https://ikhwanonline.com/article/266140
الأربعاء ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ - 21 مايو 2025 م - الساعة 02:57 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
قضايا اجتماعية

كيف نحقق التعاطف بيننا؟!

كيف نحقق التعاطف بيننا؟!
السبت 10 مايو 2025 01:28 م
بقلم: جمال ماضي
الصورة غير متاحة

جمال ماضي

 أو بمعنى آخر ماذا يحتاج الإنسان من التعاطف؟! كل إنسان يحتاج أولاً إلى إدراك مشاعره، ولو بهذه العبارة (أراك منزعجًا)، ويحتاج ثانيًا إلى تفهُّم مشاعره دون الحكم عليه ولو بهذه العبارة: (أدرك أن الأمر مزعج لك)، ويحتاج ثالثًا إلى تعاطف مع مشاعره ومساعدته ولو بهذه العبارة: (أفهم ما تشعر به فقد مررت به)، فمنطلق التعاطف حيث تتحقق هذه الأجواء اللطيفة: لا قلق، لا حزن، لا خوف، لا نفسيات منخفضة، لا انفعالات، لا اضطراب.

 

وبأسلوب المخالفة: إذا أردت أن تُزعج الآخرين ولا يتعاطف معك أحد ولا تتعاطف مع أحد، فافعل الآتي:

1- تجاهل مشاعره: فإذا قابلت إنسانًا حزينًا، قل له: لماذا العبوس؟! يا هذا ابتسم، فإن ذلك يزيده عبوسًا وحزنًا.

 

2- أخبره أن مشاعره غير طبيعية: حتى ولو بنية التخفيف عنه، فقل له: أنت حساس زيادة عن اللزوم، فإن ذلك يزعجه لأنه اتهام له في الحقيقة.

 

3- علِّمه كيف يشعر: بل يجب عليك أن تعلِّمه حتى تتأكَّد من إزعاجه، فقل له: لماذا تقوم بهذا العمل؟! أنا لا أرى فيه شيئًا يستحق الإعجاب!! ففي ذلك اعتداء على شخصه واستقلاليته واختياره.

 

التعبير عن المشاعر غير الحكم بالمشاعر

شتَّان بين العبارتين!! فكل واحدة منهما تحمل معنى غير الثاني تمامًا؛ فالتعبير يريح الآخرين، أما الحكم فإنه يزعجهم ويقلقهم ويستفزّهم، ونعطي في ذلك مثالاً قد نمارسه بعفويَّة دون أن ندري أثره القاتل لدى الآخرين، فحينما يحكم أحدنا على أحد يقول: "أنت لا تحترمني"، فهي تستفزُّ الآخر، ويبدأ في الدفاع عن نفسه، أما إذا عبَّر أحدنا عن مشاعره فقال: "أنا أشعر بعدم الاحترام عند هذا التصرف معي"، فإن ذلك يجعله يتأسَّف ويعتذر، ويمتد التواصل ولا ينقطع.

 

ولذلك كلما كان الإنسان مستقرًّا عاطفيًّا استطاع أن يعبر عن مشاعره، ولا يحكم على الآخرين، بل إنه يتعاطف مع غيره ولو لم يفصح بالكلام، ويتعاطف معه غيره ولو لم يتكلم، أي ما يسمَّى بقراءة المشاعر من تعابير الوجوه، فقد قالها الأعرابي حينما أفصح عن سرِّ إسلامه لما رأى وجه النبي- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: ليس هذا بوجه كاذب، إني أرى الصدق في وجهه!.

 

وقد أجريت حديثًا عدة تجارب تؤكد هذه الحقيقة، منها: تم عرض شريط فيديو لمدة 45 دقيقةً لحركات أشخاص وتعابير وجوههم في حالات شعورية مختلفة، وطلب من 700 مشارك من 18 دولة أن يحدِّدوا الحالة الشعورية من خلال قراءة لغة الوجوه، فتبيَّن أن المشاركين الأكثر استقرارًا في حياتهم العاطفية ونجاحًا في تعاطفهم مع الآخرين، هم الذين حقَّقوا أعلى نسبة في القراءة الصحيحة لحركات وتعابير الآخرين.

 

وفي تجربة أخرى حيث كان يمتلك النساء شعورًا قويًّا بأنهن يحصلن دائمًا على أقل درجات من الرجال، أُجرِيَ اختبارٌ بين مجموعة من تلك النساء وأخرى جديدة، ولم يخبرن بهذا الشعور من قبل، فإذا باللاتي لم يخبرن تساوت درجاتهن مع الرجال أو زادت عند بعضهن، والسبب في ذلك أن الحكم المسبق من مشاعرهن قادهن إلى سلوك يوافق المشاعر المنخفضة.

 

وبالعكس اصطحاب مشاعر إيجابية يسوقها إلى النجاح في أعمال درجت على الفشل أو عدم التفوق فيها، فقد أخبر أحد المديرين ثلاثة مدرسين بأنهم اختيروا لتميُّزهم لتدريب ثلاثين طالبًا اختيروا أيضًا لتميُّزهم، فكانت النتائج باهرة، وما كان من المدير إلا أن أخبرهم بعد تكريمهم بأن الاختيار كان عشوائيًّا بالنسبة للمدرسين والطلاب، وكان السرّ في النتائج الباهرة هذه المشاعر الإيجابية التي عمل بها المدرسون والطلاب.

 

حتى مقاومة الجسد للأمراض ثبت بالدراسات التجريبية أن مَن يتعامل بالتعاطف والمشاعر أقوى ممن لا يتعامل بها في صحته وعافيته؛ لأن من لا يتعامل بالتعاطف يحيط نفسه بضغوط من التسلط وتجاهل الآخرين، وكبت مشاعره، وما يصاحب ذلك من انفعالات شتى هو في غنى عنها إن تعامل بالتعاطف، وصدق الله العظيم وهو يقول للنبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، فماذا ننتظر؟ وما الذي يؤخرنا عن التعاطف؟! أو بصيغة أخرى للسؤال: مم نخاف حتى لا نتعاطف؟! ما رأيت إجابةً شافيةً على تساؤلنا إلا في قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيث حَسَن).

 

فعلمت وفهمت وأيقنت أنها تخوفاتنا السبعة، التي تجعلنا متسرِّعين متعجِّلين، ولا نتعاطف أو نفكر أصلاً في التعاطف، مع أن التعامل الإيجابي معها يدفعنا إلى التعامل بالمشاعر والتعاطف، هذه السبع هي: الخوف من الفقر، والخوف من فقدان المال والغنى، والخوف من المرض، والخوف من الشيخوخة، والخوف من الموت، والخوف من الدجال، والخوف من الساعة.

 

 فإما هذه التخوفات تؤخرنا عن التعاطف؛ بالحرص على الدنيا والطمع فيها، والاستجابة لرغائب النفس واتباع الهوى، وإما بالمبادرة بالأعمال الصالحة وأعظمها: التعاطف مع الآخَرين، فإما المبادرة وإما الخسارة، فماذا ننتظر ولا شيء يؤخرنا عن التعاطف؟!

------------