رغم فداحة ما يتعرض له قطاع غزة وأهله الصامدون من جرائم القتل والقصف برا وبحرا وجوا، فضلا عن جرائم الحصار والتجويع والتعطيش ومنع الدواء وتدمير المستشفيات - وهي جرائم تعد عارا على من يرتكبونها ومن يدعمهم - إلا أن جريمة الخذلان والاكتفاء بموقع المتفرج على تدمير غزة هي جريمة لا تقل فداحة عن تلك الجرائم، لأنه إذا وُجد حِراك عربي وإسلامي جاد للدفاع عن غزة لاستطاع التأثير في مجريات الأحداث ووقف الحرب.
ولقد تجمعت على أهلنا فى غزة قوي الشر والظلم جميعها، شاركهم ـ للأسف أولو أمر ببلاد المسلمين ـ سلموا زمامهم لهذه القوى الظالمة التى لا تريد لهم ولا لأوطاننا الخير؛ مما جعل المشهد على ما نراه ونعيشه من ضعف النصرة للمستضعفين في غزة والذين يُقتلون تحت سمع وبصر العالم، مما جعل الأحرار يشعرون بالألم؛ لعدم استطاعتهم المشاركة ومساعدة إخواننا المسلمين في قطاع غزة، لكن إن فاتنا المشاركة في هذه الجولة فلا بد من استدراك هذا الأمر بحسن "الإعداد" للمشاركة الفاعلة في أي جولة قادمة من جولات الحرب والصراع بين الحق والباطل، وألا يتكرر هذا الخطأ من مجموع الأمة، على جميع المستويات، كل حسب استطاعته وعلى قدر طاقته.
ضرورة الإعداد
الحديث عن أهمية الإعداد يأتي من كونه استجابة لأمر واجب علينا أمرنا الله به في قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاتَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ" (الأنفال: ٦٠)، واستجابة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
وتتمثل أهمية الإعداد أيضا في أن يكون لكل مسلم دوره في الدفاع عن دينه العظيم ونصرة رسوله الكريم وتحرير المسجد الأقصى المبارك، ولأن ضعفنا سيظل يغري خصومنا بالاعتداء، في حين أن قوتنا تردعهم، وتكون سببا لنشر الدعوة في ربوع العالمين.
وقبل هذا وذاك، لا بد لنا من الإعداد حتى نسلم من الإثم وكبيرة النفاق المترتبة على ترك الإعداد لقولالله تعالى: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ"(التوبة: 46)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَعلَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ" رواه مسلم.
وهناك أنواع عدة من القوة التي تتطلب الإعداد لها، وأشار الإمام الشهيد إلى هذه الأنواع حين قال: "ونحن نعلم أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصحّ أن توصف جماعة بالقوة، حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال، مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك".
فهذا هو الترتيب المنطقي لإعداد القوة، والذي يبدأ من قوة الإيمان والعقيدة بكل شمولها، وقوة الوحدة والأخوة بكل أبعادها، ثم قوة الساعد بإعداد السواعد ذات القوة والكفاءة والأمانة والتأهيل العلمي، ثم آخرها قوة السلاح والتي لا تتحقق الا بتحقق ما قبلها من قوى كي تكون بناءه تدعم ولا تهدم وتنفع ولا تضر.
وبالتأكيد فإن هناك أنواع أخرى عديدة من الإعداد التي يمكن لنا جميعا أن نأخذ بها أو ببعضها، بحسب التخصص والسن والمكان، فهناك صور من المشاركات التي تؤثر في مجرى الحروب والصراعات، مثل المشاركات الطبية والحقوقية والإعلامية والإغاثية والإنسانية وغيرها من أمور مهمة باتت تؤثر بشكل كبير.
سباق مع الزمن
الأمة الإسلامية اليوم باتت في سباق مع الزمن، وأعداء الأمة يعملون بشكل متواصل على بناء منظومة القوى المتكاملة، ورب العزة يعيب على المترددين في الإعداد بقوله: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوالَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة: 46)، فلا بد من المبادرة،واستحضار سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف أعانه الله على بناء منظومة القوى المتكاملة لأمةكانت أضعف الأمم، فجعل منها السادة والقادة.
وخلال مراحل الإعداد لا بد أن نستمد القوة من الله القوي المتين وأن نتذكر جميعا ضرورة العيش فيظلال هذا الكنز من كنوز الجنة والذي في استشعاره تكمن القوة الحقيقية؛ وذلك بأن يظل لسانك يلهجدائما بهذا الذكر المبارك "لا حول ولا قوة إلا بالله".
واعلم أنه مهما بلغتَ من الإعداد والقوة والجاهزية فإنه لا يباح لك طلب لقاء العدو، لأنك لا تدري حينها أتصبر أم تهرب وتفر؛ لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ،وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم" (البخاري)، فإذا كتب الله عليكم القتال فاثبتوا، وثباتكم إنما هو ثمرة إعدادكم وببركة تثبيت الله لكم.
صور الإعداد
وهذه بعض صور الإعداد التي يستطيع أن يعمل بها كثير من الناس في وقتنا هذا:
1 - الإعداد الإيماني؛ وهذا هو الأساس المتين والأصل العظيم، وهو أهم إعداد مطلوب، وباقي صور الإعداد تعتمد على قوة الإيمان واليقين، وإخلاص النية والقصد، ويبدأ هذا النوع من الإعداد من حسن العلاقة مع الله، والإخلاص له، والصدق معه، والتوكل عليه، والحرص على صلاة الجماعة، وتلاوةالقرآن والأذكار، والصدقات والتوبة، والاستغفار، وغيرها من أمور العبادة القلبية والبدنية.
2 - الإعداد الفكري والعلمي، بدراسة فقه الجهاد وضوابطه وأحكامه، وحفظ ومدارسة آيات الجهاد وتفسيرها، لا سيما سورتي الأنفال ومحمد، إضافة إلى حفظ وتعلم أحاديث الجهاد من أبواب الجهاد في صحيح البخاري ومسلم وكتب السنن، إضافة إلى القراءة العلمية المتعمقة في السيرة والتاريخ والغزوات والمعارك والحروب القديمة والحديثة، وتعلم الدروس والعبر منها.
3 - الإعداد البدني، بالاهتمام الجيد بالصحة واكتساب القوة البدنية عبر ممارسة الرياضة بشكل منتظم وقوي، وتنظيم ساعات النوم والاستيقاظ، والابتعاد تماما عن كل ما يضر الجسد من الأعمال والمأكولات والمشروبات الضارة وغيرها.
4 - الإعداد المالي، عبر إتقان العمل والسعي لكسب المال الحلال وإنفاقه في الأوجه الحلال، وادخار جزء من المال وتخصيصه في جانب الإنفاق في سبيل الله، وهذا يقتضي القضاء على البطالة والسعي دائما لتنمية المواهب.
5 - الإعداد النفسي، إضافة إلى قوة الإيمان وسعة العلم، نحتاج إلى القوة النفسية التي تجعل صاحبها يصمد في وجه أعاصير الخوف وزلازل المحن بثبات واتزان، ويواجه بشجاعة كل قوى الطغيان والاستبداد ولا يهن ولا يستكين ولا يخاف إلا الله، وهذا ما جعل أهل غزة يخوضون حرباً نفسية باقتدار، يخيفون بها عدوهم، ويحتفظون من خلالها بتوازنهم النفسي، ويكملون طريقهم في ثبات ولا يأبهون بكل المخالفين ولا المخذلين.
6 - إعداد البيئة المحيطة بك؛ عبر تهيئة الأهل والأولاد لمشاركتكم ودعمكم في هذا الطريق، لا أن يكونوا سببا للتخذيل، ولكي يحدث ذلك لا بد من تعليمهم بالعلم النافع وتثقيفهم بحقيقة ما يجري من أحداث حولنا، والعمل على زيادة إيمانهم وتعلقهم بالله وما أعده الله من نعيم لعباده المؤمنين في الجنة.
7 - الإعداد المجتمعي؛ عبر إعداد المجتمع المؤمن القوي والمثقف والفاهم لحقيقة ما يدور في الواقع، المجتمع الذي لا يخاف ولا يهاب أحدا إلا الله، فهذا الإيمان واليقين وذاك العلم والفهم هو الذي جعلالمجتمع في غزة يتحمل ويصمد ويثبت رغم الألم، فهو يثق بمقاومته، ويعتز بها، ويدعمها، ويحميها، ولايتهمها بأنها تسببت في تدميره.
8 - الإعداد الإعلامي، ضرورة تعلم الثقافة الإعلامية الواعية والرشيدة، ومن أين نستمد الأخبار من مصادرها الموثوقة، ولا نتأثر بالشائعات، ونتعلم فن الرد على الشبهات بثبات قلب وقوة يقين وسعة علم واطلاع، وتعلم أيضا التأثير الإعلامي على شبكة الانترنت عبر صفحاتنا واكتساب ثقة متابعينا بنشر المعلومات الصحيحة والنافعة، وعدم الجري وراء الشائعات والأكاذيب وترويجها بدون علم.
هذه هي بعض الأسباب التى يجب على من يتألم لحال الأمه ويقلقه ما وصل إليه حال المسلمين من ضعف ويريد أن يأخذ بأسباب القوة ليعتذر لنفسه بين يديه ربه ابتداء ثم ليكون لبنه قوية فى صف مؤمن يكون قادرعلى تحقيق رسالة الله فى أرضه سبحانه وتعالي حاملا فى قلبه ومع كل خطوة من خطواته الخير للجميع .