الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد

 

إن لله في خلقه شئونًا، و(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وله سبحانه سنن لا تتبدل ولا تتغير، ومن سننه فى الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، هو إمهال الظالمين المعتدين من أهل الزيغ والضلال والظلم والفجور، يمهلهم ولا يهملهم (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)، حتى إذا أخذهم  – بظلمهم واجرامهم واستكبارهم فى الأرض، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً)، يعني أخذة زائدة شديدة؛ لأنه سبحانه (عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) وهو سبحانه (سَرِيعُ الْحِسَابِ) وهو سبحانه (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، وأنه سبحانه (مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ).

 

وفي الوقت الذي تسري فيه سنته سبحانه وتعالى، وتتحقق مشيئته في الظالمين والمجرمين، نجدها أيضًا في عباده الصالحين وأولياءه المتقين الصابرين الثابتين، سنة باقية ومشيئة نافذة، فهو سبحانه يرعاهم ويحفظهم، ويمن عليهم، ويمكن لهم، طالما وثقوا فى ربهم، وتعلقت قلوبهم بمولاهم، وثبتوا على الحق وإن قل الناصر والمعين (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: 43).

 

والإمام الشهيد حسن البنا– رحمه الله– له في هذا الأمر بيان بليغ، ولا سيما في خواطره وتعليقاته على مقدمة سورة القصص، وهذا بيان بما ذكر:

 

وإنك لتقرأ الآية الكريمة في أول سورة القصص: (طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:1-6).

 

 تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته ويعتز بقوته، ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصر المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهار من أساسه، وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون.

 

 وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه؛ فمتى يتفقه المسلمون في كتاب الله؟

 

 لمثل هذا يا أخي وهو كثير في دين الله لم ييأس الإخوان المسلمون من أن ينزل نصر الله على هذه الأمم رغم ما يبدو أمامها من عقبات، وعلى ضوء هذا الأمل يعملون عمل الآمل المجد والله المستعان) (رسالة دعوتنا).

 

فأبشروا أيها الأحبة، وعلقوا القلوب بمولاكم، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، ولن يظل المستضعف في الله مستضعفًا أبد الدهر، فبعد الأذى والاستضعاف يأتي التأييد والتمكين، ولن يظل صوت الباطل عاليًا طول الوقت ما دام الحق موجود قائم، فبعد البغي والعلو والاستكبار سينالهم الخزي والشنار، والهلاك والصغار، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين