ممدوح الولي
يزخر المجتمع المصري بالعديد من أنواع الصناديق الخاصة والحكومية والأهلية، قليل منها داخل الموازنة الحكومية، وغالبيتها خارج الموازنة، ورغم وصول عددها إلى عدة آلاف، فلا يوجد حصر رسمي دقيق لعددها، حيث تمتنع الكثير من الجهات التي أُنشئت بها الصناديق عن إمداد وزارة المالية، أو حتى الجهاز المركزي للمحاسبات ببياناتها المالية، ولهذا توقفت وزارة المالية عن إصدار بيانات عن تلك الصناديق منذ عدة سنوات.
ولأن التعرف على أنواع الصناديق الحكومية المصرية يُربك المتخصصين، فإن استيعاب الأمر بالنسبة لغير المتخصصين لن يكون سهلاً، لذا نحاول تقسيم الصناديق الحكومية حسب الشكل القانوني لها.
أولاً: صناديق تأخذ شكل هيئة خدمية: وعددها 21 صندوقاً، مثل صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، وصندوق الأراضي الزراعية التابع لوزارة الزراعة، وصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري التابع لوزارة الإسكان، وهي الصناديق الوحيدة التي تدخل في حسابات الموازنة العامة للدولة، بحث تمول الدولة فيما تحققه من عجز، وتحصل على ما تحققه من فوائض وإن كان أغلبها يحقق عجزاً.
ثانياً: صناديق تتخذ شكل هيئة اقتصادية: وهي ستة صناديق مثل صندوق التصنيع والإنتاج للسجون التابع لوزارة الداخلية، وصندوق التنمية الحضرية الذي حل محل صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، ورغم وجود تلك الصناديق خارج موازنة الدولة فإن الموازنة تحصل على فوائضها، وتدعمها في حالة تحقيقها خسائر من خلال المساهمات والقروض.
ثالثاً: صناديق التأمين الخاصة: وهي صناديق تنشأ بالشركات والهيئات كنوع من التكافل بين العاملين بتلك الشركة أو الهيئة، للحصول على مزايا تأمينية عند الخروج على المعاش أو خلال أداء الخدمة، وعددها 694 صندوقاً، وبلغت أصولها بنهاية عام 2021 نحو 126 مليار جنيه، واستثماراتها 105 مليارات جنيه.
وعدد أعضائها 4909 ملايين عضو، منها 208 صناديق في جهات حكومية و104 بجهات سيادية و139 بالقطاع العام، و25 بالجامعات، و35 بالنقابات المهنية، و22 بالبنوك، و11 بالمؤسسات الصحفية و10 بالأندية و105 بالقطاع الخاص.
رابعاً: صناديق الاستثمار: وهي صناديق تُنشئها البنوك غالباً أو الشركات، ليتم تمويلها من خلال بيع وثائقها للجمهور، لاستثمار تلك الحصيلة لصالحهم من خلال متخصصين، وغالباً ما يتم استثمار أموال الصناديق بالبورصة أو بالسندات الحكومية أو بالأوعية المصرفية، وبلغ عدد الصناديق 122 صندوقاً بنهاية 2021، كما بلغ صافي أصولها 112 مليار جنيه بنفس التاريخ.
وتتوزع ما بين 34 صندوق نقدية، أي تستثمر أموالها في الأوعية الادخارية ذات العائد الثابت، بحيث تضمن أصل رأس المال، و27 صندوقاً للاستثمار في الأسهم، وهذه الصناديق لا تضمن للمستثمرين بها أصل ما دفعوه، والذي يمكن أن تقل قيمته في حالة تراجع أسعار الأسهم بالبورصة، ولهذا توجد صناديق تجمع ما بين مجالات التوظيف ثابتة العائد والأسهم، تُسمى الصناديق المتوازنة، لضمان الحفاظ على أصل المبالغ المدفوعة للصندوق وتحقيق ربح عليها.
خامساً: صناديق الخدمات بالوزارات والهيئات والمحافظات: عادة ما يتم تسميتها بالصناديق والحسابات الخاصة، وتم إنشاؤها بمجال النظافة بعد حرب 1976 لتخفيف العبء عن الدولة، ليكون تمويلها من خلال الرسوم التي تفرضها على المستفيدين من خدماتها بالمحافظات، وسمح قانون الموازنة الصادر عام 1973 بإنشاء صناديق خاصة بقرار جمهوري.
إلا أن عملية الإنشاء للصناديق توسعت من خلال قرارات لمجلس الوزراء، وكذلك بقرارات وزارية، وأيضاً بقرارات من المحافظين، ما زاد عددها إلى 7282 صندوقاً وحساباً خاصاً في أواخر عام 2016، حسب بيانات وزارة المالية حينذاك، وحاولت وزارة المالية المنوط بها قانوناً الإشراف عليها تطوير نشاطها المالي، إلا أن الجهات السيادية التي أنشأت صناديق لصالح العاملين بها، امتنعت عن إمداد وزارة المالية بأية بيانات عنها، ما جعل العدد الحقيقي لتك الصناديق غير معروف، فما بالنا بأرصدتها المالية!
وبفترة تولي المجلس العسكري الحكم تم إلزام الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص بتوريد نسبة 20% من إيراداتها الشهرية للخزانة العامة، وتم خفض النسبة إلى 10% بالعام التالي، إلى جانب صدور قوانين خاصة تنص على أن تئول إلى الخزانة العامة نسبة من أرصدتها لمرة واحدة، تختلف حسب أرصدتها، تبدأ من 5% وتنتهي بنسبة 15% للأرصدة التي تزيد عن 15 مليون جنيه.
وهكذا أصبحت الموارد من الصناديق والحسابات الخاصة المنتشرة في أنحاء البلاد، بالمدارس والمستشفيات والجامعات والهيئات الخدمية والاقتصادية والمحافظات ومديريات الخدمات بالمحافظات، تشكل رقماً جيداً بموارد الموازنة العامة بلغ 31 مليار جنيه بالعام المالي 2016/ 2017، وظلّ يتزايد حتى بلغ 59 مليار جنيه بالعام المالي 2021/ 2022.
ومنذ سنوات يدور النقاش العام حول ضم تلك الصناديق إلى وزارة المالية، باعتبار تلك الصناديق تفرض رسوماً على المواطنين المتعاملين معها، وتعللت الوزارة بكثرة عدد الموظفين بتلك الصناديق بالمحليات، والبالغ حوالي 260 ألف شخص، لكن السبب الحقيقي هو الضغط من قِبل الوزراء والمحافظين ومديري الخدمات بالمحافظات، الذين يحصول على مبالغ شهرية كبيرة من تلك الصناديق، ما يجعلهم يقاومون أية محاولة للاقتراب من هذا المنجم المالي بالنسبة لهم، خاصة أن الكثيرين منهم يحصلون على مبالغ دورية من عدد من الصناديق.
صناديق حكومية بلا بيانات مالية
سادساً: صندوق تحيا مصر: والذي أنشأه السيسي عام 2014 ليكون وعاءَ تلقّي التبرعات من رجال الأعمال، لتوجيهها للمشروعات الاجتماعية تحت إشرافه المباشر، وتم تكوين مجلس أمناء له يضم شيخ الأزهر والبابا ومحافظ البنك المركزي، ووزراء المالية والتخطيط والاستثمار والصناعة والعدل، وست شخصيات عامة، يعينهم رئيس الجمهورية.
ولم ينشر الصندوق أية ميزانية عن أدائه منذ تأسيسه، إلا أنه ذكر مؤخراً، خلال الشهر الحالي، أن المساهمات التي ضخها الصندوق في مختلف القطاعات منذ تأسيسه حتى الآن بلغت 22 مليار جنيه، منها 11.5 مليار جنيه، توجهت للمجال الصحي و11 مليار جنيه للمجال العمراني، و1.3 مليار جنيه لمجال الحماية الاجتماعية، ومليار جنيه للتدخل في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية و530 مليون جنيه للتعليم، و400 مليون جنيه للتمكين الاقتصادي وفرص العمل و400 مليون جنيه للاستثمارات .
سابعاً: صندوق مصر السيادي: تم إنشاؤه عام 2018 للاستفادة من الأصول المملوكة للدولة التي يتم نقلها إليه بقرار جمهوري، من خلال البيع والتأجير والترخيص بالانتفاع والمشاركة، وقد قام الصندوق بتأسيس خمسة صناديق فرعية هي صندوق للخدمات الصحية والصناعات الدوائية، وآخر للسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار وصندوق للمرافق والبنية الأساسية، وآخر للخدمات المالية والتحول الرقمي، وأخيراً صندوق لإدارة وإعادة هيلكة الأصول والإصدارات المتعددة، والذي يتولى إعداد الشركات المحوله إليه لبيع حصص منها للصناديق السيادية الخليجية.
وكانت هناك تحفظات على الصندوق من قبل الخبراء في أنه يكرر الدور الذي تقوم به وزارة قطاع الأعمال العام، وأنه يحتفظ بحصيلة البيع للشركات والأصول التي يتم نقلها إليه من أراضي الوزارات والشركات، مثل أرض وزارة الداخلية بوسط القاهرة وأرض مقر الحزب الوطني القديم، ومنشآت وزارة التعليم بالسادس من أكتوبر وغيرها، ولم ينشر الصندوق أي ميزانيات عن نشاطه منذ تأسيسه وحتى الآن، رغم أن نشاطه إقليمي ودولي وليس محلياً فقط، وما قام به مؤخراً إسناد عملية تطوير مجمع التحرير لشركة أمريكية إماراتية مشتركة.
صناديق تنشأ بتعليمات شفهية
ثامناً: صناديق متنوعة: تتعدد أشكال الصناديق الأخرى مثل صندوق الوقف الخيري، الذي أنشئ في سبتمبر 2021، وتئول إليه حصيلة صناديق النذور بالمساجد، وصندوق حماية البيئة الذي يقوم بتمويل الأنشطة والدراسات والمشروعات البيئية، وصندوق دعم مشروعات الجمعيات الأهلية، والذي أنشئ بموجب قانون ممارسة العمل الأهلي الصادر عام 2019، وصندوق دعم السياحة والآثار الذي نتج عن دمج ثلاثة صناديق قديمة، في أبريل من العام الماضي، ومؤخراً تم إنشاء صندوق مصر الرقمية تحت إشراف وزارة الاتصالات.
تاسعاً: صناديق مجهولة: أفصح الرئيس المصري مؤخراً، خلال تبريره لتكوين صندوق بهيئة قناة السويس، لقي اعتراضاً شعبياً واسعاً، أنه أنشأ صندوقاً بوزارة الإسكان منذ فترة بلغ حجمه نصف تريليون جنيه حالياً، كما أنشأ صندوقاً بوزارة الصحة بلغت أصوله 70 مليار جنيه، كما ذكر أنه أنشأ بالفعل صندوقاً بهيئة قناة السويس، بلغت أصوله حالياً 70 مليار جنيه، أي قبل صدور قانون بإنشائه.
وجاءت مفاجأة الإعلان عن الصناديق الثلاثة صادمة، حيث لا توجد قرارات جمهورية بإنشائها للتعرف على مصادر أموالها، وسبل توظيفها والجهات المشرفة عليها، وهو ما يشير إلى غياب دور البرلمان تماماً، خاصة أنّ تلك الصناديق تم التعرف عليها عَرَضاً ودون معلومات مسبقة، وربما كانت هناك صناديق أخرى في جهات أخرى لم يتم الإعلان عنها، فما دام السيسي يفكر كذلك، فربما يكون هناك صندوق بوزارة البترول على سبيل المثال.
ورغم أنه لم يتم الإعلان عن مصادر تمويل تلك الصناديق، فإنه يتصور تمويلها من فوائض الجهات التابعة لها من هيئات اقتصادية، حيث تتبع وزارة الإسكان أربع هيئات اقتصادية، أبرزها هيئة المجتمعات العمرانية التي بلغت أرباحها، بالعام المالي 2020/ 2021 نحو 5.2 مليار جنيه، وبالعام المالي السابق 4.8 مليار جنيه، والأمر نفسه لوزارة الصحة التي تتبعها ثلاث هيئات اقتصادية، أبرزها هيئة التأمين الصحي الشامل، والتي بلغت أرباحها 15.1 مليار جنيه بالعام المالي 2020/ 2021، و11.6 مليار بالعام المالي السابق.
وكذلك هيئة قناة السويس التي بلغت أرباحها 47 مليار جنيه بالعام المالي 2020/ 2021، وحوالي 45 مليار جنيه بالعام المالي السابق، ما يحرم الموازنة العامة من تلك الموارد، وهي الموازنة الملزمة، حسب القانون، بمساعدة الهيئات الاقتصادية الخاسرة، وهو ما تخصص له نفقات سنوية بالباب السابع من الاستخدامات، بلغت بالعام المالي الحالي 30 مليار جنيه.
ومن هنا فإن تلك الصناديق الجديدة التي لا تُعطى فوائضها لوزارة المالية، عملاً بالقانون الصادر عام 1973، تزيد من عجز الموازنة، مما لا يمكن الموازنة من تخصيص المبالغ اللازمة للاستثمارات الحكومية، أو للدعم أو لشراء مستلزمات الجهات الحكومية من مستشفيات ومدارس وجامعات وغيرها، ما يقلل من فاعلية الموازنة في تحسين أحوال المواطنين، ويزيد من الديون الحكومية التي تتحمل الأجيال القادمة أعباء سدادها.