إعداد: عاطف عبد الهادي

ليس خافيًا على أحد ما يجري للإخوان نهارًا وما يدبَّر لهم بليل، ومن هنا أوصَى الإمام البنا منذ ما يربو على نصف قرن من الزمان إخوانه قائلاً: "أحب أن أصارحكم، إن دعوتكم لا زالت مجهولةً عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميَها وأهدافَها ستلقى منهم خصومةٌ شديدةٌ وعداوةٌ قاسيةٌ، وستجدون أمامكم الكثير من المشقات وسيعترضكم كثيرٌ من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيلَ أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين، ولا زلتم تمهِّدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلَّبه من كفاح وجهاد، سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبةً في طريقكم، وستجدون من أهل التديُّن ومن العلماء الرسميين مَن يستغرب فهمَكم للإسلام ويُنكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقِد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كلُّ الحكومات على السواء، وستحاول كلُّ حكومة أن تحدَّ من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم".

 

وكأنه- رحمه الله- بين ظهراني إخوانه الآن يناديهم أن يقفوا على جوانب الدعوة وحدودها ويحيطوا بها فهمًا: "وسيتذرَّع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم، وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة، والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدَّة إليهم بالسؤال وعليكم بالإساءة والعدوان، ويثير الجميعُ حول دعوتكم غبارَ الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يُلصقوا بها كلَّ نقيصة، وأن يُظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ﴿يُريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون﴾ (التوبة: 32).

 

ثم يرسم الوسائل التي تتطلَّبها المجاهَدة في سبيل تحقيق ونصرة الفكرة المجيدة فيقول: "وستدخلون بذلك ولا شكّ في دور التجربة والامتحان، فتُسجنون وتُعتقلون وتُقتلون وتُشرَّدون، وتُصادَر مصالحكُم وتُعطَّل أعمالُكم وتُفتَّش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون) (العنكبوت: 2)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرةَ المجاهدين ومثوبةَ العاملين المحسنين(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) (الصف: 10) (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) (الصف: 14) فهل أنتم مصرُّون على أن تكونوا أنصار الله؟!".

 

وهنا مقالان من مقالات الإمام الشهيد حسن البنا يشدُّ فيهما على أيدي إخوانه المعتقَلين الممتحَنين خلف الأسوار وفي السجون:

 

1- تثبيت*

﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء﴾ (إبراهيم: 27).

 

آيتان من كتاب الله تبارك وتعالى في سورتَين منه: في الأنعام وفي هود، ظلَلْتُ أذكرهما منذ الحديث السابق إلى اليوم، فأحببتُ أن يشركني الإخوان الكرام في تذوُّق حلاوتهما وتدبُّر معانيهما، والعظة الكاملة بما فيهما، ويحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين.

 

ذكرت الأولى في سورة الأنعام﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين* وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقاً فى الأرض أو سلماً فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين﴾ (الأنعام: 33- 35).

 

لقي الأخنس بن شريك أبا جهل في بدر في خلوة، فقال له: "يا أبا الحكم ليس ها هنا أحدٌ إلا أنا وأنت تسمع ما يقول.. أفتظن أن محمدًا كاذب وما عهدنا عليه كذبًا؟!"، فقال أبو جهل: "يا هذا إن محمدًا لصادق، ولكن إذا ذهبت قُصَيّ بالحجابة والسقاية والندوة والنبوة.. فما لسائر قريش؟!" فأنزل الله الآية الكريمة: ﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون﴾.