رغم أنها غير مسلمة وغير عربية ولا تربطها بالإخوان رابطة يمكن من خلالها توجيه اتهام إليها بالانحياز إلى الإخوان، بل ويبعد بينها وبين مصر حدود ومسافات وبحار بعيدة، لكنَّ ذلك كله لم يمنعْها من تخطِّي هذه العقبات والحضور للتضامن مع أُسَر وأبناء الإخوان المحالين للعسكرية.. إنها سيندي شيهان الحقوقية الأمريكية الشهيرة والملقَّبة بـ"أم السلام الأمريكية"، والتي قامت خلال وقفتها التضامنية مع أبناء وأسر 40 من الإخوان المعتقلين أمام المجلس القومي للمرأة بتوجيه رسالة إلى السيدة سوزان مبارك تحت عنوان: "رسالة من أم أمريكية إلى أم مصرية"، طالبت فيها بالمعاملة العادلة والنزيهة لقيادات الإخوان المحالين للعسكرية، مؤكِّدةً في رسالتها أنها منذ لحظة وصولها الأولى إلى مصر وهي تستمع إلى زوجات وأبناء المعتقلين، واصفةً ما سمعته بأنه: "رواياتٌ تذوب لها الأفئدة كمدًا".

 

وناشدت شيهان السيدة سوزان مبارك الانضمامَ إليها في الدفاع عن حقوق الإنسان، وحدَّدت طلباتها في نهاية رسالتها بمساندة المجلس القومي للمرأة لأُسر المعتقلين، والاحتجاج على أيِّ أذى ماليٍّ أو ماديٍّ يقع على زوجات وأسر المعتقلين، وكذلك المطالبة باسترداد الأموال المصادرة والمتحفَّظ عليها.

 

لم يجمع بين سيندي شيهان وبين هؤلاء المكلومين إلا المطالبة بالعدل؛ حيث أحسَّت هي بكل هذا حين فقدت ابنها في الحرب الأمريكية على العراق، وعندما أيقنت أنه مات لأجل قضية جوفاء، بُنِيَت على أكذوبة روَّج لها مَن عنده النفط أغلى من دم الفقراء.

 

 الصورة غير متاحة

أسر المحالين للعسكرية يطالبون بالإفراج عن ذويهم

واستطاعت شيهان وحدها إثارة الرأي العام الأمريكي بأجمعه، واستنهاض معسكر المعادين للحرب، وإعادة قضية شرعية الحرب على العراق إلى واجهة الصحف والقنوات التلفزيونية الأمريكية والعالمية؛ لتصبح شيهان شخصيةً محوريةً في الحركة الأمريكية المناهضة للحرب.

 

وقامت شيهان البالغة من العمر ‏48‏ عامًا والتي تقيم في ولاية كاليفورنيا‏,‏ بنصْب خيمة لمدة أسبوع أمام منزل الاستراحة الذي يقضي فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش عطلتَه الصيفية في مدينة كروفورد في ولاية تكساس، وطالبت بمقابلة بوش لساعة واحدة لتبلغه معارضتها لحربه على العراق، لكن بوش رفض اللقاء بها.

 

(إخوان أون لاين) التقى سيندي شيهان على هامش زيارتها لمناصرة القضية العسكرية لقيادات الإخوان المسلمين، وتطرق في حواره إلى العديد من القضايا المثارة على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، وأشادت سيندي في حديثها لنا بدور موقعنا في نشر القضية العسكرية للإخوان، وكسب التعاطف المحلي والدولي معها، وإلى تفاصيل الحوار:

* بدايةً نودُّ أن نتعرف على طبيعة الدور أو التحوُّل في حياتك، وما دافعك إلى الاهتمام بملف حقوق الإنسان وتبنِّيك لمناهضة سياسة بوش في المنطقة والحرب على العراق؟

** بدأت في نشاطي منذ أن مات ابني في حرب العراق في أبريل عام 2004، وكنت أعرف أن هذه الحرب قرار خاطئ حتى قبل أن يُقتل ابني، ولم أكن أريد أن يذهب ابني إلى هناك، وبعد أن تُوفي قررت أن لديَّ واجبًا كبيرًا عليَّ أن أفعله كي أفضح أكاذيب الحرب التي تبنَّتها بلدي.

 

* وفي أي مهمة ذهب ابنك للعراق؟

** ابني كان يعمل مهندسًا ميكانيكيًّا في الجيش الأمريكي.

 

 الصورة غير متاحة

سيندي شيهان ومهدي براي أعلنا رفضهما للمحاكمات العسكرية

* كيف تقرئين قضايا حقوق الإنسان والتباين بين استخدامها كوسائل ضغط على الحكومات والأنظمة العربية وبين حقيقة هذه الدعاوى في الواقع؟

** هناك حقوق إنسان أساسية، ومنها أن تعيش في مجتمع حر وديمقراطي، تضمن فيه حرية التعبير والتظاهر السلمي وحرية الصحافة والأمن أيضًا، وأن نضمن الأمن لأنفسنا، ليس فقط من الاعتداء الأجنبي، ولكن الأمن من حكومتنا ذاتها.

 

* ما هي رؤيتك لجماعة الإخوان المسلمين وتحليلك للقضية العسكرية وإحالة 40 من المدنيين للقضاء العسكري؟

** إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية هو ضد حقوق الإنسان وضد القانون الدولي، وأعتقد أنه من العدالة أن تُطبَّق أحكام المحاكم المدنية، وأنا أعلم أنه تم الإفراج عنهم 3 مرات، فيجب احترام القضاء المدني، وأنا أعترض على إحالة المدنيين للمحكمة العسكرية بعد حصولهم على قرارات الإفراج.

 

أما بالنسبة لتفاصيل المحاكمة فلن أدخل فيها لأنني مُنعت من حضور جلسات المحكمة، وأرى أنه لا بد أن يُسمَحَ لهم بالعودة إلى أسرهم، وأن يتلقوا الرعاية الصحية اللازمة التي لا يستطيعون الحصول عليها وهم داخل السجن، وأعتقد أن الإخوان يدعون إلى التغيير السلمي والديمقراطي، فلا يصح أن يتم قمعهم بأي شكل من الأشكال؛ لأنهم يقومون بنشاطات شرعية.

 

معقد جدًّا

* وما مدى ارتباط تفاعلك مع هذه القضية بملف مناهضة السياسة الأمريكية في المنطقة الذي تتبنِّيه، وكذا ارتباط ذلك بمناداتك بتعميم السلام؟

** أنا ذهبت إلى عمان للعمل مع اللاجئين الفلسطينيين في هذا الصيف، وأرى أن الكوارث التي يواجهها العراقيون هي نتيجة غير مباشرة لسياستنا، وما يحدث للفلسطينيين أيضًا من اضطهاد هو نتيجةٌ لمساندة حكوماتنا للكيان الصهيوني، هذا ما خرجت به من تجربتي في عمان.

 

 الصورة غير متاحة

بوش يدعم الحكومات المستبدة في العالم

وأعتقد أن سياسات جورج بوش منذ أن تولَّى الرئاسة تزيد من التيارات الإرهابية التي تتبنَّى اسم الإسلام؛ ولهذا يجب أن ترتفع الأصوات الإسلامية المعتدلة، وأن يُسمح لهم بالمشاركة السياسية السلمية من خلال الاقتراع الحر المباشر.

 

وأرى أن تحقيق السلام في العالم هو هدف صعب الوصول إليه "معقد جدًّا"، والولايات المتحدة تتبنَّى مشروعًا مسلحًا في العالم أدَّى بشكل مباشر إلى تعزيز الكراهية لأمريكا في العالم كله، وأعتقد أن الحكومة الأمريكية تدعم الحكومات المستبدة ويتحالفون معًا لاستبداد شعوب العالم، وهذا هو السبب الرئيسي للمشاكل في العالم كله.

 

* هل هناك مشروع تتبناه "سندي شيهان" لعمل نوع من التعبئة الإنسانية ضد قضايا القمع بصفة عامة؟

** كل ما أفعله يصب في هدفي الرئيسي، وأحد أهدافي هو إلقاء الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في العالم كله، وإذا كنا ندعو إلى السلام فلا بد ألا نقمع الأصوات التي تريد أن تشارك في العملية السياسية بطريقة سلمية من خلال صندوق الاقتراع، ومحاولة المشاركة في العملية السياسية والتغيير الديمقراطي والإصلاح السلمي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي يجب أن تُحتَرَم في أنحاء العالم؛ لأنها أهداف شرعية.

 

* ما هي دوافع تحركك لمناصرة مجموعة لا تربطك بها أيدلوجيات أو ديانة أو حتى أي ارتباطات عرقية كانت أو جنس واحد؟!

** أنا لا أختلف تمامًا مع الأيدلوجيات الإسلامية، وأنظر إلى جميع البشر بشكل متساوٍ، وأرى أننا جميعًا من عرق واحد، وأنا لم أعُد مسيحية بعدُ، كما أنني لا أعيِّن نفسي قاضية على أيدلوجيات الآخرين، وأن من يحكم على عقائد الناس هو الله فقط.

 

* ألا تعتقدين أنه من الممكن أن يقال عن تفاعلك مع قضايا الإخوان المسلمين، وإمكانية تحويل هذا التفاعل إلى سلاح يوجَّه ضدك في وقت تَعتبر فيه الإدارة الأمريكية أن الإخوان جماعة "أصولية"؟ بمعنى آخر.. إنك تضعين نفسك في مأزق بتفاعلك وتضامنك مع الإخوان المسلمين!!.

** كنت دائمًا أضع نفسي في مثل هذه المآزق فذهبت قبل ذلك لجوانتنامو، وأنا لا أدعم أي تيار عنيف، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعلني أعارض أي أيديولوجية هو إذا كانت تتبنَّى العنف؛ لذا فأنا ضد إدارة بوش؛ لأن أيدلوجيتها تتسم بالعنف، وأنا لا أوافق على جماعة مثل "القاعدة"؛ لأنها تتبنَّى أيدلوجية عنف، لدرجة أنه إذا تم اعتقال بوش وتمت محاكمته فأنا سأطالب أن يحاكم محاكمة عادلة.

 

وأعتقد أن هناك كثيرًا من سوء الفهم خصوصًا للإسلام في دولتنا؛ لدرجة أن الناس يتبنون نداءات كراهية لأي مسلم؛ باعتباره إرهابيًّا كما يصورون لهم.

 

 الصورة غير متاحة

عائشة ابنة حسن مالك وكيسي ابن شيهان.. قضية واحدة

* الإعلام الأمريكي والصهيوني يصور المقاومة في فلسطين والعراق على أنها أعمال عنف.. فكيف تنظرين لذلك خاصة وأن ابنك قُتل على يد المقاومة في العراق؟

** الإعلام الأمريكي يحجب الكثير من الأشياء، ويتم التعتيم عنها، خاصةً إذا كانت تعارض سياسة جورج بوش، وبالرغم من أني أناهض العنف إلا أنني أعتقد أن الفلسطينيين والعراقيين من حقهم مقاومة الاحتلال، رغم أنه ليس من السهل عليَّ أن أقول ذلك؛ لأن ابني في الحقيقة قُتل على يد المقاومة العراقية، وأعتقد أن المقاومة عملية شرعية ويجب على القوات الأمريكية أن تخرج من العراق فورًا.

 

* من وجهة نظرك ما هي الآليات التي تقترحينها لتفعيل مناهضة قمع الحريات بالمحاكم الاستثنائية على المستوى الجماهيري والشعبي؟

** يجب على الشعب المصري أن يتحرك ويتظاهر بشكل سلمي، ولا بد أيضًا أن يتم هذا التحرك الشعبي من خلال الانتخابات الحرة والديمقراطية، وعلى الشعب المصري أن ينتفض ويقف وقفةً قويةً ضد سياسة النظام في قمع حرياته، وأن ينادي بصوتٍ عالٍ ليحصل على حرياته كاملةً.

 

إخوان أون لاين

* ما هي أجندتك للخروج بأفكار جديدة لمناصرة إحالة المدنيين للمحكمة العسكرية وكيفية المحافظة على استمرارية هذه الحملة؟

** أرى أن التغطية الإعلامية للقضية العسكرية التي يقوم بها الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أون لاين) منذ أول جلسة وحتى آخر جلسة جيدة للغاية، وأعتقد أنها أقوى وسيلة لمناصرة القضية إعلاميًّا، وأرى أنه من المهم أيضًا أن يستعين الإخوان بالأصوات الدولية؛ لأن هذه المحاكمات لها تأثيرٌ في المجال الدولي والاتحاد الأوروبي، كما أن وجود ممثلين أمريكيين لحضور جلسات المحكمة سيكون له صدى في الترويج للقضية في الولايات المتحدة، وسيكون له صدى أيضًا في التأثير في العلاقة بين الحكومتين الأمريكية والمصرية.

 

بالإضافة إلى أن التواصل مع المجتمع الديني على المستوى العالمي "سواءٌ مسلم أو مسيحي" سيكون له أثر في مناصرة القضية؛ لأنها ليست قضية قانونية ولكنها قضية حقوقية وأخلاقية، ولا بد على أُسَر المعتقلين ومؤيديهم ألا يسكتوا وأن يستمروا في رفع أصواتهم في وجه الظلم بكل قوة وشجاعة.

 

 الصورة غير متاحة

أين أبي.. لافتة رفعها أحد أبناء معتقلي العسكرية!!

* كيف تنظرين لقضية إثارة البرلمان الأوروبي لانتهاك حقوق الإنسان في مصر، واعتبار مصر أن هذا تدخلٌ في شئونها الداخلية، ما أدى إلى تبادل بعض التصريحات الهجومية للمسئولين بين البلدين؟

** أرى أن ذلك ليس تدخلاً في الشئون الداخلية المصرية، ولكنه فضح عدم تعهد الحكومة المصرية بما وعدت به، من أنه سيكون لديهم مجتمع أكثر انفتاحًا، وأن الشعب سيشارك بصورة أكبر في الحكومة، وسوف يكون لديهم انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما لم يحدث على الإطلاق، ولم توفِ الحكومة المصرية بتعهداتها لشعبها، لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا فعل الاتحاد الأوروبي ذلك مع مصر فقط ولم يفعله مع أمريكا؟!

 

* في رأيك.. ما هي علاقة المشروع الأمريكي في المنطقة بسياسات القمع وكبت الحريات في العالم العربي؟

** أرى أن هناك معايير مزدوجة في التعامل الأمريكي مع العالم الآخر، وهناك مبدأ يسمَّى الاستثنائية الأمريكية، وكنت أشاهد أمس الـ"بي بي سي"، وكان أحد الجنرالات الأمريكيين يعرض قائمةً من الجرائم التي يصفها بجرائم الحرب؛ مثل قتل الأبرياء وتدمير الملكيات الخاصة والتعذيب.

 

وكنت أعتقد في البداية أنه يتحدث عن جورج بوش وما فعلته دولتنا في العراق وأفغانستان، ولكن كان يتحدث عن الشيخ خالد محمد في تدبيره لأحداث 11 سبتمبر، وأنا أتعجب لماذا تسمَّى أحداث 11 سبتمبر جريمةً ولا تسمَّى الحرب على العراق وأفغانستان جرائم حرب، ودولتي تندِّد بأفعال للغير هي نفسها ترتكبها؛ مثل التعذيب والقتل المتعمَّد، وأعتقد أن هذا فيه الكثير من النفاق.