رغم مرور أكثر من 3 سنوات على بدء أزمة أحد المساجد داخل كوريا الجنوبية، إلا أن الممارسات العنصرية مازالت مستمرة تجاه المسجد والقائمين على بنائه، وذلك رغم تخطي  العقبات الرسمية لإكمال عملية البناء، وهي المعاناة التي دفعت صحيفة npr الأمريكية إلى نشر تقرير مفصل عن تلك الأزمة.

وذكرت الجريدة في تقريرها، أن المسلمين يعانون من ممارسات عنصرية يقوم بها سكان المنطقة المحيطة بالمسجد، ويعرقلون كل الجهود لحل تلك الأزمة، وأصبح محيط المسجد مليئ باللافتات المسيئة وبقايا رؤوس الجنازير، وآثار ممارسات يقوم بها أهل المنطقة بحق المسلمين الوافدين على المسجد الغير مكتمل، وتلك تفاصيل الأزمة كما رصدتها الصحيفة الأمريكية. 

دار الإيمان ... الأساس طلاب مسلمون 

يتألف المجتمع المسلم في جامعة كيونجبوك الوطنية في الغالب من طلاب من باكستان ونيجيريا وبنجلاديش ودول أخرى بها عدد كبير من المسلمين، حيث يصلي هنا بعض أفراد المجتمع في مركز دار الإيمان كيونج بوك الإسلامي في دايجو، كوريا الجنوبية، فعلى الجانب الأيمن من زقاق ضيق، هناك مسجد جديد قيد الإنشاء، وعلى اليسار توجد ثلاجة عرض طويلة بداخلها ثلاثة رؤوس خنازير، وهو تعبير مدوٍ عن معارضة المشروع.

ويعد الزقاق الهادئ في مدينة دايجو خط المواجهة في نزاع استمر ثلاث سنوات بين الطلاب المسلمين في جامعة كيونغ بوك الوطنية والمقيمين في الحي الواقع خارج الحرم الجامعي، حيث أثبتت هذه التوترات أنها اختبار لتسامح الشعب الكوري مع التنوع المتزايد، في الوقت الذي يتطلع فيه قادة كوريا الجنوبية إلى الهجرة لتعزيز شيخوخة القوى العاملة في البلاد وتقلصها.

القصة ترجع إلى 2014 .. مساحة للتجمع والصلاة

يتكون المجتمع المسلم في جامعة كارين الوطنية في الغالب من طلاب من باكستان ونيجيريا وبنجلاديش ودول أخرى بها عدد كبير من المسلمين، ويتراوح حجمها بين 80 و 150 شخصًا، وذلك وفقًا لممثل المجتمع، ويبلغ إجمالي عدد الطلاب بالجامعة حوالي 27000، بداية القصة ترجع إلى عام 2014، حيث جمع الطلاب المسلمون المال من أجل مكان للتجمع والصلاة، واشتروا منزلاً بالقرب من الجامعة وأطلقوا عليه اسم مركز دار الإيمان كيونغ بوك الإسلامي.

ويقول أفراد المجتمع إن المنزل، الذي يقع على بعد بضع دقائق فقط سيرًا على الأقدام من البوابة الغربية للحرم الجامعي، كان قديمًا وصغيرًا جدًا لاستيعاب المجتمع المتنامي، وبالتوازي أصبح الزقاق المؤدي إلى المركز الإسلامي مقرا لتجمع السكان المعارضين لبناء مسجد، حيث يراقبون المنطقة من الخيمة الصفراء، ولكن تطور الموضوع كان في سبتمبر 2020 ، عندما حصل الطلاب على إذن من مكتب المنطقة المحلية لبناء مسجد فعلي في الموقع.

البداية مواجهة قانونية 

ووفقا لما جاء بتقرير الصحيفة الأمريكية، فإنه بعد بضعة أشهر من البناء، قدم سكان بالقرب من الموقع التماسا إلى مكتب المنطقة، زاعمين أن المبنى سيحول حيهم إلى "حي فقير"، فأمر مكتب المنطقة على الفور بتعليق البناء، وذلك بحجة عدم الاستقرار العاطفي للسكان، وانتهاك حقوق الملكية، والمخاوف بشأن الأحياء الفقيرة المحتملة، ولقد فاجأ هذا المجتمع المسلم، حيث كان الطلاب قد تجمعوا هناك للصلاة خمس مرات في اليوم لمدة سبع سنوات دون أي نزاع صريح مع الجيران ولم يتوقعوا معارضتهم للمسجد الجديد.

ولكن في نهاية المطاف، وبعت جدل قانوني تخطى العامين، استطاع مسئولوا المسجد من انتزاع قرار من المحكمة العليا الأمر الإداري للمنطقة، بإلغاء القرار السابق، وهو ما سمح لمشروع المسجد بالمضي قدمًا، ولكن عندما استؤنف البناء في أغسطس الماضي، احتج السكان المحليون ونشروا رسائل كاذبة ومسيئة عن المسلمين.

رأس جنزير ولافتات مسيئة واتهامات بالإرهاب 

وعقب عودة الحق للطلاب باستكمال بناء المسجد تم تكثفت الرسائل المعادية للإسلام في محيط المسجد، وذلك حسب ما قاله معاذ رزاق، الطالب من باكستان والممثل الإعلامي للجالية المسلمة في اتحاد كارين الوطني، في مؤتمر صحفي في أبريل، وخلال المؤتمر تم عرض مقطع فيديو به صورة من العام الماضي ، بها لافتة بالقرب من موقع البناء مكتوب عليها باللغة الإنجليزية "المسلمون الذين يقتلون الناس بوحشية ويقطعون رؤوسهم، اخرجوا من هذه المنطقة الآن"، ولافتة أخرى باللغة الكورية مكتوب بها "ليس كل المسلمين إرهابيين، لكن كل الإرهابيين مسلمون".

وونشرت صحيفة npr، أنه في أكتوبر الماضي، ظهر رأس خنزير مقطوع أمام الموقع لأول مرة، ويقول رزاق إنه يعتقد أن أحد جيران الموقع وضعه هناك، وقال لـ NPR: "كانت تلك لحظة مخيبة للآمال للغاية لمجتمعنا بأسره"، كما استضافت لجنة السكان المحليين حفلة شواء لحم الخنزير في مكان قريب، ومن المعروف أنه لا يسمح للمسلمين بأكل لحم الخنزير بموجب الشريعة الإسلامية، واستخدم الناس لحم الخنزير ورؤوس الخنازير المقطوعة كرموز للكراهية ضد المسلمين في أجزاء أخرى من العالم ، بما في ذلك الولايات المتحدة .

هكذا يدافع معارضو المسجد عن أنفسهم 

وهنا يقول كيم جيونغ آي، نائب رئيس لجنة السكان، إن حفل الشواء كان عبارة عن تجمع لبناء الصداقة بين السكان أمام منازلهم، وليس عملاً من أعمال الكراهية التي تستهدف الجالية المسلمة أو المسجد، وكذلك يقول كيم أن القضية ليست ما هو المبنى، ولكن أين، فنحن نعارض إنشاء منشأة عامة في وسط حي سكني بدون طريق عام، وكنا سنعارض أي شيء، فيما تقول تقارير إعلامية إن السكان يعارضون الإسلام كدين، لكننا لا نعرف حقًا عن الإسلام، ونحن لسنا مهتمين.

ويقول السكان إنهم تحملوا الضوضاء ورائحة الطهي وازدحام الشوارع الضيقة ، والآن يخشون أن المضايقات ستزداد فقط مع المسجد، ويقول كيم المقيم: "التقارير الإعلامية تقول إن السكان يعارضون الإسلام كدين ، لكننا لا نعرف حقيقة الإسلام، ولسنا مهتمين"، ورغم أن الطلاب المسلمين وأفراد أسرهم الذين يزورون قاعة الصلاة المؤقتة بجوار موقع البناء يرون رؤوس الخنازير في كل مرة يأتون فيها. يصر كيم على أن العرض قام به فرد مقيم ولا علاقة له باللجنة.

قصور قانوني 

وعن سبب عدم تدخل السلطات لوقف تلك الممارسات العنصرية، يقول كيم جي ريم، المحامي الذي يمثل الجالية المسلمة هنا، إن النظام القانوني في كوريا الجنوبية يفتقر إلى قانون ضد خطاب الكراهية ولا يمكنه الحكم على أن رءوس الخنازير تستهدف المسلمين أو تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وعندما طلب الطلاب من الشرطة والمكتب المحلي إزالة رؤوس الخنازير، ردت السلطات بأنه لا يوجد شيء يمكنهم القيام به بموجب القانون الحالي.

وقال مكتب مقاطعة بوك غو في دايجو لـ NPR إنه لا يمكنه التخلص من رءوس الخنازير التي يعتبرها ممتلكات خاصة موضوعة في ملكية خاصة، فيما أكدت الشرطة المحلية أنه لا يوجد قانون يعاقب خطاب الكراهية أو مبادئ توجيهية واضحة حول كيفية التعامل مع مثل هذه الأفعال، وكذلك قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في كوريا، وهي وكالة حكومية، في مارس إن وضع لحم الخنزير أمام مسجد قيد الإنشاء لإهانة المسلمين لا يرقى إلى مستوى خطاب الكراهية ولا ينبغي التسامح معه.

محاولات بائسة منذ 2007 لقانون ضد التمييز 

وربما كانت أزمة مسجد المسلمين قد طرحت أزمة أعمق داخل المجتمع الكوري، وهو فشل كل المحاولات لإصدار قانون ضد التمييز، فمنذ عام 2007، بذلت كوريا الجنوبية عدة محاولات لتشريع قانون شامل يحظر التمييز على أساس الجنس والتوجه الجنسي والعرق والدين والإعاقة والعمر وعوامل أخرى، وداخل البرلمان الحالي وحده، تم اقتراح أربعة مشاريع قوانين منفصلة من هذا النوع رسميًا، وكل المحاولات السابقة باءت بالفشل، بسبب معارضة شرسة ومنظمة بقيادة الكنائس البروتستانتية المحافظة، حيث تتمتع المسيحية بأكبر عدد من الأتباع الدينيين في كوريا الجنوبية.

ويقول رزاق إن انخراط الجماعات الإنجيلية المحافظة في هذه القضية زاد من حدة التوترات وأعاق الحوار مع السكان، حيث عقدوا التجمعات وإصدروا البيانات وشاركوا في اجتماعات الوساطة، ومع ذلك ، يقول أستاذ علم الاجتماع في اتحاد كارين الوطني ، يي سوهون ، إن كوريا الجنوبية يمكنها ويجب عليها أن تنظم أعمال الكراهية كدولة طرف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ولكن لا يوجد أي شخص ينفذها، لذا فإن المساءلة والتنفيذ يمثلان مشكلة هنا.

جدير بالذكر أنه في كوريا الجنوبية التي يقل عدد سكانها قليلًا عن 52 مليون نسمة، يقدر الاتحاد الإسلامي الكوري أن ما بين 150 ألفًا و 200 ألف مسلم يقيمون في كوريا الجنوبية ، بما في ذلك 35 ألف مسلم كوري.