه القوارب التي أعدها الله لعباده المتقين وأنعم بها على دعاته المخلصين:

قارب معرفة الله تعالى:

وهو قارب النجاة من كل ضلالة وانحراف؛ فالذي يعرف الله تعالى يعرف بالتالي الطريق إلى كل خير، ويجتنب بالتالي أسباب الوقوع في الشر..

فمعرفة الله أول طريق السالكين.. ومنطلق سبيل المسترشدين.. والحصانة من كل سوء، والأمان من كل زيغ.. وهذا صميم معنى قوله تعالى على لسان نبيه:" يا ابن آدم ، اطلبني تجدني.. فإن وجدتني وجدت كل شيء.. وإن فتك فاتك كل شيء.. وأنا أحب إليك من كل شيء"

ومعرفة الله تعالى إنما تتحقق وتتزايد وتتعمق، بتزايد الاطلاع على خلقه، والإدراك لصنعه وقدرته وفضله وآياته البينات فيما كان وفيما سيكون: { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له.. إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له. وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضغف الطالب والمطلوب.. ما قدروا الله حق قدره، إن الله لقوي عزيز}. { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}.

والدعاة إلى الله يجب أن يقدروا الله حق قدره.. ويعرفوه حق معرفته.. يعرفوا طريق الوصول إليه، والتقرب إلى جلاله.. يعرفوا ما يرضيه ويسخطه، وما يدنيهم منه، وما يبعدهم عنه.. يعرفوا ذلك، ليس لذات المعرفة وإنما للتقيد والالتزام لتزكية النفس وتخليتها وترقيتها؛ حتى تبلغ درجة الربانية { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}. آل عمرن 79.

من أجل ذلك كان مقام العارفين عند الله عظيما، وأجرهم كبيرا، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أكثر أهل الجنة البله، وعليّون لذوي الألباب" متفق عليه.

قارب عبادة الله تعالى:

وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الضلالات، وسبيل النجاة من الآفات والانحرافات؛ فالعبادة وإحسانها، والدوام عليها، والإكثار منها، تنظم الصلة بالله، وتحسنها، وتديمها.. والموصول بالله يبقى على مدد من الله وعون منه وعناية..

ومثل الموصول بالله كمثل الطائرة المسترشدة في طيرانها ببرج المراقبة، فإذا انقطعت هذه الصلة تاهت الطائرة في الفضاء وانحرفت عن خط سيرها، وتعرضت للأخطار والمهالك أو كمثل السفينة الموصولة بنقطة المراقبة في الميناء، إذا انقطعت صلتها تاهت في البحار وغرقت في لجة ليس لها قرار.. ولهذا كان من عطاء الله لخلقه، ومن منّه وكرمه عليهم، أن نظم لهم وفرض عليهم خمس مواعيد، في اليوم والليلة، لتأكيد الصلة به، تحفظهم على تباعد فتراتها من الضياع سحابة نهارهم.. كما حثهم الى الاستزادة من هذه الصلاة تنفلا في الليل والنهار، صلاة وصيام وزكاة وحج.. وإلى ذلك يشير الله تعالى على لسان نبيه:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه.. فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به.. وبصره الذي يبصر به.. ويده التي يبطش بها.. ورجله التي يمشي بها.. وإن سألني لأعطيّنه.. ولئن استعاذ بي لأعيذنّه.. وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"

قارب ذكر الله :

وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الشكوك والوساوس والقلق والاضطراب وسائر الأمراض النفسية..

إن ذكر الله يبعث على الطمأنينة والسكينة والثقة والارتياح. وصدق الله تعالى حيث يقول: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى} { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب} { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين}.

وذكر الله يبعث على الشجاعة والجُرأة والإقدام؛ لأنه يشعر المؤمن بأن الله معه.. هذا الشعور من شأنه أن يولد في النفس من القوى والطاقات ما يدفع بصاحبه لمواجهة كل التحديات ومجاوزة كل العقبات بكل ثقة واطمئنان..

إن لكل نفس شيطانا.. وان شيطان النفس ينفث فيها الخوف والفزع ويحرك الهواجس والوساوس {الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم. انما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه، فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين}.

قارب الخوف من الله:

وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الجبن والخوف والمعاصي والآثام.. كان محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وهو ريول الله، المؤيد بالحوي، يقول:" أنا أخوفكم لله" ويقول:" والله اني لأخشاكم لله وأتقاكم له"، وجاء في الخبر : "إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام:" يا داود خفني كما تخاف السبع الضاري".

فالذي يخاف الله تعالى يتقي سخطه، ويخشى عذابه، ويتحاشى الوقوع في محارمه..

والذي يخاف الله تعالى يقذف الله في قلبه الجرأة والشجاعة، فلا يجبن عند لقاء العدو، ولا يتهيب عند مواجهة الطغاة، ولا يستحي من الصدع بالحق.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:" من خاف الله تعالى خافه كل شيء، ومن خاف غير الله تعالى خوّفه الله من كل شيء" رواه ابن حبّان والبيهقي. والذي يخاف الله نعالى يغدو أطهر الناس قلبا، وأزكاهم نفسا، وأدمعهم عينا، وأسخاهم يدا.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:" اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلب بذروف الدمع من خشيتك، قبل أن تصير الدموع دما" للطبراني.

والذي يخاف الله تعالى تستديم مراقبته له، وحذره من التفريط في جنبه، ولا يأمن مكره { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} وقد روي أن النبي وجبريل عليهما السلام قد بكيا خوفا من الله تعالى، فأوحى الله اليهما: لم تبكيان وقد أمّنتكما. فقالا: ومن يأمن مكرك.

ولشدة الخوف من الله:

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لطائر: ليتني مثلك طائر، ولم أخلق بشرا.

وقال أبو ذر لغقاري: وددت لو أني شجرة تعضد..

وقال عثمان رضي الله عنه: وددت أني لو مت لم أبعث..

وقالت عائشة رضي الله عنها: وددت أني كنت نسيا منسيا..

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسقط من الخوف مغشيا عليه إذا سمع آية من القرآن. وأخذ يوما تبنة من الأرض فقال: يا ليتني كنت هذه التبنة.. يا ليتني لم آك شيئا مذكورا.. يا ليتني كنت نسيا منسيا.. ليتني لم تلدني أمي..

وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الخائفين فقال: قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله ربنا موقفنا؟

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا".

قارب مراقبة الله تعالى: وهو قارب لنجاة من الغرق في بحر الشبهات والانحرافات والشهوات.. فالذي يراقب الله تعالى يسد على الشيطان مداخله الى نفسه، والغافل عن المراقبة واقع في خياطيم الشياطين.. جبهات نفسه ضعيفة.. مقاومته كليكة. مناعته معدومة { ومن يعش عن ذكر الحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}.

ولقد سبق الكلام عن مراقبة الله في موضع آخر من هذا الكتاب..

قارب حب الله: وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الدنيا والتعبق بحطامها واللهث وراء متعها وشهواتها.. وقد قال عيسى عليه السلام:" من اتخذوا الدنيا لهم ربا اتخذتهم عبيدا".

فالذي تعلق قلبه بالله لا يطغى عليه حب ما عداه.. وإذا أحب أحب في الله، سواء كان حبا لأخ أو لزوج أو ولد أو لأي انسان في العالم.. وصدق الله تعالى حيث يقول: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب اليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يبلغ العبد درجة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما".

ولقد كان من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم:" اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرّبني إلى حبك".

وإن من مقتضيات حب الإنسان لربه وانشغاله به، وتلذذه بعبادته، وتلهفه إلى مناجاته. وروي عن بعض السلف:" إن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين: أن لي عبادا من عبادي يحبونني وأحبهم.. ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم.. ويذكرونني وأذكرهم.. وينظرون إليّ وأنظر اليهم.. فإن حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتك. قال: يا رب، وما علامتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفق غنمه.. ويَحِنّون إلى غروب الشمس كما يحن الطائر إلى وكره عند الغروب.. فإذا جنّهم الليل واختلط الظلام وفرشت الأرض ونصبت الأسرة، وخلا كل حبيب بحبيبه، نصبوا إلى أقدامهم، وافترشوا إليّ وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا إليّ بإنعامي.. فبين صارخ وباك، وبين متأوّه وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد. بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي.. أول ما أعطيهم ثلاث: أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم.

لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم

أقبل بوجهي عليهم، فترى من أقبلت عليه هل يعلم أحد ما أريد أن أعطيه..

قارب الإخلاص لله:

وهو قارب النجاة من الغرق في بحر النفاق والشرك والرياء وحب الظهور وبوار الأعمال..

والداعية في عمله ونشاطه.. في كتابته وخطاباته.. في جهاده وجلاده، أحوج ما يكون إلى الإخلاص حفاظا على أعماله من البوار، وحتى لا يكون معنيا بقوله تعالى: { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}.

فلا بد للداعية بين يدي كل عمل، من تصحيح النية، وتقويم القصد، وتصفية النفس.. وليكن ذكراه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه".

فالإخلاص لله تعالى هو صمام الأمان في حياة المؤمنين.. به تزكو أعمالهم، وتضاعف أجورهم..

فبالاخلاص تكون الأعمال والأقوال.. تكون العبادة والنعليم والتعلم.. يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. يكون الإنفاق والإحسان.. يكون الجهاد والبذل والتضحية.. يكون كل ذلك في ميزان العبد يوم القيامة.. ولقد روي عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الاتقاء على العمل أشد من العمل.. وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ضعفا، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فيكتب علانية ويمحي تضعيف أجره كله.. ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ثانية، ويجب أن يذكر ربه، ويحمد عليه، فيمحى من العلانية، ويكتب رياء. فاتقي الله امرؤ صان دينه. وإن الرياء شرك" رواه البيهقي.

فدعاة الإسلام مدعوون للخروج من ذواتهم وحظوظ أنفسهم.. مدعوون إلى تنقية السرائر قبل الظواهر.. فكم من أعمال كبيرة أفسدتها خواطر صغيرة وحقيرة. وكم من مكابدة ومجاهدة ضيعتها رغبات مشوبة فاسدة.. وهذا مناط قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما اخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" رواه أحمد باسناد جيد.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال.. قال رجل يا رسول الله: إني أقف الموقف أريد وجه الله، ولا أريد أن يرى موطني.. فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت الآية: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}

قارب الرضا:

وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الطمع والحسد والضيق والتشاؤم..

فالرضا سمت أصيل من سمات المؤمنين.. لا يكتمل الإيمان إلا به.. ولقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على الأنصار فقال:" أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا. فقال عمر: نعم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نشكر على الرضا.. نصبر على البلاء.. ونرضى بالقضاء.. فقال رسول الله صلى الله مؤمنون ورب الكعبة".

ودعاة الإسلام أحوج الناس إلى الرضا بما قسم الله من خير وشر..

ففي مواجهة البلاء وجب أن يكونوا راضين، محتسبين ما يصيبهم عند الله، ذاكرين قول رسوله صلى الله عليه وسلم:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم. فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

وفي ابتغاء فضل الله من الرزق وجب أن يكونوا راضين قانعين بما قسم الله لهم.. فالرزق بيد الله يؤتيه من يشاء.. وليجعلوا همهم رضا الله تعالى، وليذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا جميعا، ومن تشعبته الهموم لا يبالي الله بأي واد من أودية الدنيا هلك". وليتدبروا قول الله تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}.

قارب حب الرسول:

وهو قارب النجاة من الغرق في تيارات الهوى وسبل الغواية ومسالك الشيطان : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله} { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

إن حب الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يدفع إلى تحري سنته، وإلى الالتزام بشريعته.. وإلى العيش معه صلى الله عليه وسلم في عسره ويسره، في حياته الخاصة والعامة.. وإلى الاقتداء به، امتثالا لقول الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون لدى الدعاة أقوى من حب الأهل والولد والناس أجمعين.. وليعلموا أن المسلمين الأولين لم يكونوا خير أمة أخرجت للناس إلا بعظم حبهم لرسولهم.. فهذا سعد بن الربيع يلتفت إلى زيد بن ثابت يوم أحد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول: { بلغ رسول الله السلام، وقل له إني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار، لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف وفاضت نفسه من وقته.

وهذه امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد. فلما أخبرن بذلك قالت: ما فعل برسول الله؟ قالوا: خيرا.. هو بحمد من الله كما تحبين. قالت أرونيه حتى أنظر اليه.. فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلّل؟

وهذا مصعب بن عمير يقبل على أمه التي أقسمت أن لا تذوق طعاما قط حتى يترك دين محمد فيقول لها: والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسا نفسا ما تركت دين محمد.

وهذا سواد بن غزية يضم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو يجهش بالبكاء.. وعندما يسأله المصطفى صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك يقول: حضر ما ترى يا رسول الله، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك..

وهذه أم حبيبة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، يدخل عليها أبوها أبو سفيان ولما يسلم بعد، ويهم بالجلوس، ويهم بالجلوس على فراش هناك فتمنعه من ذلك.. وعندما يسألها عن السبب متعجبا تقول له: إنه فراش رسول الله، وأنت رجل مشرك نجس؛ فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله..

ويدخل في باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم حب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وحب الصالحين عموما واقتفاء آثارهم.. فقد أخرج رزين عن عمر رضي الله عنه مرفوعا:" سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي، فأوحى اليّ: يا محمد، إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم، بعضها أقوى من بعض، ولكل نور.. فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى" وقال:" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

من كتاب " قوارب النجاة في حياة الدعاة" للدكتور فتحي يكن -رحمه الله