أكدت مجلة "إيكونوميست"، أن خيارات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تتضاءل في السعي لإيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، مؤكدة أن المصريين فقدوا الثقة في قيادته.

وفي تقرير موسع عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، تحت عنوان "أزمة ثقة في مصر"، قالت المجلة: "في ظل هذا الوضع لا تتوفر سوى خيارات قليلة. فالجنيه الذي كان من المفترض أن يتم تعويمه ولكن تم دعمه بشكل غير رسمي من قبل البنك المركزي، تم تخفيض قيمته مرتين سنة 2022. في 5  يناير، خسر الجنيه المزيد من قيمته ليستقر في النهاية عند حوالي 30 جنيها مقابل الدولار مسجلا تراجعا بنسبة 20 في المائة بعد أن فقد 50 في المائة من قيمته في السنة الماضية. ويعتقد المحللون في العديد من البنوك أن هذه النسبة مبالغ فيها".

بيع أصول مصر

وأوضحت المجلة أنه قبل عقد من الزمان، ومع اضطراب الاقتصاد بعد انقلاب عسكري قاده السيسي ضد أول رئيس مدني منتخب لمصر في 3 يوليو 2013، ضخت دول الخليج 25 مليار دولار للمساعدة في ضمان الاستقرار. ومن غير المرجح أن يقوموا هذه المرة بنفس الشيء. وبدلاً من تقديم المساعدات، تشتري دول الخليج أصولاً مصرية مربحة بثمن بخس. كما أن هناك حديثًا عن إمكانية خصخصة السيسي إدارة قناة السويس ربما لصالح شركة خليجية. ومن الممكن أن يسبب الأمر انفجارا سياسيًا، نظرا لأن السيطرة على القناة تُعتبر قضية نموذجية في تاريخ مصر الحديث.

وتقول حكومة الانقلاب إنها ستبيع حصصًا في العديد من الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك شركات عسكرية مثل "الوطنية" التي تدير محطات الوقود، وشركة "صافي" للمياه المعبأة. ولكن لم يتم الوفاء بوعود مماثلة سابقا. كما تعهدت الحكومة في أحدث اتفاق لها مع صندوق النقد الدولي بإنهاء الإعفاءات الضريبية والمعاملة الخاصة الأخرى للشركات التي يديرها الجيش. ولكن من غير الواضح ما إذا كان للسيسي الإرادة والقدرة على تنفيذ ذلك، وفقا للمجلة.

وأشارت المجلة إلى أن مصر في بعض النواحي، تجد نفسها في وضع مماثل لما كانت عليه في سنة 2016، عندما توصلت إلى صفقة مقابل 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي. لقد نفذت بعض الإصلاحات المالية، مثل تخفيضات الدعم، لكنها تجاهلت التغييرات الهيكلية التي من شأنها أن تجعل اقتصادها أكثر قدرة على المنافسة. ومنذ ذلك الحين، تفاقمت الأزمة.

لم يتعلم الدرس

وقالت المجلة، إن الأسابيع القليلة الماضية كانت بمثابة تصفية حساب للاقتصاد المصري غير المستدام. منذ انقلاب السيسي، كان القطاع الخاص متعثرًا مع تسجيل عجز مزدوج بينما تغذي الديون الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية التي يعتبر بعضها مشكوكًا في قيمته. وقد نشرت الهيئات المصرية أرقام نمو جيدة، لكنها كانت مجرد سراب: ذلك أن الأوضاع الحياتية استمرت في التدهور بالنسبة لمعظم سكان البلاد البالغ تعدادهم 104 ملايين نسمة.

وتابعت: "بلغ العجز المالي السنة الماضية 6.2 في المائة من ناتج الدخل القومي، وبلغ عجز الحساب الجاري 3.6 في المائة، وتتأرجح نسبة الدين الحكومي إلى ناتج الدخل القومي حول 90 في المئة، بينما تضاعف الدين الخارجي منذ سنة 2013 إلى 34 في المائة، وتستهلك خدمات الديون 45 في المائة من الإيرادات الحكومية".

واستطردت: "حذّر المصريون أصحاب النيات الحسنة على مدار سنوات من انزلاق البلاد في فخ الديون لكن السيسي تجاهلهم، وكان المستثمرون الأجانب الذين أغرتهم بعض أعلى معدلات الفائدة في العالم حريصين على مساعدته في الحفاظ على وهمه. بدا أن شراء الدين المصري قصير الأجل يمثل عرضًا مربحًا وخاليًا من المخاطر: على اعتقاد أن أكبر دولة عربية أكبر من أن تفشل".

ولفتت الصحيفة إلى أن الانهيار بدأ مع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دفع المستثمرين القلقين إلى سحب نحو 22 مليار دولار من استثمارات الحافظات من مصر في غضون أشهر ما تسبب في تفاقم النقص في العملة الصعبة. قيّدت الحكومة الواردات لخفض العجز التجاري وعادت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض آخر هو الرابع منذ سنة 2016 (تلقت في النهاية ثلاثة مليارات دولار في ديسمبر).

وأضافت: "في يونيو، قال وزير المالية محمد معيط إن بلاده يجب أن تركز على إنشاء أنواع أقل تقلبًا من التدفقات، مثل الاستثمار الأجنبي المباشر وعائدات التصدير، مشيرا إلى أن الدرس الذي تعلمناه هو أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال المضطربة. لكن سرعان ما نُسي هذا الدرس. فقد أعلنت الحكومة في ديسمبر أن بضائع تبلغ قيمتها 9.5 مليارات دولار عالقة في الموانئ؛ ولم تتمكن الشركات من العثور على الدولارات التي تحتاجها لتخليص شحناتها. ظهرت سوق سوداء للعملات حيث يتم تداول الدولار بأقل بكثير من السعر الرسمي، وتلقى المصريون في الخارج خلال عيد الميلاد رسائل من بنوكهم تفرض حدودا لسحب الأموال تصل إلى 100 دولار شهريا.

أرقام كارثية

وأوضحت المجلة أن تخفيض قيمة العملة أدى إلى تدفقات بمئات الملايين من الدولارات ما ساعد في تخفيف تراكم الواردات، لكنه سيؤدي أيضًا إلى إذكاء التضخم المرتفع بالأصل الذي بلغ 21 في المائة في ديسمبر (و37 في المائة بالنسبة لأسعار الأغذية). ستتفاقم بيانات التضخم الخاصة بشهر يناير. وبعد أول تخفيض كبير لقيمة العملة المصرية سنة 2016، ظل التضخم أعلى من 20 في المائة لمدة 13 شهرًا.

وأكدت أن هذه الأرقام كارثية بالنسبة للفقراء. فاطمة، وهي ربة منزل، تمر عبر قائمة التسوق المتناقصة لديها فحتى البيض الآن رفاهية في بعض الأحيان بعد أن تضاعف سعر العلبة المكونة من 30 بيضة إلى 100 جنيه، وأصبح نوع الجبن المفضل لعائلتها أغلى بنسبة 80 في المائة مقارنة بالسنة الماضية. فماذا عن اللحم؟ انسى ذلك. يخشى بعض الجزارين أن يضطروا إلى الإغلاق لأن قلة قليلة من عملائهم يستطيعون شراء اللحم. وكيلوجرام من صدور الدجاج التي كانت تُباع السنة الماضية بـ 90 جنيهاً تباع الآن بما يقارب 200 جنيه.

تقدر الحكومة معدل الفقر بنسبة 30 في المائة، لكن الأرقام الرسمية لا تواكب نوبات التضخم المرتفع والضربات المتكررة للعملة. وقد ارتفع خط الفقر الوطني الذي تم تحديده في سنة 2016 بما يعادل 55 دولارًا في الشهر، إلى 29 دولارا في هذه الفترة. وهو ما يؤكد اتجاه الطبقة الوسطى نحو الفقر.

في سنة 2020 التي اشتد فيها الوباء، نما اقتصاد مصر بمعدل لائق بلغ 3.6 في المائة. ولكن يمكن للمظاهر أن تكون مضللة ذلك أن هذا النمو كان مدفوعًا بالإنفاق العام وازدهار قطاع الغاز الطبيعي الذي يوفر القليل من الوظائف، الأمر الذي جعل الدولة غير قادرة على تحمل تكاليف المشاريع الضخمة التي حددت فترة ولاية السيسي الذي قام بتوسيع قناة السويس، وبدأ العمل في عاصمة جديدة وشيد آلاف الكيلومترات من الطرق. وفي  يناير أعلن مجلس الوزراء أنه سيوقف العمل في المشاريع التي تتطلب عملة صعبة.

أما أداء القطاع الخاص فهو هزيل فقد أظهر مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس للنشاط التجاري، انكماشًا لمدة 25 شهرًا على التوالي و75 شهرًا من أصل 84 شهرًا الماضية. ويستشهد رجال الأعمال بالعديد من المشاكل؛ فرغم أن السوق المحلية ضخمة إلا أنها فقيرة، كما أن مستوى التدريب الذي تقدمه المدارس الحكومية متدنٍ مما يعني أن مستوى القوى العاملة غير جيد. كما اتخذت الحكومة نهجًا مبعثرًا فيما يتعلق بالسياسة الصناعية: إذا كنت تريد أن يكون كل قطاع بطلًا وطنيًا، فلن يكون أي منها كذلك.

يمثل ارتفاع أسعار الفائدة عقبة أخرى؛ ففي أوائل يناير، قام بنكان مملوكان للدولة لفترة وجيزة بتقديم شهادات إيداع لمدة سنة بفائدة 25 في المائة. وقد نجح هذا المخطط في جلب السيولة اللازمة إلى النظام المالي. وهو ما قد يكون عبئًا على الاستثمار نظرا لأن كسب الفائدة من البنك الذي تتعامل معه هو عائد أسهل من فتح مصنع.

ويستحوذ الجيش الذي يدير إمبراطورية اقتصادية واسعة تصنع كل شيء بداية من المعكرونة وصولا إلى الأسمنت على جزء أكبر من الأعمال الخاصة. ويتمتع هذا الكيان الذي لا يدفع الضرائب أو الرسوم الجمركية، والذي يصعب التنافس معه، بالأفضلية فيما يتعلق بالحصول على الأراضي ويمكنه أيضا حبس منافسيه. وقد سبق أن سُجن مؤسس شركة "جهينة" للأغذية دون تهمة لمدة سنة لأنه رفض مطالب الجيش بأخذ الحصة الأكبر (أطلق سراحه في 21 يناير).