ممدوح الولي

فى 29 يناير 2003 أعلن رئيس الوزراء عاطف عبيد التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وأعلن أنه سيتم تحديد سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية وفقا لقوى العرض والطلب، لكن الواقع العملي أنه كان تعويما مُدارا أى يتم خلال سقف معين، بمعنى تركه يتحرك داخل إطار نسبة مئوية معينة..

بحيث يتدخل البنك المركزى بالبيع عندما يزيد الطلب عن العرض، أو يتدخل مشتريا عندما يزيد العرض عن الطلب، حتى يحافظ على استقرار سعر الصرف داخل ذلك المدى المحدد مسبقا، وللتبسيط كمن يصحب قطة رابطا حبلا في عنقها، بحيث يترك لها حرية الحركة فى إطار طول الحبل الذي يمسك به، فإذا أراد لها مزيدا من الحركة أطال في الحبل، وإذا أراد لها حركة محدودة قصّر الحبل.

وفى نوفمبر 2016 كرر محافظ البنك المركزى حينها طارق عامر نفس المقولة، بأن تم التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، بحيث يتحدد سعره طبقا لقوى العرض والطلب، لكنه سرعان ما حوله إلى تعويم مُدار بحيث تدخل بالتحديد الإداري لسعر الصرف، فبعد أن تخطى السعر الـ19 جنيها للدولار، جعله أقل من 16 جنيها فى فبراير من عام 2017، رغم وجود عجز دولارى بالجهاز المصرفي في ذلك الوقت.

كما قام بتحديد نطاق للسعر بين 15.62 جنيه و15.66 جنيه للدولار منذ نوفمبر/ 2020 وحتى 20 مارس من العام الحالي، رغم استمرار وجود عجز دولارى بالبنوك التجارية منذ يوليو من العام الماضي وحتى الآن، وهكذا تلجأ السلطات النقدية للتحكم الإداري بسعر الصرف، عندما لا تكون لديها أرصدة دولارية كافية للدفاع عن استقرار سعر الصرف، ولهذا وصف بعض الخبراء حديث المحافظ حينذاك بأنه تعويم في بحيرة شبه جافة.

يأتي ذلك مع بلوغ العجز بالميزان التجارى بالعام المالى السابق للتعويم 38.7 مليار دولار، وبلوغ الاحتياطي من العملات الأجنبية بالشهر السابق للتعويم 19 مليار دولار، بينما كانت أقساط وفوائد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، خلال السنوات الثلاثة التالية لعام التعويم 26.7 مليار دولار، بخلاف قيمة لا تقل عن 8 مليارات أخرى كأقساط وفوائد للدين قصير الأجل كل عام.

وإذا كان الخبراء قد وصفوا حال التعويم الذي تم الإعلان عنه أواخر 2016، بأنه يتم في بحيرة شبه جافة من الدولارات اللازمة للدفاع عن استقرار سعر الصرف، رغم الاتفاق وقتها على الحصول على 12 مليار دولار من الصندوق، و12.3 مليار دولار أخرى من دول ومؤسسات دولية وإقليمية، فماذا نقول عن حال تلك البحيرة الدولارية شبه الجافة حاليا، والتي يجب أن تمتلئ بالدولارات كي ينجح التعويم.

فقبل شهر من تعويم 2016 كان هناك عجزا بالنقد الأجنبي بالجهاز المصرفي، تجاه العالم الخارجي بلغ 13.9 مليار دولار كفرق بين الأصول والالتزامات بالعملات الأجنبية، منها 6.8 مليار دولار عجزا بالبنك المركزى بعد احتساب ما لديه من احتياطيات، وعجز 7.1 مليار دولار لدى البنوك التجارية، وهو العجز الذي تطلب ستة أشهر بعد التعويم حتى تم علاجه.

بينما بلغ نفس العجز بالجهاز المصرفى بالنقد الأجنبى بالشهر السابق على تعويم 2022، نحو 22.6 مليار دولار منه 8.6 مليار دولار بالبنك المركزى و14 مليار دولار بالبنوك التجارية، فكم من الشهور يمكن أن يتم علاج ذلك العجز الحالي، وقرض الصندوق هذه المرة 3 مليارات دولار فقط يتم الحصول عليها خلال 46 شهرا، بينما كان القسط الأول من قرض الصندوق عام 2016 والذي تم الحصول عليه قبل نهاية العام 2.6 مليار دولار.

وإذا كانت مصر هذه المرة بإنتظار موافقة الصندوق على إقراضها  مليار دولار أخرى من صندوق فرعى تابع له، وانتظار حصولها على 5 مليارات دولار أخرى من دول ومنظمات إقليمية خلال الشهور القادمة وحتى يونيو القادم، بينما تبلغ تكلفة أقساط وفوائد الدين الخارجى متوسط وطويل الأجل بالعام المقبل 17.6 مليار دولار، بخلاف 26 مليار دولار على الأقل لأقساط وفوائد الدين قصير الأجل، أي مطلوب حوالي 44 مليار دولار خلال العام.

وفى عام 2024 تبلغ تكلفة الدين الخارجى متوسط وطويل الأجل 24.2 مليار دولار، وفى عام 2025 نحو 15 مليار دولار وفى عام 2026 نحو 16.8 مليار دولار، ليصل مجمل السنوات الأربعة التى تمثل مدة الاتفاق مع الصندوق 73.7 مليار دولار بمتوسط سنوي 18.4 مليار دولار، بخلاف متوسط سنوى لأقساط وفوائد الديون القصيرة الأجل لن يقل عن 26 مليار دولار كل عام.

وفى تعويم 2016 تم الاعتماد على الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي المصري، اعتمادا على تجارة الفائدة، والفارق الكبير بين سعر الفائدة بالبلدان الغربية ومصر، لكن الصورة حاليا تغيرت، فمع تعويم 2016 كان سعر الفائدة بدول اليورو صفر بالمائة، وعلى الجنيه الاسترليني 0.25 % وعلى الدولار الأمريكى من 0.25 إلى 0.5 %.

بينما بلغ سعر الفائدة على الدولار الأمريكى حاليا بين 3.75 – 4%، وعلى اليورو 2% وعلى الجنيه الاسترلينى قبل اجتماع المركزى البريطاني بالثالث من نوفمبر/ تشرين ثاني الحالي 2.25%، مع سعى تلك الدول لرفع الفائدة بالفترات المقبلة لمواجهة نسب التضخم المرتفعة بها، والتي بلغت 8.2 % بالولايات المتحدة والتى تسعى لخفضها إلى 2%.

وحسب بيانات البنك المركزى للعام المالي الأخير 2021/2022، فإن المتوسط الشهري لموارد النقد الأجنبى من كل الموارد عدا القروض، أي من الصادرات السلعية والسياحة والاستثمار الأجنبى وقناة السويس وخدمات النقل وغيرها تقل عن 10 مليارات دولار، بينما يصل المتوسط الشهري للمدفوعات للخارج، بدون خروج أموال ساخنة أخرى من مصر 12.2 مليار دولار، أي أن هناك عجزا شهريا يبلغ 2.2 مليار دولار.

      تسهيلات للاستثمار الأجنبى الجالب للعملات

مع توقع زيادة ذلك العجز مع عودة الواردات إلى طبيعتها، والتي ستحاول تعويض فترة التضييق عليها والتى استمرت من فبراير وحتى الآن، ولهذا لجأت الحكومة إلى عدد من الوسائل لجلب كم أكبر من العملات الأجنبية، ومن ذلك التوسع فى بيع حصص من الشركات العامة لصناديق سيادية خليجية..

إضافة إلى إتاحة جلب المصريين بالخارج سيارات بدون دفع جمارك أو ضرائب، نظير إيداع قيمة تلك الجمارك والرسوم بالدولار بالبنوك المصرية لحساب وزارة المالية، لمدة خمس سنوات بدون عائد واستردادها بالجنيه المصري.

كذلك التوسع فى بيع أراضى ووحدات سكنية للمصريين بالخارج، والاتجاه لمنح المشروعات الاستثمارية الخارجية الممولة بالعملات الأجنبية، من ضرائب الدخل حتى نسبة 55% ومنحها الرخصة الذهبية لتسهيل إجراءات تأسيسها فى موافقة واحدة تجب موافقات كل الجهات الحكومية.

ولكن نتائج تلك المسارات تشير إلى بلوغ حصيلة البيع لحصص من الشركات العامة للإمارات والسعودية حوالي 3.1 مليار دولار حتى أغسطس الماضي، كما توقع وزير المالية تحقيق دخل من جلب سيارات المصريين بالخارج بنحو 2.5 مليار دولار، خلال أربعة أشهر من صدور القرار المنفذ لإجراءات ذلك والذي لم يصدر بعد، رغم صدور القانون الخاص بذلك فى نفس يوم التعويم الجديد.

وأشارت بيانات البنك المركزي المصري لبلوغ قيمة بيع العقارات للأجانب بالعام المالي 2021/2022، نحو 970 مليون دولار مقابل 616 مليون دولار بالعام المالي السابق، حيث يفضل الأجانب الوحدات السكنية كاملة التشطيب بينما يغلب على الوحدات المصرية أنها غير كاملة التشطيب، وكذلك لهم مواصفات خاصة لا تتم مراعاتها عند البناء.

كما أن الأجانب يسعون للربح من امتلاك العقار بينما يتسبب تكرار تراجع سعر صرف الجنيه فى عدم تحقيق أرباح عند البيع، ففي حالة شراء أجنبى وحدة سكنية فى بداية عام 2016 قيمتها مليوني جنيه مصري، فإنه قد دفع وقتها 230 ألف دولار، بينما لو بلغت قيمتها حاليا 4 ملايين جنيه أى ضعف القيمة عند الشراء فإنه سيحصل عند بيعها على 167 ألف دولار فقط أى سيخسر 63 ألف دولار.

أما التعويل على الاستثمار الأجنبى المباشر حاليا فإنه مرتبط بتحسين بيئة الاستثمار، وأبرزها حسم مسألة توسع الجيش في الاقتصاد، وعدم التكافؤ في التعامل الضريبي والجمركى وأسعار الأراضي والتقاضي معه داخل السوق، وهو أمر حتى بعد إقراره يتطلب فترة من الوقت حتى يتأكد الأجانب من استقرار المعاملات الجديدة، من خلال ما سيحدث مع القطاع الخاص المصرى من ممارسات.

المصدر: الجزيرة مباشر نت