يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا": "إن الأمم و الرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة ، و الثروات المنشورة ، و لكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها ، و القلوب الكبيرة التي ترعاها ، و العزائم القوية التي تنفذها ؛ إنها تحتاج إلى الرجال ، فالرجل الكفء الصالح هو إكسير الحياة ، و روح النهضات ، وعماد الرسالات ، ومحور الإصلاح ؛ أعِدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة فلن تقتل الأسلحةُ إلا بالرجل المحارب ِ، صُغْ ما شئت من القوانين واللوائح فستظل حبرًا على ورق ما لم تجد الرجل الذي ينفذها ، وضَعْ ما شئت من مناهجَ للتعليم والتربية فلن يغنى المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه ، وأَنشِئْ ما شئتَ من لجان فلن تنجز مشروعًا إذا حُرمت الرجل الغيور !

الرجل أعز من كل معدن نفيس ، وأغلى من كل جوهر ثمين ؛ و لذلك كان وجوده عزيزاً في دنيا الناس ؛ حتى قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : " إنها الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة " " .

و أحسب أن من هؤلاء الرجال _ ولا أُزكي على الله أحدًا _ أخي الحبيب الداعية الشهيد _بإذن الله_ الأستاذ سعيد الجزار ، فهو من ذلك الطراز الفريد من الرجال ، فكان _رحمه الله_ صاحب همة عالية ، و روح وثابة ، وعقل متقد، و فكر واع ، وفهم صحيح ؛ إذا سمع النداء لبى وأجاب ، وما تردد و لا تكاسل و لا تهاون ، و لا يكترث بكثرة العوائق .

و كان _رحمه الله_ صاحب قوة نفسية عالية حملته على معالي الأمور ، وأبعدته عن سفسافها ، فلم ُيرِد الدنيا و لم تُرِدْه ، فلم يكن متطلعاً للمزيد في شيء إلا في العلم والصلاح ؛ قوة حملته على أن يعطي قبل أن يأخذ ، و أن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه ، فكان يعرف واجبه نحو ربه ، و بيته ، و إخوانه ، و ، دينه ، و أمته ، فضرب _رحمه الله_ في علو الهمة و الرجولة الحقة أروع الأمثلة ، وأجمل الصور.

فمن هو هذا الرجل الذي حلقت به همته للمعالي ؟ و قاده كنز طموحه إلى النجاح والعطاء لوطنه ولدينه ؟ و صدّق بما في القرآن من وعْدٍ فَصَدَقَ اللَّهَ فصدقه اللهُ ؟ .

المولد والنشأة:

ولد الداعية الشهيد : سعيد سيد محمد سيد الجزار _رحمه الله_ في 16 أبريل سنة 1971م بعزبة عثمان بشبرا الخيمة ؛ التابعة لمحافظة القليوبية ؛ في بيت محب للدين ، وهو الابن الثالث لأبيه الذي رزق بثمانية أبناء : أربعة ذكور، وأربع نساء.

تعليمه و مؤهلاته و جهوده العلمية:

برز الداعية الشهيد سعيد الجزار بين أقرانه في مراحل التعليم المختلفة ، و كان صاحب مواهب متعددة رغم ضيق ذات اليد ، وكان _رحمه الله_ يعمل في العطلات الصيفية للإنفاق على نفسه ومساعدة والده ، فكان من ذلك عمله في مصانع النسيج التي كانت تشتهر بها مدينة شبرا الخيمة ؛ إلى أن حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس ، و عمل في أثناء دراسته الجامعية في مركز الدراسات العربية و الإسلامية بدار هَجر بالقاهرة ، و أصبح لديه رصيداً هائلاً ، و حظاً وافراً من العلوم الشرعية و اللغوية ، و فاق أقرانه حتى أثنى عليه العلامة المحقق الأستاذ الدكتور محمود محمد الطناحي _رحمه الله_ و اشترك في دار هَجر في تحقيق العديد من كتب التراث ؛ مثل كتاب: " البداية والنهاية لابن كثير " ، و تفسير الطبري المُسمى " جامع البيان في تأويل آي القرآن " .

التحق بعد تخرجه للعمل مدرساً للغة العربية بوزارة التربية و التعليم ؛ غير أن عشقه لكتب التراث ولقاءاته بأهل العلم و المعرفة ، و خاصة أهل التراث و أهل التحقيق جعلته لا يترك هذا المجال حتى استشهاده _رحمه الله_ ، و تعامل _رحمه الله_ مع العديد من دور النشر مثل : مكتبة " وهبة " للطباعة و النشر ، و دار " البشير " للنشر و التوزيع ، و مما لا يعرفه الكثير أن له جهداً كبيراً في إخراج الكثير من المؤلفات لعدد لا بأس به من العلماء البارزين على الساحة الآن ، و ترك _رحمه الله_ عددا من المؤلفات امتازت بوضوح العبارة ، فله كتاب : " الدعاء جماع الخير " ، و " الداعية المغير و الخطيب المؤثر " ، و " ما ينفع الميت من أعمال بعد الموت " ، و كان _رحمه الله_ عذبَ الحديث مؤنسًا في حواره ؛ إذا تحدث سحر الحاضرين بأسلوبه و عذوبة حديثه ، فهو يأسرك بحسن الحديث و جمال الأسلوب ؛ كما كان فصيح اللسان ، و لغته واضحة و جميلة ، و لم أزُرْهُ يومًا إلا و أخرجُ بمعلومات و قصص و نوادر و طرائف و حكايات و مواقف ، فحديثه ممتع جدًا ، و لا يمل السامع منه .

زواجه:

تزوج الداعية الشهيد سعيد الجزار _رحمه الله_ من رفيقة دربه و جهاده : الأخت " أم دعاء " _ثبَّتها الله على الحق_ في 2 أغسطس سنة 2001 ، و رزقهما الله بإبنتين : "دعاء " ست سنوات ، و " سهيلة " أربع سنوات ، بعد صبره _رحمه الله_ لعدة سنوات على بلاء عدم الإنجاب ، فبارك الله فيهما جميعًا ، و نسأل الله _سبحانه_ أن يكونوا خير خلف لخير سلف .

 

جهوده الدعوية:

 

تعرَّف الداعية الشهيد سعيد الجزار على دعوة الإخوان المسلمين منذ أن كان طالبًا في المرحلة الثانوية، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل ليلَ نهارَ لدين الله عز وجل، لا يكل ولا يمل ولا يتكاسل، ويصول ويجول في كل ميدان، وهو صاحب إصرار وهمة ودأب وصلابة في قول الحق وإخلاص في أداء العمل، وهو من قيادات وأحد رموز الإخوان المسلمين في شبرا الخيمة، وقد فتح الله وأجرى على يديه الخير الكثير، وتربَّى على يديه الكثير من الإخوان المسلمين، وكان دائم الحركة بين إخوانه وجيرانه، في أفراحهم وأتراحهم، وكان رحمه الله محبوبًا وقريبًا من الجميع؛ حتى لقبه إخوانه بأبي الشباب، ولقد كان- رحمه الله- نموذجَ الرجولة الحقة والعطاء لدعوة الله عز وجل.

وكان للداعية الشهيد - رحمه الله - جهدٌ مشكور في كل ميادين الدعوة ففاق أقرانه، وكان هو المحرك والمرشد والمخطط لمعظم لجان العمل الدعوي؛ فهو صاحب بصمة واضحة على كل لجنة دعوية يتولى مسئوليتها وخاصة لجان نشر الدعوة والتربية، والدعوة الفردية، وهو منشئُ وراعي مسابقة القرآن الكريم السنوية بشبرا الخيمة، وكان- رحمه الله- خطيبًا مفوهًا، يشهد بذلك كل مَن استمع إلى خطبه ودروسه.

وكان من آخر أعماله قبل اعتصام رابعة مباشرة وكان يتولى مسئولية لجنة التربية في منطقة شبرا الخيمة، وعضو مجلسها الإداري بأن قام بإعداد وتنظيم معسكر تربوي لكل المستويات التربوية في شبرا الخيمة، تحت عنوان: "جدد العهد وجنبني الكلام إنما الإسلام دين العاملين "، وكان من أفضل وأحسن وأثمر المعسكرات بشهادة الكثير ممن حضرهذا المعسكر .

واعتقل الداعية الشهيد سعيد الجزار مرات كثيرة في سبيل الله، فصبر واحتسب، وما لانت له قناة، وكان من أوائل من غُيِّبُوا خلفَ الأسوار أثناء انتخابات مجلس الشعب سنة 2000 م وكان مرشحَ الدائرة هو الشهيد الدكتور حسين الدرج رحمه الله، وبلغ الاعتقال في ذلك الوقت مداه؛ حيث طال كلَّ مَن يمُتُّ للدكتور حسين- رحمه الله- بأية صلة؛ حيث لم تشهد دائرة في مصر حُبًّا لأحد المرشحين كحب جماهير دائرة شبرا الخيمة بكل طوائفها للدكتور حسين- رحمه الله- إلا أن الظالمين رأوا غير ذلك، بعد أن تأكدوا أن كل هذه الجماهير ما خرجت إلا من أجل الدكتور حسين-رحمه الله- فزوَّرُوا النتائجَ، ومنعوا الناسَ من الوصول إلى لجان الاقتراع، وحُوصِرَت شبرا الخيمة.

وكان للداعية الشهيد سعيد الجزار جهد مشكور مع إخوانه، ساهم في وصول المجاهد الكبير الدكتور محمد البلتاجي؛ صاحب الوجه البسوم، والقلب الجسور، والإرادة الحديدية، والنفس الأبية -فك الله أسره هو وجميع إخوانه- إلى عضوية مجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة أول سنة 2005 حيث كان يتولى مسئولية الحملة الدِّعائية، وأبدع في ابتكار أساليب دِعائية انتخابية جديدة.

وكان للداعية الشهيد رحمه الله كلمة يومية يكتبها لشبكة نبض الإخوان تحت عنوان: "في الصميم"

قالوا عنه:

-تحدث العلامة الدكتور/ منير جمعة الأستاذ بكلية الآداب بجامعة المنوفية، وعضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين على قبره قائلاً: "عرفته منذ أكثر من ربع قرن، ما عرفت فيه إلا الهمة الصادقة والعزيمة المخلصة لدين الله سبحانه وتعالى، عرفته رجلا عاش رجلا، ومات بطلا، فمن اختار طريقا يسره الله له، من عاش لشيء مات عليه، من حسنت بدايته أحسن الله خاتمته، فالشيخ سعيد الجزار مثال والله، وحُقَّ لهذه القرية أن تفخر به رجل دعوة، رجلا صادقا ينشر الكلمة الصادقة والدعوة المخلصة إلى الله، سواء كان بالخطابة أو بالكتابة، لا ينشر إلا الخير ولا يدعو إلا إلى المعروف، عرفناه -والله حسيبه والله شهيد على ما أقول ما عرفته إلا- رجلَ المواقف رجلَ الصدق رجلَ الحق، وهذه شهادة وهو في عالم الغيب، على مثل هذا فلْتبكِ البواكي؛ لأن البشرية كلها فقدت رجلا شريفا، مخلصا حرا، عالما مثقفا، وطنيا صادقا، حينما علم بهذه المجزرة الإجرامية قال لزوجته -كما أخبرت زوجته قال- هذا وقت الأفعال لا وقت الأقوال، وخرج مسرعا على الفور، وعلى الرغم من أن مئات الآلاف لم يستطيعوا أن يدخلوا رابعة إلا أن الله يسر له؛ لأن الله علم ما في قلبه؛ يسر له لتكون هذه النهاية المشرقة العظيمة، فاختار الله له أن يموت الميتة الشريفة، ومن عاش عيشة شريفة اختار الله له ميتة شريفة، هذا الداعية الذي لم يكن مشهورا، لكنه كان عظيما، لا يضره أن كثيرا من الناس لا يعرفه إذا كان الله يعرفه، وأنا واثق أنه الآن في رضوان الله، لا أَتَألَّ على الله، ولكن مسيرة حياته تقول: هذا كان رجل المساجد، رجل الدعوة، رجل الدين، يقف في كل موطن، كما اعتقل مرات كثيرة في سبيل الله فصبر واحتسب، وما لانت له قناة وما ضعف في موطن صدق، ولا في موطن حق، وحينما سمعت الخبر قلت: والله هذا أعظم مصيبة لي منذ أن خلقني الله، منذ أن أوجدني الله على الأرض، وأنا أسمع عن المصائب، لكن هذه أعظم مصيبة مرت بي في حياتي؛ لأني لم أجد مثله، ما رأت عيناي مثله في تفانيه، وفي إخلاصه لدين..

الله سبحانه وتعالى، نحتسبه عند الله شهيدا، ونرجو إن شاء الله أن نكون على دربه سائرين، وأقول له: أخي سعيد، صدقت فصدقك الله، عشت حميدا، ومت شهيدا، أنت سعيد اسما ومعنى، اسما ومسمى، وإن شاء الله تكون مع السعداء في الآخرة .

- ويقول الأستاذ عبدالعزيز مجاور أحد رفقاء درب الشهيد:

من الصعب أن تتحدث عن شخص رافقته في محن ومنح بصيغة كان، ولكنها سنة الحياة أحبب من شئت فإنك مفارقه وقد شاركت الشهيد سعيد الجزار في فترة شبابه ثم في فترة اعتقاله في أكتوبر عام 2000 وأخيراً جاورته في اعتصام رابعة العدوية ورأيته قبل استشهاده بنصف ساعة تقريباً

1) فترة الشباب

عندما تعرف الأخ سعيد الجزار على دعوة الإخوان كان كثير النشاط سريع البديهة وقوي الذاكرة والحفظ، لذا فقد بدأ نشاطه الدعوي في تربية النشىء في مسجد الرحمن بشبرا الخيمة، وقد لاحظ في نفسه سرعة الحفظ فبدأ يحفظ بعض كتب الجاحظ وكتب النوادر التي كان يلقى بها على أسماع من يلقاه فيدخل البسمة والسعادة إلى قلوبهم واشتهر وهو في بداية الجامعة بذلك، فهو يحكي وكأنه يقرأ من الكتاب، ثم وقف مع نفسه وقال كيف يرزقني الله ملكة الحفظ ولا استعملها في حفظ كتابه لذا قرر حفظ القرآن في شهر واحد وكان شهر رمضان اعتكف على حفظ جزء كل يوم في عزيمة وإصرار وبالفعل خرج من هذا الشهر حافظأ للقرأن ومن يومها توقف عن إلقاء النوادر إلا إذا ألح عليه أصدقاءه في بعض المناسبات.

فترة الاعتقال

على إثر تقدم الدكتور حسين الدرج (رحمه الله) للترشح لإنتخابات مجلس الشعب بدأت حملات اعتقال لشباب شبرا الخيمة فتم اعتقال الأستاذ سعيد رحمه الله في بداية أكتوبر عام 2000 وجتى نهاية ديسمبر من ذات العام، وقدر الله أن اصحبه في هذه المحنة من لحظة الإعتقال إلى الخروج فكنت رفيقه في الزنزانة لمدة شهرين، فما رأيت منه سوى التسليم الكامل والإستبشار بكل حدث والثقة في الله التي ليس لها حدود، وكان إماماً لنا في كثير من الصلوات ودائماً ما يقنت بدعاء مؤثر يهز القلوب، وفي هذه المحنة كان كعادته لا يتحدث كثيراً ولكنه إذا تحدث جذب القلوب بلغته القوية وأسلوبه الذي يتسم بالجدية.

3) اعتصام رابعة

رغم نقل السكن والبعد الجغرافي بعد ذلك فقد كنت حريصاً على متابعة كلماته القوية والتربوية عبر شبكة نبض، حتى التقينا في خيمة الاعتصام ودار بيني وبينه حديث فقد كان رحمه الله يلوم على بعض أفراد الدعوة الإسلامية بعدم مواجهة الناس بالحق الذي بين أيديهم، وقال كيف لا يخجل أصحاب الباطل من باطلهم ونحن ندعو إلى الحق في استحياء، وفي يوم فض الاعتصام كان في عمله وجاء إلى ميدان رابعه وهو مغلق من كل الإتجاهات والناس واقفة من الصباح تريد أن تدخل لتوقف المذبحة ولم يتمكنوا فإذ به يدخل الساحة وفي يده عده علب من مشروب الكولا والذي يستخدم لحماية العين من القنابل المسيلة للدموع فقلت له كيف دخلت فرد بإجابة واحدة من يريد الدخول سوف يدخل، وقد استغربت دخوله لصعوبته ثم لأن المجزرة والإبادة كانت ظاهرة على شاشات الفضائيات وكل داخل يعلم أنه مفقود لا محالة ولكنه طلب الشهادة بصدق فنالها بعد دخوله بوقت قليل.

رحم الله أخي سعيد الجزار واسكنه فسيح جناته وتقبله في الشهداء.

 ويقول الدكتور عبدالرحمن يوسف أحد رفقاء الشهيد :

صاحب القلب الرقيق سعيد الجزار الذى كان يعرف نفسه باسما ويقول كم أنا سعيد سعيد الجزار بلقائكم عرفته منذ عام 89 وكان وقتها منتسبا لكليه هندسة المنيا وكان شغوفا

للغة العربية والملح والنوادر وكان دائما يروح عن قلوبنا ببعض هذه النوادر التى كان يطالعها ويحفظها من كتاب المستطرف للأبشيهى ولما علمت منه أن له هذه الحافظة قلت

له :لماذا يا أخ سعيد لاتستثمر هذه الحافظة فى حفظ القرآن الكريم ودارت بنا الأيام وبعدها بسنوات انتسب سعيد لكلية الآداب قسم اللغة العربية فأبدع وتفوق وعمل بدار تحقيق

التراث ثم مصححا لغويا ومراجعا للسياقات اللغوية وكان يراجع مؤلفات لكبار علماء الأزهر وفاجئنى سعيد ذات مرة قائلا : تتذكر كلماتك لى لماذا يا أخ سعيد لاتستثمر هذه

الحافظة فى حفظ القرآن الكريم . .. قلت له : أما زلت تتذكر . فقال : نعم وقد أثرت فى كلماتك وقرر سعيد أن يحفظ القرآن الكريم وتمكن من استرجاع ما كان

يحفظ فى كتاب الشيخ محمدى قديما ثم أتم حفظ القرآن وتحقق له ذلك فى شهرين .. الله أكبر لقد فعلها سعيد هكذا قلت فى نفسي وحقق تجربة فريدة فى حفظ القرآن وقد

قارب سنه الأربعين ونحن حفظنا القرآن صغارا وأتممناه فى سن الحادية عشرة لكن لنا جميعا ذكريات شديدة مع حفظ الكتاتيب وطريقة الحفظ . وأردف سعيد حفظه للقرآن

بصلاة التروايح إماما للمسلمين . لقد كان سعيد الجزار مدرسا متفردا للغة العربية فهو محب لها عاشق لتراثها ولم تشغله الدروس الخصوصية فلم يكن يعطى دروسا

خصوصية كحال معظم المدرسين فى هذا الزمان لكنه كان يشارك فى المراجعات النهائية التى يتطوع بها مع مجموعة من المدرسين ويشرف هو بنفسه عليها ضمن أنشطة

الإخوان فى المنطقة .ومن عشقه للغة العربية أنه كان دائما ما يتحدث بها وذات مرة ذهب إلى بائع وقال له أعطنى كذا وكذا متحدثا بالفصحى فقال له البائع كلمنى عربى الله

يخليك وفى الخطابة تجلت منقبة أخرى لأخى سعيد الجزار ليمتع جمهورا عزيزا من المسلمين بخطبه ومحاضراته فكان فارسا متميزا أحبه الجميع وأثنى عليه العلماء .

الاكتشاف لأخير لسعيد الجزار هو مشاركته فى شبكة نبض الإخوان فكان مبدعا من خلالها لدى قطاع واسع من محبيه ومن تأثروا به فى عالم النت وأخيرا ترجل هذا الفارس

المربي من كان بينه وبين ربه سرا فاستجاب دعاءه وحقق رجاءه كان سعيد الجزار على موعد مع الشهادة فى فض اعتصام رابع العدوية نال الشهادة راغبا مقبلا غير مدبر

نالها فى ميدان الشرف والتضحية .لم يبحث سعيد الجزار فى هذه الدنيا عن المناصب فاختار الله تعالى له منازل الصديقين الأبرار نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على

الله تعالى أحدا نسأل الله تعالى رفقة أخينا سعيد الشهيد السعيد فى الجنة مع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 من أقواله رحمه الله :

- كان آخر ما كتبه الداعية الشهيد سعيد الجزار "من فاتته الشهادة في مجزرة الحرس الجمهوري، ومجزرة النصب التذكاري يتلهف للشهادة الآن .. الصغار قبل الكبار ... والله أكبر ولله الحمد"

- لا يشغلني حقًّا متى يكون النصر ولا على أي هيئة يأتي، وإنما يشغلني ثباتي على الحق حتى ألقى ربي ، وصبري عليه حتى ألقى حبيبي صلى الله عليه وسلم على الحوض.

- تدبر

" لا تسمع فيها لاغية " [ الغاشية : 11 ]

" لا لغو فيها ولا تأثيم " [ الطور : 23 ]

" لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا " [ الواقعة :25 ]

" لا يسمعون فيها لغوًا ولا كذابًا " [ النبأ : 35]

" لا يسمعون فيها لغوًا إلا سلامًا " [ مريم : 62 ]

بعد ما سمعت لغو الإعلام وباطله وكذبه وتحريفه وتزييفه ، وكل هذا من صور الأذى والعذاب في الدنيا فهمت هذه الآيات ، وازداد يقيني بأن أعظم صور النعيم في الجنة ألا تسمع فيها لغوًا أو باطلاً أو كذبًا أو شتمًا أو طعنًا أو تأثيمًا ، إنما هو الكلم الطيب ، والسلام ..

- أعمق ما في دعوتنا الإيمان، وأرسخ ما فيها الثقة، وأعظم ما فيها التضحية، وأجمل ما فيها الحب، وأرقى ما فيها الفهم، وأبقى ما فيها العطاء، وأندى ما فيها الوفاء، وأتم ما فيها البناء، وأوسع ما فيها الأمل، وأثمر ما فيها العمل.

- لقاء الأسرة الدعوية .. والحاجة إليه

الأسرة: ظل وارف، وشعاع أمل، ومركز علم، ومنبع خير، ومصدر طاقة، ومشعل ضياء، ومنبت فضيلة، ومبعث حركة.

الأسرة: هي الواحة في الهجير، يجتمع فيها العاملون لله؛ ليجددوا إيمانهم، ويقووا ضعفهم، ويجبروا كسرهم، ويصححوا مسارهم.

" وحضور جلستنا " من الواجبات العشر التي يتوارثها الإخوان، وٍسأذكر الواجبات للذكرى :

1 ـ حمل شارتنا 2ـ وحفظ عقيدتنا 3 ـ وقراءة وظيفتنا

4 ـ وحضور جلستنا 5 ـ وإجابة دعوتنا 6ـ وسماع وصيتنا

7 ـ وكتمان سريرتنا 8 ـ وصيانة كرامتنا 9ـ ومحبة إخوتنا

10 ـ ودوام صلتنا.

وأنا أزعم أن الأسرة التربوية لا يسد فراغها شيء، ونحن في مرحلة أحوج ما نكون إليها، وأنا أدعو الإخوان جميعًا ـ والأخوات كذلك ـ إلى أن يعضوا عليها بالنواجذ.

ومن أعظم فوائد الأسرة على الإطلاق أنها ترفع الأخوة من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات.

ونظام الأسر ـ كما أخبر الإمام البنا رحمه الله ـ في حياته أكبر ربح للدعوة، وفى موته أكبر خسارة لها، وهى أمل الإسلام والمسلمين اليوم.

فكن أخي الكريم .. أختي الكريمة : لبنة صالحة قوية في هذا النظام.

- استشهاده رحمه الله

يروي الدكتور ياسر أبو السعود اللحظات الأخيرة في حياة الداعية الشهيد سعيد الجزار في أثناء فض اعتصام رابعة، وكيف كان استشهاده فيقول: "كنت حاضرا عند استشهاد أخينا سعيد الجزار رحمه الله، وأحب أن أسجل شهادتي؛ كيف استشهد؟ في حدود الساعة الخامسة مساء كان إطلاق الرصاص على أشده من جهة شارع الطيران من ناحية البنزينة، والرصاص كالمطر، دخلت جرافة وكنت أنا ومجموعة من الشباب في مدخل العمارة التي بها بنك مصر، ودخلت الجرافة تزيح كل شيء أمامها من الجهة المقابلة لنا حتى تدخل بعدها المدرعة، وأمطر الشبابُ الجرافةَ بوابل من الحجارة، ولكن هيهات لم تؤخرها، أو تؤثر فيها من جهة الشارع الذي أمام البنك، وبجوار الجرافة كان هناك كتلة من حديد؛ سقالة عمارة تحت الإنشاء، تحصن بها الشباب، وأخذوا يقذفون المدرعات بالحجارة، ورأيت الشهيد ينطلق خلف هذا الحديد ينضم إلى بضعة شباب يرمي معهم الطوب علي المدرعة، تحت وابل كثيف جداً من النيران، فكانت الجرافة بجوارهم، والمدرعات أمامهم، والتفت الشهيد إلي الخلف ورفع يده عاليا بعلامة النصر يشجع من خلفه علي الانضمام إليهم، فجاءته رصاصة الغدر في بطنه، فسقط للتو، وأتى به الشباب ليصعدوا به إلى المستشفى الميداني، ولكنه فارق الحياة سريعا.

والله كانت شجاعة منه، وبطولة حيث كان هذا الجانب من الميدان الأشرس، وكان الرصاص ينهمر فيه كالمطر، رحم الله الشهيد رجل بمعني الكلمة ".

وما كاد خبر استشهاده يتطاير وسط إخوانه وأحبابه وزملائه وتلاميذه حتى سارعوا ليودعوا هذا الرجل الذي أحبهم، وشعروا بصدق محبته لهم، وليحملوا هذا الجسد الذي طالما سعى في خدمتهم وسهر على راحتهم، واكتظ المسجد والشوارع المحيطة به بالآلاف من أبناء شبرا الخيمة، الذين جاءوا لتشييع الشهيد الداعية هو والشهيد الشاب عطية رمضان، حيث أم الناس في صلاة الجنازة العلامة الدكتور\ منير جمعة حفظه الله، وعقب صلاة الجنازة عليه بمسجد الرحمن الكائن بشارع الملاح بعزبة عثمان بشبرا الخيمة حُمِل الراحل الكريم إلى جوار ربه؛ حيث تم دفنه بمقابر عائلته بقرية سنديون بمحافظة القليوبية، وحضر الجنازة جمعٌ كبير من إخوانه وأحبابه وزملائه وتلاميذه.

فيما تحدث على قبره العلامة الدكتور\ منير جمعة حفظه الله وانتهت مراسم الدفن بالدعاء للداعية الشهيد .

رحم الله الداعية الشهيد سعيد الجزار، ورفع درجاته في عليين مع النبيين