كيف وصلت مصر إلى هذا الحد من احتقار الحياة وكراهية الإنسانية؟!! بعد مسلسلات القتل اليومي على الهوية السياسية الذي تنتهجه سلطة 30 يونيو الإرهابية، مازالت مصر تدخل وبسرعة إلى نفق طويل ومظلم، يصمم عبد الفتاح السيسي أن يكون كارثيًَّا ومروعًا. عشرات من مشجعي كرة القدم قضوا، دون سبب أو مبرر إلا لأن النظام وآلته القمعية قرروا قتل الشباب، انتقامًا للقوة الأساسية التي قامت بثورة يناير، المغدورة في 30 يونيو.


كل الدلائل والشواهد في صفحة الحوادث الكبيرة، المسماة مصر، تؤكد أن المشرحة تتسع يومًا عن آخر، في مشهد مروع للقتل، أعاده عسكريون فشلة تحالفوا مع تيارات وقوى سياسية، اعتقدت أن السياسية ماخور، لا يصلح فيه إلا العهر والقوادة.


فجأة وبدون سابق إنذار تحول أولئك المتباكون في مشاهد مصطنعة، على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وأعطوا دروسًا مزيفة في الإنسانية، أيدوا وبرروا المقتلة التي يديرها الداعشي الأكبر عبد الفتاح السيسي في مصر. المشاهدون أنفسهم لقنوات دعاية النظام، تعجبوا من وقاحة وصلف أولئك المرتزقة الذين كانوا يبكون بالأمس على طيار ليس من بني جلدتهم، بينما رقصوا وهاجموا عشرات الضحايا من شباب وطنهم.


صفحة الحوادث الممتدة بفعل مجرمي نظام وحشي مستمر منذ انقلاب يوليو 1952، تتراكم أخبارها يوميًّا، فلا القارئ بات قادرًا على الاستيعاب وإكمال القراءة، ولا المحلل قادر على الرقابة والمتابعة، فكل ما هنالك مقتلة تقودها سلطة هوجاء تتصرف برعونة وبلا عقل أكثر من أي وقت مضى.


الأكثر وجعًا في حادث مقتل مشجعي كرة، لا علاقة لهم بالسياسة، ولا بالشأن العام الدائر، أنهم، وكثير منهم التقطت له صور وهو يؤيد قائد الانقلاب الدموي، سرعان ما باعتهم وتخلت عنهم أبواق السلطة، فتارة هم إرهابيون من أنصار حازم صلاح أبواسماعيل وأخرى، ليسوا شهداء، لأنهم همج بلا أخلاق أرادوا حضور مباراة كرة قدم بدون تذاكر، وفي مصر إذا لم تكن معك تذكرة بعدة جنيهات فإن القتل جزاءك، وإذا كنت طفلاً سرقت خمسة أرغفة خبز بجنيه، فإن جزاءك السجن عامًا، وهي واقعة حقيقية حدثت قبل أشهر قليلة في مصر، في صعيد مصر.


تحول الواقع المصري ليوميات انحطاط وكآبة، شيء مفزع، الأكثر منه فزعًا هو استمرار الفعل واستغلال قطاع، رغم أنه ينفض شيئًا فشيئًا من حول هذه السلطة، إلا أنه لازال يصدق رواياتها كما تقال حتى ولو كانت ضد العقل والمنطق.


السلطة المحاصرة في مصر بعد فضيحة التسريبات المتتالية لقائد الانقلاب ورفاقه، تغرق يومًا عن آخر في وحل الجرائم ومستنقع البؤس الذي أرادته للمصريين، مذبحة كبرى لمشجعي نادي الزمالك، كانت مطلوبة للتغطية على فضيحة قد تبعد الكفيل الخليجي عن عامله المصري، بعد أن اتضحت خسة ودناءة التفكير، وخيانة الكفيل بعد خيانة الرئيس.


ولما كان الانقلاب يعول كثيرًا على مؤتمر اقتصادي، لبيع مصر، الشهر المقبل، فإن كل ذلك بات مهددًا بالضياع، إذ لا أمل في أفق سلطة هشة لم تنجز في مدة قاربت العامين، أي شيء يذكر، سوى سجل حافل بالجرائم، وأرشيف متخم بالفظائع.


العالم الآن بات يدرك مخاطر دعم مثل هذه السلطة، فالتسريب الذي أهينت فيه دول الخليج الكفيلة والراعية للانقلاب، مؤكد بالفعل أنه سيؤثر حتى وإن لم يبدو ذلك جليًّا أو مرئيًّا، وحتى لو اعتذر السيسي لملك السعودية وأمير الكويت، فكل الردود التي جاءت من حكام هذه الدول بأن هناك التزامًا من قبلهم تجاه دعم مصر، ليس سوى كلام دبلوماسي يقال في كل المحافل.


وبصورة عامة، ليس في الإمكان أبدع مما كان، فالحكم السعودي الجديد لن يكون على مستوى التأييد والدعم لنظام الانقلاب في مصر، كما كان في عهد الملك الراحل، فإما أن يظل كما هو أو يقل أو يتغير تمامًا، واحتمال أن يظل كما هو، فان استبعادها كفرضية، أمر مبرر، بسبب تغير الظروف وسيطة الحوثيين على اليمن، وفشل الانقلاب حتى الآن في أي إنجاز بينما تتزايد حدة الفعل الثوري ضده في الشارع المصري.


اللافت للنظر أن هناك دورًا مصريًّا في دعم الانقلاب الحوثي على اليمن، وبتتبع خيط رفيع، مفاده أن السفير المصري في اليمن استقبل وفدًا حوثيًّا لبحث الوضع اليمني والتعرف عليه. خبر كهذا لن يمر مرور الكرام من دول الخليج، فهذه الدول نفسها التي دعمت وبقوة الانقلاب الحوثي، الشيعي، على الثورة اليمنية، بدأت تستشعر مخاطره، وستلتفت بالتأكيد لمحاولات عاملها الضعيف في مصر، محاولة لعب دور في جنوب شبه الجزيرة العربية، مثل دوره الإجرامي في ليبيا والانقلاب على ثورتها.