من فضل الله على عباده وهو ملك الملوك، أن يجعل الدعاء له والطلب منه عبادة له سبحانه، بل يجعل الإعراض عن الدعاء استكباراً على الله وكفراً، فيقول سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60).

وورد في صحيح البخاري أن ‏حدثنا عبدالله بن يوسف ‏أخبرنا ‏مالك ‏عن ‏ابن شهاب ‏عن ‏‏أبي عبيد ‏مولى ‏ابن أزهر عن ‏‏أبي هريرة ‏‏أنّ رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال: ‏«‏يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل، يقول: دعوت فلم يستجب لي».

ومن فضل الله كذلك أنه سبحانه لم يجعل بينه وبين عباده وساطات ليدعوه عنهم، ولم يجعل بينه وبينهم حجاباً حتى لو كان حبيبه صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، ويقول جل وعلا: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) (الرعد: 14).

الفضائل العشر للدعاء

1- الدعاء هو العبادة، والمسلم مأمور بالعبادة خاصة في الأيام المباركة التي تحمل طابعاً روحانياً خاصاً، عن النعمان بن بشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد).

2-الإعراض عن الدعاء استكبار على الله؛ يقول سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، ومن يستكبر على الله يدخل نفسه في وعيده.

3- يستجيب الله عز وجل للدعاء ما لم يتعجل الإنسان، فعندما كان موسى، وهارون عليهما السلام يدعوان الله سبحانه على فرعون جاء الرد بأن: (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (يونس: 89)، قال ابن كثير: «لم ير موسى الإجابة إلاّ بعد 40 سنة»، هذا نبي الله يدعو وينتظر 40 سنة، فما بالنا لا نصبر أربعة أيام! قال المولى القدير: (لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ) (فصلت: 49)، وورد في صحيح البخاري أن ‏حدثنا ‏عبدالله بن يوسف ‏أخبرنا ‏مالك ‏عن ‏ابن شهاب ‏عن ‏‏أبي عبيد ‏مولى ‏ابن أزهر عن ‏‏أبي هريرة ‏‏أنّ رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال: ‏«‏يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي».

4- الدعاء دون واسطة؛ فمن رحمة الله تعالى أنه لم يجعل بينه وبين عباده وسطاء، بل لقد قال سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). ويقول جل وعلا: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ)، فلتلجأ له وحده سبحانه ولتدعُه بأسمائه الحسنى، كما قال جل وعلا: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأعراف: 180).

5- الدعاء بالبر والخير والمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف: 55)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المَشْرُوعُ للإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة؛ فإن الدُّعَاءَ من أفضل العبادات، وقد نَهَانَا الله عن الاِعْتِدَاءِ فيه، فينبغي لنا أن نَتَبِعَ ما شُرِّعَ وسُنَّ، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات».

6- الدعاء يرفع البلاء المقدر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدْرٍ، والدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ ومِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وإنَّ البَلاَء َلَيَنْزِل، فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ» (صحيح الجامع)، قال ابن القيم: «الدُّعَاءُ من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يُدَافِعُهُ ويُعَالِجُهُ ويَمْنَعَ نُزُولُهُ ويَرْفَعُهُ أو يُخَفِفُهُ إذا نَزَلَ، وهو سِلاَحُ المؤمن»، وقد رزق الله عز وجل زكريا عليه السلام بما هو مستحيل بالدعاء، قال سبحانه: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) (آل عمران: 38)، وقال: (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (الأنبياء: 76).

7- الدعاء امتثال لأمر الله تعالى؛ فالداعي ممتثل لأمر الله؛ إذ قال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

8- الدعاء سبب لانشراح الصدر، وفي الدعاء دواء وبلسم شافٍ لأدواء الصدور من الهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر؛ وهناك بعض الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ المعينة على انشراح الصدور وزوال أحزانها.

9- الدعاء سبب للثبات والنصر؛ قال الله تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 250)، فكان عندها النصر والظفر: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) (البقرة: 251).

10- الدعاء سلاح المظلومين، ومفزع المكسورين، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (رواه البخاري، ومسلم).

تلك أهمية الدعاء وآثاره الإيجابية، فلنتأسَّ بسيد الخلق ونمتثل لإرادة الله منا، وإليكم جملة من دعاء الأنبياء لعلنا نتعلم منهم ونسترشد بهم:

– دعاء نبي الله نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا) (نوح: 28).

– دُعَاءُ نبي الله مُوسَى عَلَيْهِ اَلْسَّلاَمُ: (فَخَـرَجَ مِنْهَا خَائِفًـا يَتَرَقَّـبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَـوْمِ الظَّالِمِيـنَ) (القصص: 21).

– دعوة نبي الله يونس عليه السلام: قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {87} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء).

– دُعَاءُ نبي الله أيِّوُبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: قال تعالى: (وَأيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّـرُّ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء: 83).

– دعاء نبي الله لوط عليه السلام: (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) (العنكبوت: 30).

– دعاء نبي الله سليمان عليه السلام: (رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأنْ أعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل: 19).

– دعاء نبي الله يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: 101).

– دعاء نبي الله زكريا عليه السلام: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران: 38).

– من دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إنَّكَ أنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الممتحنة: 5)، (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء {40} رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم).