في خبر من سطرين نشرت صحيفة مسائية أوائل مايو 2014م نبأ رحيل ياسين الفيل. قالت الصحيفة: "توفي الشاعر الكبير ياسين الفيل بعد رحلة معاناة مع المرض، يعد الفيل من أهم شعراء جيل الستينيات". لم تزد الصحيفة على ذلك حرفا واحدا!

لم أقرأ الخبر في صحيفة أخرى أو موقع إلكتروني، فالرجل هناك يعيش بعيدا في قريته التي تقع في أعماق الريف بمحافظة البحيرة، وأجهزة الإعلام والصحافة تمارس نشاطها من العاصمة وتفضل أن يلاحقها من يعنيهم الأمر، وخاصة ممن يتصدرون المشهد الثقافي وتجمعهم علاقة العمل المشترك لصالح جماعة دون غيرها من الناس، ولو كان غيرها هذا أكثر كفاءة وأفضل موهبة، وأكثر ثقافة.

أردت أن أعزّي أسرته فاكتشفت أن رقم هاتفه لا يستجيب. اتصلت بمن أعرف بالقرب من قريته ليزوّدني  برقم آخر، أو برقم أحد أقاربه..  فأملى رقما لابنه الكبير "وحيد"؛ وللأسف فقد استمعت إلى أغنية شبابية في أثناء الاتصال وانتهت الأغنية ولم أتلق ردا. انتظرت أن يكلمني وحيد في وقت لاحق، ولكنه لم يفعل.

 العادة المتفشية الآن أن من يحمل هاتفا محمولا أو جوالا كما يسمى في بعض البلدان لا يرد إلا على من يسجل رقما لديه، أما الهاتف الغريب فلا يرد عليه مهما كانت الظروف.

لملمت إحباطي، وتذكرت أن كثيرا من الأبناء الشباب يتعاملون مع الأمور بمنطق "كبّر دماغك".. أي لا تهتم، في المقابل كان ياسين الفيل حساسا، واستجابته سريعة في السؤال عن أصدقائه والاهتمام بمعارفه، ومجاملتهم في الأفراح والمسرات والأحزان والآلام، كان مثالا للخلق السمح، والسلوك الراقي. وهو على كل حال من جيل مختلف!.

كنت على تواصل مع الرجل حتى العام الماضي، وجاءت الأحداث التي مرت بمصر مؤخرا فشغلتني عنه. قبل ذلك أحسست بمعاناته مع المتاعب الصحية والواقع الثقافي في آن واحد. كنا نتبادل الرسائل وأحيانا نتهاتف، فضلا عن تلاقينا في مناسبات شتى.  كان يعيش في قريته "دست الأشراف" بمركز كوم حمادة بعد إحالته على التقاعد قبل نحو ربع قرن، وزرته هناك وقضيت معه بعض الوقت.

كان إحساسه بالمظلومية والتجاهل من جانب القائمين على أمر الثقافة حادا، وخاصة في المحافظة التي ينتمي إليها كل منا وهي محافظة البحيرة. تعقد المؤتمرات والندوات المحلية المتعلقة بأدباء المحافظة أو قضايا أخرى؛ فلا يدعى ولا يذكر، وهو الذي كان في زمان بعيد يُذكر دائما مع أدباء القاهرة، ويُدعى معهم إلى المؤتمرات الداخلية والخارجية، ولكن قومنا الذي نعيش بين ظهرانيهم يصرون أن يكون النشاط الأدبي قاصرا على جماعتهم أو فريقهم الذي لا يتسامح مع غيره ولا يعترف به.

أسرّ إليّ بكثير من معاناته، ولكنه كان مترفّعا ومتعفّفا. لم يقف على باب مسؤول ثقافي، ولم يرج من إعلامي شيئا لنفسه. ولكنه كان قانعا راضيا أن قصائده وموضوعاته ترحب بها المجلات والصحف العربية من المحيط إلى الخليج؛ لأنها كانت صادرة عن صاحب قلم حقيقي وشاعر موهوب. وقد حصل على ست وثلاثين جائزة في الشعر, والأغنية, والنشيد, منها جائزة أحسن قصيدة لمسابقة مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري 1991م, وجائزة نادي أبها الأدبي 1995م.

لقد شاركت معه في عديد من المؤتمرات التي كانت تقيمها الجامعات وبعض الجهات الرسمية، فكان ودودا في معاملته رقيقا في مشاعره طيبا في سلوكه، ولذا حظي بمحبة جميع من عرفوه. وكنت أناديه وأكتب إليه: العم ياسين! فيشعر أنه قريب مني.

وكان يعيش بين أهله في دست الأشراف بسيطا وديعا، فهو واحد منهم، وكان يمازحني: الأفيال كثيرون، ولكنهم طيبون! في إشارة إلى أن عائلة الفيل تملأ القرية، ولكنهم لا يغترون بعددهم كما يحدث في بعض القرى. وهم بالفعل كذلك سواء منهم من يعيش داخل القرية أو استوطن القاهرة أو عاش خارج مصر.

ـ2ـ

ولد يس قطب إبراهيم الفيل عام 1927م في دست الأشراف بالبحيرة، وحصل على شهادة صلاحية التدريس 1956. وعمل كاتباً بمنطقة دمنهور التعليمية, وأحيل إلى المعاش 1987 وكيلا للعلاقات العامة.

 وتنوعت  كتاباته بين القصة والمسرحية والأغنية والنشيد والأوبريت والمقال, إلى جانب الشعر مجال موهبته الساطعة، حيث ترك مجموعة من الدواوين، منها: الميلاد وحكايات الخريف 1988م، توقيعات حادة على الناي القديم 1990م, من فرسان الشعر العربي (بالاشتراك) 1991م، أغنية بلا وطن 1993م،  أحزان الكمان 1999م، همسات الصدى، الأمل وأحلام النورس، والزحف على حد المستحيل، وصخب الأقنعة، والإبحار على سفن اليقين، وللعصافير أغني.

ويلاحظ أنه لم ينشر دواوين شعرية إلا بعد إحالته على التقاعد، ولعل ذلك يعود إلى بعده عن مركز النشر في العاصمة.

والرجل يفهم الشعر بمنطق العرب قديما، ولعله أقرب إلى مفهوم محمود سامي البارودي، حين يرى الشعر لحظة يصنعها الشعور، ووحيا خاصا يصدر عن الوجدان في لحظة من لحظات التفاعل بين الواقع والنفس البشرية، ويوضح ذلك في إجابة على سؤال من مجلة اليمامة – الرياض 27- 4 – 2010 بقوله: "القصيدة هتاف روحي يتصاعد نحو السماء، بكل ثورة الوجدان واتقاد العاطفة وبكل ما يمور في أعماق الشاعر، وبكل ما يختزنه الوعي في السراديب اللامرئية في النفس الإنسانية.

قد ينطلق هذا الهتاف استجابة لهزة نفسية تحدثها نظرة عابرة، أو تفجرها ذكريات غائرة.. أو مشهد يستدعي مشاهد مختزنة في قلب الشاعر.. وقد ينطلق هذا الهتاف دون موعد سابق، أو سبب واضح.. وهو في كل انطلاقاته لا يعترف بالقيود ولا يخضع للإرادة، وإنما هو يهبط من علٍ كالوحي تماماً.. فتعجز إرادتنا عن قهره أو إبعاده عنا.. قد يغزونا خاطر الشعر نياما، فلا نستطيع سوى الاستجابة له، ومن ثم تتضاعف معاناتنا سهداً وإرهاقاً.. سواء تدفق هذا الخاطر على الورق صوراً هلامية، أم انسكب أنغاماً واضحة الملامح، لتكملة المعالم نرددها مفاخرين.. وقد يتلبسنا ونحن بين الناس، فلا نستطيع له دفعاً.. وهو في كل حالاته يظل يرسل تياره الصاعق في قنوات التوصيل المهيأة لحمل الشحنة الكهربية، وتوجيه القدرة الإبداعية، حتى يتجسد على الورق كلمات، فيها من النحت دقته ومن الموسيقى قوالبها، ومن الرسم صوره وألوانه، ومن الرقص حركاته وإيقاعه.. وهكذا تجيء القصيدة ممزوجة بطبع الشاعر، مقرونة بمزاجه من خلال نظرته الخاصة التى تشمل كل ما يحيط به وما يتفاعل معه من كائنات في لغة موحية، بعيدة كل البعد عن نثر الحياة اليومية.

هذه هي القصيدة كما تجيء، وكما يكتبها الشاعر.. وحسبي أن أكون من هذه الكتيبة، التى أنا محسوبٌ عليها منسوب إليها".

ومن هذا المنطلق نجد شعر ياسين الفيل استجابة داخلية لمشاعره وعواطفه، وهي مشاعر وعواطف مشبعة بروح الثقافة الإسلامية ومعطياتها في نظرتها، وتصوراتها للذات والمجتمع والسياق العام للأمة، والتعامل مع العالم الخارجي.


ولاشك أن الشاعر ياسين الفيل يملك الأدوات والموهبة التي تمكنه من الاستجابة للتعبير الحي المجنح القوي، فهو يستوعب اللغة، ويقدر على تطويعها وصياغتها من خلال التصوير والتشخيص القريب السهل الذي ينقل ما يريده بدقة ووضوح وتأثير عميق.

دعنا نقرأ مقطعا من قصيدته "الله أكبر" على سبيل المثال لنرى فيها موهبة الشاعر تتجلى في التعبير عن إيمانه القوي بربه، وقدرته على تحقيق رجائه وإنصافه وإنقاذه ومساعدته عندما يطلب العون والنصرة: 

الله أكبر.. أطلقها .. لمن صالوا          تيها وكِبْرا.. وعن ركْب الهدى مالُوا

الله أكبر.. عند الكرب.. ما سكنت        أرض, أبت أن يسود الأرض محتال

الله أكبر.. أعلنها.. يُجبْك بها              شعب, على الظلم لم يهدأ له بال

وإنما هو مدّ الخطو.. في زمن                   سطا على الابن فيه العم والخال

الله أكبر.. شاء الله.. فاعتدلت            دنيا.. وطاب لها في الأفق ترحال

يا أمة الحب صوت الحب يوقظكم        في اليوم خمسا.. وصوت الحب فعال

فاستمْرِئوهُ خلاصا, يستقم أمل             في أرضكم لم يزل ترويه أجيال

إن التمسك بالإيمان يحفظكم              على الطريق.. وإن تمتد أهوال

كم باطل جار, واختلت قوادمه             زالت خطاه وأهل الأرض  ما زالوا

فاستنفروا لنداءات الهدى غدكم           إن الغد الحق.. بالإيمان.. يختال

القصيدة طويلة، وتتعدد مقاطعها، ويبدو فيها الشاعر مسيطرا على قافيته، ممسكا بالميزان الموسيقي دون خلل أو جنوح إلى النثرية. إنه ينشد شعرا يبدو سهلا بسيطا، ولكنه عميق محكم. صحيح أن الجملة الشعرية تبدو قريبة ومألوفة، ولكن الإمساك بها لا يتأتى إلا لشاعر موهوب. تأمل مثلا: "الله أكبر أعلنها يجبك بها شعب..."، فهي جملة بسيطة في جزئها: "الأول الله أكبر أعلنها"، وفعل الأمر هنا معتاد يقوله كثيرون، ولكن جواب الأمر هو جوهر الجملة وتميزها "يجبك بها شعب" من صفاته أنه ثائر على الظلم والطغيان والاحتلال.

وستجد بالإضافة إلى ذلك أن التكرار قد يتوهمه بعض القراء حشوا لا أهمية له، ولكن المتأمل في جملة الله أكبر يراها تضيف دلالة جديدة في كل مرة يستخدمها الشاعر. وإذا عرفنا أن جملة "الله أكبر" تمثل في الوجدان الإسلامي شعارا وعقيدة ورمزا وهتافا روحيا وعباديا يتكرر في حياة المسلم اليومية، فقد نجح الشاعر في توظيفه ضمن السياق العقدي والفكري ليكون طريق النجاة على المستويات كافة: الشخصية والاجتماعية والإنسانية؛ فهو اعتدال الميزان، وتصحيح الأوضاع، والإغاثة عند الكرب، وإنقاذ المظلومين، وصوت الحب الفعال، واستقامة الأمل، وحفظ الطريق، وإزالة الباطل... إلخ.

لا ريب أن ياسين الفيل حول شعار معركة العبور في رمضان 1393هـ/أكتوبر 1973م، إلى جملة شعرية فاعلة في قصيدته الطويلة، وصارت جملة "الله أكبر" تعبيرا عن ضمير الأمة الإسلامية الجمعي، وهي تواجه عدوا مدججا بأقوى الأسلحة وأشد عناصر الدمار فتكا وقتلا، فاستطاعت بمضمونها الإيماني أن تعوض القصور في السلاح، وتواجه العدو باستبسال فريد ونادر أسقط غرور الغزاة، وأبهج الأحرار في كل مكان، وفجّر عيون موسى ليفطر المقاتلون الصائمون، وأيقظ  الضمائر الميتة، وأثبت أن مواجهة الظالمين تُنهي امتهان العدل وتُرسّخ حقوق المظلومين.

- 3-

لقد كان ياسين الفيل على وعي بأهمية الشعر وطبيعته في الواقع الاجتماعي والإنساني، ولذا لم ينجرف وراء الموجات العبثية أو الضبابية التي اجتاحت الشعر العربي منذ نصف قرن مضى باسم الحداثة والتجديد، وتجاوز ما هو قائم من مستويات شعرية، وكان متنبها لأعراض الأزمة الشعرية التي وقع فيها الشعر العربي المعاصر بسبب مراهقات بعضهم، وسوء نوايا بعضهم الآخر.

وقد استطاع تشخيص الأزمة التي يمر بها الشعر العربي المعاصر تشخيصا واضحا في حديثه إلى مجلة اليمامة المشار إليه آنفا، فهذه الأزمة  حصاد خلل في معمارالفن الشعري وفي مضامينه بدعوى التجديد، بدأت منذ أكثر من نصف قرن، بغزو مقنع، لم يتدبر الأصلاءُ عواقبه، مما حدا بهذا الغزو إلى التوحش، فأطاح بكل الموروثات التي لا بد منها لإبداع شعري لا تذروه رياح الحداثة، التي لبست قناع التجديد بينما هي غزو لهذا الأمل الذي تلتف حوله الأمة منذ قرنين من الزمان... لقد نجح هذا الغزو في إغلاق الدائرة حولنا.

لقد نجح هذا «الغزو» بترويج الأفكار المبتذلة عن الضياع والوحدة وانهيار الحلم الإنساني، مما أعطى المشروعية للخلاص.. إمّا بالخروج من العالم هرباً... وإمّا بالشبق الحسي تجاه الصورة الموحدة للحبيبة النمطية.

إن هذا الجموح قد علّب الأخيلة، وحنط الإبداع، حتى لتبدو قصائد الحداثيين ممن انخدعوا بالحداثة، وكأنها محصلة جهد في التلخيص والتنسيق لقراءات سبقت، مما يؤكد الافتقار إلى التجارب الذاتية التي يقدم لنا الشاعر من خلالها العالم ودلالاته ومذاقه، بل يحدد مصير الإنسان فيه.

ويضاف إلى ما تقدم - كما يرى ياسين الفيل - تهميش دور الشعر، واستهانتنا بما يؤصله فينا من قيم وأخلاقيات، وعدم حرصنا على أن يحتل الشاعر مكانه، أو يحقق نجاحاً... مهما أجاد وأفاد وعانى.

ولعل هذا كان من وراء تركيز ياسين الفيل في معظم شعره على القضايا القومية والإسلامية وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس، فما أكثر ما غنى للمقاومة الفلسطينية وأبطالها المجهولين والمعلومين! وما أكثر ما بكى القدس! وما أكثر ما رفض الحلول الانهزامية! وما أكثر إشادته بالشهداء والصابرين! ويصوغ كل هذا في فن جميل يغزو القلوب والأفئدة بل يكون هتافا مخلصا لقضية المسلمين الأولى أعني القدس. لنقرأ مثلا قصيدته القصيرة التي كتبها على لسان الطفل الشهيد «محمد الدرة» بعنوان «مقتول يشكر قاتله». ونصها:

أيها القاتلُ:

شكرًا...

من قتيل

أنت لم تقهر عنادهْ...

أو تدري كيف...

يا رمز البلادة؟

حينما استهدفتني صيدًا

به تختالُ

في حرب الإبادة

أنت لم تقْتلْ

- وإن أسرفتَ -

بعضًا من إرادة..

إنما أنتَ

بهذا الغدرِ

قد ألبستني

ثوب الشهادة.

إن الجملة الإخبارية التي يختم بها القصيدة تؤكد على الموروث العقدي والجهادي لدى أمتنا وهي تواجه عدوها، وتصبر وتصابر حتى تحقق النصر الموعود بمشيئة الله. ثم إن هذه الجملة تنهي حوارا من جانب واحد  يجريه الشهيد مع قاتله، يفحمه ويؤكد له أنه لم يقهر إرادته، وأنه حين قتله لم ينتزع إرادته.

 ويبدو أن الشهيد كان رقيقا حين وصف القاتل بالبلادة، فالقاتل الصهيوني ليس بليدا بقدر ما هو متوحش ودموي وفاشي، وهو على وعي حاد بمهمته الإجرامية، ولكنه تجرد من الإنسانية والأخلاق والإحساس البشري!. 

ـ4ـ

  وإذا كان ياسين الفيل يركز على القضايا العامة ويبذل لها معظم قريضه، وقد يضطره ذلك إلى أن تكون نبرته عالية في بعض الأحيان تصل إلى حد الصراخ؛ كما نرى في بعض قصائده من أجل فلسطين مثلا، فإنه يتجاوز ذلك في عديد من الأحيان إلى البناء الرمزي الهادئ العميق الذي يجوس في أعماق النفس الإنسانية  ويحتاج تفسيره إلى شيء من الصبر والتأمل.

وله قصيدة رمزية خالصة من أرقى الشعر فكرًا وتصويرًا وتعبيرًا، لأنها ذات ملامح جديدة رائعة، وعنوان القصيدة «اختراق» وأبياتها تقول:

ما أيسر أن

أمشي بجنازةِ قبَّرةٍ

لا أرثيها

أبكيها.. أو لا أبكيها

لكني.. حين أناجيها

وأقضّ مضاجع قاتلها
فأنا بالهمة أحْييها
وأعيد إلى العش المقرور
بقايا دفء
مال به صمت الأكفان
ثرثرتي عنها،
دمدمتي،
توقظها،
منى تدْنيها
تتحرك بين الأغصان
وتعود لمن ألِفَ النجوى
طيرًا.. أبديًا
فوق العش يحلق
مخترقا
صمت الجدران
ليغني..
أغنية ثكْلى
تجتاز فَنَاء الإنسان.
إن القصيدة تحمل نبضا إنسانيا يناغي وترا حساسا في مشاهد الحياة التي يحلم بها الإنسان في كل زمان ومكان، وهو التعاطف والألفة والتناغم والدفء، وتجاوز الوحشة والوحشية.
ومن خلال البناء الفني لقصة هذا الطائرالذي قتله مخلوق متوحش نجد الشاعر بمرثيته له فيقض مضاجع القاتل، ويعيد الدفء إلى العش البارد، ويحيي الطائر القتيل، ويحوله إلى طائر أسطوري لا يموت! وكأنه يقول للقاتل: لن تستطيع أن تنال بوحشيتك من تغريد الطائر، أو الإنسان الذي لن يفقد إنسانيته أمام الوحشية حتى لو قتلته وواريته التراب.
شعر ياسين الفيل في مجموعه شعر إنساني، يفيض إنسانية نابعة من الإيمان والقيم العليا التي رسختها الثقافة الإسلامية، وأكدتها حضارة عربية عريقة تغني للإنسان في كل مكان، وتمنحه دفء الحياة الفطرية الجميلة التي فطر الله الناس عليها.
إذا قاومتُ ضعفي وانتصرتُ
بما تيسر لي...
أقمتُ عماد بنياني
على ثقتي وإيماني
وحسبي أن أعيش العمرَ
يا ألله...
منتصرًا... بإيماني.
***