عندما كنت صغيرًا كنت أرى الممثلين في التلفزيون يدخنون السجائر فكنت أتساءل كيف يمثلون التدخين؟!
أو ما هي الخدع السينمائية التي يستخدمونها لكي نرى أنهم يدخنون وهم لا يدخنون؟! التدخين كان بالنسبة لي من الأشياء التي أعتبر أن من المستحيل أن يقدم على أحد وبعد سنين أصبحت أتساءل عن الأشياء الأخرى التي تحدث على الشاشات وكنت أصعق عند رؤيتها.

 

وكنت أتساءل أيضًا عن هذه الأمور أهي حقيقة أم تمثيل؟! فهم بالتأكيد يمثلون، إنهم مبدعون في تلك الخدع السينمائية !أتعرفون لماذا كنت أتعجب من تلك الأمور وأقنع نفسي، بل وأخدع نفسي بتلك الأفكار الواهية؛ لأن عقلي كان رافضًا بكل قوة فكرة أن أي إنسان عاقل يمكنه فعل مثل هذه الأشياء.

 

ولأن المجتمع من حولي لم تكن منتشرة به تلك الأشياء بمثل هذه الكثافة، ولكن سريعًا ما انتقلت تلك الأمور إلى الشارع، فأصبح من النادر أن تسير في شارع لا تجد به عدد كبير من المدخنين وعدد أكبر من المعاكسات و..... إلخ.

 

فالأمر في البداية كان غريبًا علينا أن نشاهده في التليفزيون، ثم أصبح طبيعيًّا، ثم وجد في واقعنا المجتمعي ولكن بشكل بسيط يستغربه الناس، ثم أصبح طبيعيًّا، فالمجتمعات تخطو خطوات مسرعة نحو التطور والحضارة، ونحن نحسب أن هذا هو التطور والحضارة، وإن تكلم أحد عن تلك الأمور تسمع الصراخ من أعلى الأبواق: إنها حرية الإبداع، حرية الفن، حرية المرأة، (نعم، أن تخرج علينا المرأة بثياب لا تذكر هذه هي الحرية).ومن الغريب أيضًا أن تسمع أولئك الأشخاص الذين يتكلمون عن الحرية- بهذا الشكل- هم من يطالبوننا بإيجاد حلول للمشاكل مثل "التحرش" وخلافه وإيجاد حياة آمنة للمرأة، ألا يعلمون أن ما يدعون إليه هو جزء كبير من المشكلة، أفلا يعقلون؟

 

وعلى الجهة الأخرى من التليفزيون وعلى ما يسمى بالقنوات الدينية لا نلبث أن نسمع لأحد المشايخ فترة وجيزة حتى يخرجونا من الجو الإيماني إلى إعلانات، النصف منها يدعو إلى "بيع بطاطين وأطباق" وخلافه، والنصف الآخر: إعلانات لشيوخ تدعو إلى رحلات عمرة أو حج لإحدى الشركات السياحية بصحبتهم، فهل يعقل هذا؟! أهذه هي القنوات الدينية التي نحتاج إليها ويحتاج إليها مجتمعنا؟! والبعض يرد ويقول لابد من تلك الإعلانات حتى تُعَوضْ أجور القناة، فأرد: ولماذا يتقاضى الشيوخ مثل هذه الأموال، أأصبحت "المشيخة" مهنة ربحية؟! أو ليس من المفروض أن صاحب القناة وأولئك الشيوخ يعملون لوجه الله وليس لغرض ربحي؟

 

وإذا رزقك الله بقناة دينية لا يوجد بها إعلانات- وهذا ليس بكثير- تجد (الشيخ) ينتقل بك من الكلام الإيماني إلى السياسة! وهو لا يعرف أننا لم نحضر إلى هنا لكي نسمع كلامًا سياسيًّا، فالقنوات السياسية موجودة وبكثرة ولو نريدها لذهبنا إليها، إنما جئنا إلى هنا هربًا من السياسة التي تحيط بنا في كل وقت وفي كل مكان، جئنا إلى هنا لأننا نبحث عن بديل لتلك القنوات، بديل يقربنا من الله.

 

نحن للأسف لسنا مستعمرين بقوة السلاح لكننا كما قال بعض الحكماء "لدينا قابلية للاستعمار" فلماذا يحتاجون لاستعمارنا ودفع مزيد من الأموال والأرواح في حين أننا ننفذ لهم ما يريدون: نفسد شبابنا، ونضيع أوقاتنا، ونترك ديننا، ونعتمد عليهم في رزقنا، ونمدهم بما يحتاجونه منا.

 

أتدرون لو أنهم أجبرونا على تلك الأمور لكان أهون علينا، لكنا وجدنا على الأقل ما نقوله لله عندما نقابله، نقول له حينها أننا كنا مستضعفين، لكن يا ترى إذا قابلنا الله الآن ماذا سنقول له؟! لابد أن نقول له أننا بالفعل كنا مستعمرين، "مستعمرين تلفزيونيًّا وفكريًّا"، فوالله لو قمنا باستغلال الأوقات التي نضيعها أمام التلفزيون وتركنا تلك الأفكار التي تبث لنا من خلاله، أو قمنا باستغلاله استغلالاً صحيحًا وليس مجرد استغلالاً "ربحيًّا" لكنا أكثر من ذلك نهضة وتقدمًا وحضارة، فلابد لنا أن نتحرر من "الاستعمار.. التليفزيوني".

-----------------

* طالب بالصف الأول الثانوي- بمدارس دار حراء بأسيوط