اعترفت «هيئة الانتخابات» في تونس أن عدد من شاركوا بالتصويت في الانتخابات التشريعية، التي جرت أول أمس السبت، بلغ 803 آلاف شخص، وهو ما يعادل 8,8 من العدد الإجمالي للناخبين التونسيين، الذي يبلغ 9 ملايين و136 ألف ناخب.

رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، وجد تبريرا لنسبة الإقبال المتهافتة وهو «تغيّر نظام الاقتراع، وغياب المال السياسي عن الحملات الانتخابية».

مفهوم طبعا أن يلوم بوعسكر الأطراف التونسية المتضررة من طريقة تأليف الرئيس قيس سعيّد لهذه الانتخابات، لإنتاج برلمان مطيع، وخال من الأحزاب السياسية الرئيسية، وكذلك الآراء الناقدة لطريقة تأليف هيئته، أما أن يقدّم، رغم النتائج الضعيفة، مديحا لنظام الاقتراع، وأن يعتبر عزوف غالبية التونسيين عن المشاركة، دليلا على حصول «انتخابات نظيفة» فهذا يدخل حكما في باب الهزل أكثر مما يعبّر عن التناقض وبؤس المنطق.

في دفاعه أيضا عن الانتخابات قال بوعسكر إن المرشحين «تمكنوا بمجهوداتهم الفردية المتواضعة» من استقطاب الناخبين، لكن اشتراطات القانون الانتخابي الحالي (مثل حصول المرشح على 400 تزكية نصفها من النساء) أدت، حسبما أكدت تقارير ومصادر عديدة إلى عمليات شراء للتزكيات، فهل يعتبر ذلك، بمقاييس رئيس الهيئة، «مالا سياسيا مشبوها» أم أن التهمة تقتصر فقط على معارضي الرئيس؟

إضافة لذلك فإن بوعسكر قد اضطر، في أغسطس الماضي، إلى فصل سامي بن سلامة، أحد أعضاء إدارة «هيئة الانتخابات» هذه، الذي اتهم رئيس الهيئة «بالتزوير والتدليس والتقصير» فإذا كان أحد أعضاء الهيئة يتهمها بهذه الاتهامات الشنيعة فماذا يفيد توجيه رئيسها الاتهامات لمنتقديه بأن لهم «خلفيات سياسية واضحة»؟

يسيء رئيس «هيئة الانتخابات» لمجمل التونسيين، لأنه يربط مشاركتهم الواسعة بالانتخابات، أو عزوفهم عنها، بـ«المال السياسي» وكان الأقرب للمنطق أن يقرّ ببساطة أن التونسيين رفضوا المشاركة في برلمان «معقّم» ولا وظيفة له سوى مداهنة الرئيس والتصديق على قراراته.

الأسوأ من ذلك، أن أحد المرشحين للبرلمان الحالي، وبدلا من توجيه اللوم لنفسه، فقد قرر أن من لم يشاركوا في انتخابه، ونظرائه من المرشحين، «متخاذلون وغير وطنيين» وبذلك انضاف اتهام التونسيين بالخيانة، إلى اتهامهم بالفساد، وفوق ذلك فقد توعّد بمحاسبة الداعين لمقاطعة الانتخابات!

طبيعي، بعد هذا الفشل الذريع، أن تدعو «جبهة الخلاص الوطني» وهي أكبر تكتل تونسي معارض، الرئيس قيس سعيّد إلى الاستقالة من منصبه، واعتبار أنه «فقد شرعيته» بعد أن قاطع أكثر من 91٪ من التونسيين انتخاباته، وأن يدعو الرئيس الأسبق، المنصف المرزوقي، سعيّد إلى الاستقالة كما فعل الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول، عام 1969، عندما «رفض الفرنسيون مجاراته في خياراته السياسية».

أدى انقلاب الرئيس التونسي على الحكومة والبرلمان والقضاء، وتضييقه على الإعلام، إلى استعصاء سياسي كبير، وتكمن أهمية نتائج الانتخابات الأخيرة إلى إظهار فشل هذا المشروع على المستوى الشعبي، أما اتهامات التخوين والفساد للشعب التونسي، فتعبّر عن إفلاس سياسي غير مسبوق.

المصدر: القدس العربي