كان حدثًا لافتًا شغل الناس في الأيام الماضية حيث ضبطت السلطة الانقلابية طالبًا   أمام جامعة القاهرة، وعثرت بحوزته على رواية بعنوان 1984 للكاتب جورج أورويل، تتحدث عن الأنظمة الشمولية الفاسدة، التي تحكم البلاد بديكتاتورية، وكشكول مدون به عبارات تتحدث عن الخلافة الإسلامية وكيفية تطبيقها في البلاد.


 الطالب "محمد.ط"، 21 سنة، مقيم بدائرة قسم الوراق، وفي أثناء وجوده أمام الباب الرئيسي للجامعة، ضبطوا بحوزته الكتاب والكشكول وهاتفي محمول بدون بطارية، و3 "فلاشات"، و2 "ريدر"، و"هارد ديسك".

السلطة الانقلابية "تقفش" الشباب الذين تشتبه بهم في الأماكن العامة ومحطات السكة الحديد والمترو والأتوبيس والميكروباص، وتفتش حقائبهم وتستولي على هواتفهم المحمولة، ولا بأس أن تسمع بعد القبض عليهم أن هذه الهواتف تضم خططًا ومؤامرات لقلب نظام الحكم العسكري، وشارة رابعة وصورة محمد مرسي وشعارات داعش والغبراء وبيانات عبس وذبيان والإخواني المتصهين جورج أرويل صاحب المنشور السري الخطير- رواية 1984!.

وقد تمكنت مباحث الجيزة يوم 10/11/2014- أي بعد يومين من ضبط طالب الوراق- من ضبط طالب آخر يدعى أحمد . م 20 سنة، أمام جامعة القاهرة أيضًا، وعثرت بحوزته على "دبوس" مكتوب عليه "انتصارك بكرة جاي" يخص "طرحة حريمي". وتحرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة للتحقيقات.

يا مثبت العقل والدين!

النظام الذي يملك طائرات ودبابات ومدرعات ومدافع وجيوش جرارة يهتز ويترنح أمام رواية تُوزع في مصر منذ سنوات بعيدة ومن كشكول طالب فيه كلام عن الخلافة الإسلامية ودبوس حريمي مع طالب آخر.. هل نحن في حلم أو علم؟ هل السادة اللواءات والعمداء والعقداء الذين يحررون محاضر شرطة بمثل هذه الأشياء جادون فعلاً في حماية الناس وفهم معنى الأمن؟

 لقد سخر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، مما جرى للطالب الأول، ولا أعلم هل سيلتفتون لطالب الدبوس الحريمي، أم سيتجاهلونه أمام الذعر الذي أصاب السلطات العسكرية الانقلابية من كتاب الإخواني المتصهين جورج أورويل؟

لوحظ أن السادة مثقفي الحظيرة الذين يتصدرون المشهد الثقافي لم ينبسوا ببنت شفة، ولم يدافعوا عن رواية 1984، ولا المؤلف الذي كانوا يلوكون اسمه قبل الأكل وبعده فيما  مضى من أزمان.

لقد نصبوا حلقات الذكر، وتطوحوا مثل الدراويش وذابوا عشقًا في حلقات زار من أجل  ما يسمونه حرية الرأي وحق التعبير، وهتفوا بالروح والدم فداء لفيلم سافل شكلاً وموضوعًا اسمه "حلاوة روح" يعبر عن ثقافة الكرشة والسلخانة وتجارة الخردة، وقبل كتابة هذه السطور شاهدت قدرًا جزءًا منه على إحدى القنوات المعنية بإذاعة الأفلام، فسمعت فحش القول، ورأيت سوء السلوك، وشاهدت حياة منحطة لا تمت للمجتمع المصري بصلة! ومع ذلك وجد هذا الفيلم السافل الذي لا يمت إلى الفن بسبب دفاعًا غير مجيد من أعلام الحظيرة الثقافية ، وخدام الدولة العسكرية الدموية الفاشية!.

رواية عام 1984 التي تعالج موضوع الاستبداد في النظم الديكتاتورية لم تحظ بدفاع من يصدعون رءوسنا ليل نهار بحرية الفكر وحق التعبير، ودافعوا عن رواية منحطة كتبها شيوعي نصيري من سورية اسمها "وليمة لأعشاب البحر" تسب الذات الإلهية والأنبياء ، وتحدّوا الشعب المصري المسلم، ونشروها- وهي الرواية الساقطة فنيًّا- بماله الذي ينهبونه بالقانون ويهبرونه باللوائح!.

خدام العسكر من أهل الحظيرة الثقافية لزموا الصمت غير الجميل، وتجاهلوا المسألة، وجاء اتهام الطالب بانتمائه إلى الإخوان بردًا وسلامًا على قلوبهم السوداء، وكأنه ينقذهم من الفصام الذي يعيشونه ويمارسونه ولا يخجلون منه.

ولم يعدم الأمر من يدافع عن العسكر من خدام الحظيرة، ويشكك في المحضر الرسمي والحكاية بأسرها، تحت زعم أن العسكر لا يقرءون، وأنهم لا يفرقون بين جورج أورويل والحاج عبد العاطي إياه.

هل أصبح امتلاك كتاب وكشكول جريمة في فلسفة نظرية الدكر؟ هل نقول للعالم إن النموذج الأعلى للثقافة في بلادنا المنكوبة هو مستوى أمناء الشرطة وفقهاء السلطة؟

 قال طالب علي مواقع التواصل الاجتماعي: "مستغربين من القبض على طالب معاه رواية 1984، فرد أمن في مستشفى الطوارئ كان عاوز يبلغ عني عشان معايا مجلة الأزهر"!.

إذًا مصادرة الكتب والمجلات والكشاكيل اتجاه راسخ في نظام العسكر المعادي للعلم والبحث والجامعات، وهو نظام أحرجنا أمام العالم بمعالجة الأمراض المستعصية بما أطلق عليه "جهاز الكفتة".

على كل حال؛ فإن راية 1984 التي راجت عقب القبض على الطالب محمد .ط . تروج لأفكار من قبيل: "السلطة ليست وسيلة بل غاية، فالمرء لا يقيم حكمًا استبداديًّا لحماية الثورة، وإنما يشعل الثورة لإقامة حكم استبدادي، كلما ازداد الحزب قوة قلت درجة تسامحه، وكلما ضعف معارضو السلطة اشتدت قبضة الاستبداد والطغيان، من المستحيل أن تؤسس حضارة على الخوف والكراهية والقسوة".

ويتنبأ مؤلف الرواية التي صدرت في لندن في 8 يونيو 1949 بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبرى تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم، بل تحولهم إلى مجرد أرقام، محاولا إسقاط الأمر على الانظمة الاستبدادية، لا سيما العسكرية.

بطل الرواية اسمه وينستن سميث، موظف في وزارة الحقيقة أي صحفي، عمره 39 عاماً ، يراقبه رجال الشرطة ويراقبه جيرانه مع أنه ليس مجرمًا وليس ملاحقًا ولكن الرقابة سلوك تلقائي في مجتمع الاستبداد، لذلك يصبح سميث تحت عين أوبرين صديقه وعضو الحزب الذي يراقبه عن كثب.

ويصف جورج أورويل بشكل دقيق تحول القيم البشرية إلى أمور هامشية في ظل   سطوة حزب السلطة الشمولي ، وأيضا تحول الناس والشعوب إلى  مجرد أرقام هامشية بلا مشاعر ولا عواطف ولا طموحات أو آمال، حيث يعملون كالآلات خوفًا من الأخ الأكبر الذي يراقبهم على مدار الساعة.

وهنا نجد أن ألخدمات الأمنية للانقلاب معها حق في مصادرة الرواية مع أن أفراد هذه الخدمات لا يقرءون، فقد قرأ رئيسهم المثقف الأكبر اللواء بعضًا مما على الغلاف، وعرف أنها ضد الحكم العسكري فسجل ذلك في المحضر، ومنحها شهرة لم يصنعها نقاد الحظيرة من قبل، وزاد عليها، بحسب إخطار لمديرية الأمن، أن "كشكول" الطالب مدون به عبارات "تتحدث عن الخلافة الإسلامية وكيفية تطبيقها في البلاد"، وتلك حكاية أخرى!.