بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾

من قلوب مؤمنة بحتمية انتصار الحق، وعودة الحقوق السليبة لأهلها مهما طال الزمن، يسعدنا أن نتقدم للبنان- كل لبنان- بخالص التهاني بنصر الله له على الصهاينة البغاة الغاصبين.

 

نتقدم للبنان الرئيس، إميل لحود، رمز الممانعة والانحياز للمقاومة والحفاظ على سلاحها.
ولبنان الحكومة، ورئيسها السيد فؤاد السنيورة، الذي قادَها بمنتهى الحِكمة والمهارة والوطنية وتقديم الصالح العام على المواقف السياسية.

 

ولبنان المجلس التشريعي، ورئيسه السيد نبيه برِّي، الذي كان لحكمته وحنكته الدورُ الأكبرُ في حَسْمِ كثيرٍ من المواقف وتأليف كثيرٍ من القلوب حول المقاومة.

 

ولبنان الشعب العربي الأبيّ، بكل طوائفه وأطيافه السياسية، الذي أكَّد بصمودِه وتضحياتِه وتكامله وتكافله، أكد حقائقَ على أرض الواقع كان يعدُّها المهزومون نفسيًّا من حكامنا المستسلمين أوهامًا ومستحيلاتٍ، وبدَّد أوهامًا كان يظنُّها هؤلاء الحكام حقائقَ ثابتاتٍ، هذا الشعبُ، القليلُ العدد، الضعيفُ العُدَد، رفَعَ رؤوس العرب جميعًا بعد طول خفض، وأعاد إليهم العزةَ والشرفَ بعد طويل امتهان، وأكد أن الأمةَ- بعون الله- قادرةٌ على فعل الكثير والتصدِّي لمخطَّطات التمزيق والتفكيك والإضعاف والإفقار والتجهيل والاستتباع والتذييل، إن هي لجأت إلى ربِّها، ووثقت في نفسها، وتصالحت وتعاونت وتوحَّدت فيما بينها، شعوبًا وحكامًا.

 

ولبنان المقاومة الباسلة الشريفة، وعلى رأسها قائدها السيد حسن نصر الله، هذه المقاومة التي تسلَّحت بالإيمان وحب الشهادة، والتدريب الراقي، وأقصى ما في الاستطاعة من قوة السلاح والتكنولوجيا، هنيئًا لهم هذا النصر الكبير، هنيئًا لكل شهيد فاز بالشهادة.. ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هنيئًا لأُسَرِ الشهداء، هنيئًا للجنود المنتصرين وكل الرجال والنساء بل والأطفال الذين ضحَّوا بديارهم وأمنهم وأموالهم في سبيل الله ليُحيوا المعاني العظيمة التي أراد لها الأمريكان والصهاينة وأذنابهم أن تموت.

 

وأول هذه المعاني معنى العزة والكرامة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ هذا المعنى الذي علمتنا إياه امرأةٌ من الجيل الأول حينما قالت لولدها "والله يا بني لضربةُ بسيفٍ في عزٍّ خيرٌ من ضربةٍ بسوطٍ في ذلٍّ".

 

والمعنى الثاني أن الحرية قيمةٌ غاليةٌ تستحق التضحية والفداء، وكم تعلمنا ونحن صغار أن "حريتك أثمن من حياتك" وردَّدنا مع أمير الشعراء شوقي يرحمه الله قوله:

وللحرية الحمراء باب   بكل يدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدقُّ

والمعنى الثالث أن النصر لا بدَّ له من ضريبة، وضريبته هي الصبر، والصبر هو حبس النفس على ما تكره من قتال وتضحية وفقدٍ للأحبة والممتلكات، وفي هذا جاء في الحديث الشريف: "وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا" وأن النصر من الله مرهونٌ بنصر الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

 

ورغم فرحنا بهذا النصر إلا أن قلقَنا عليه وعلى المقاومة وعلى لبنان كبير، ومبعث قلقنا على النصر أن يُسرَق، يُسرَق في المحافل الدولية الظالمة الجائرة المنحازة للصهاينة، والتي تتحكَّم فيها دولة الإرهاب العظمى الولايات المتحدة الأمريكية، فهي التي شلَّت حركة مجلس الأمن أن يتخذ قرارًا بإيقاف الحرب فور نشوبها، وظلت تكبِّله أسبوعًا بعد أسبوع لتُتيح للجيش الصهيوني القضاء على قوات حزب الله، حتى إذا أيقنت بهزيمة ربيبتها أعدَّت مشروعًا غايةً في السوء تُحقِّق به سياسيًّا ما عجزت عن تحقيقه عسكريًّا ثم اضطُّرَّت لتعديله تحت ضغط الواقع على الأرض، وحتى هذا الأخير جاء منحازًا للصهاينة على حساب لبنان، ومن ثمَّ فنحن نُحذِّر مع التعاطي معه وفق التفسيرات الصهيو أمريكية؛ لأن ذلك معناه ببساطة سرقة النصر من المنتصرين.

 

وقلقنا على المقاومة وعلى لبنان من أمرين:

الأول: وهو الخلاف الداخلي على شرعية المقاومة وحول سلاحها، هذا الخلاف الذي من شأنه أن يهيل التراب على بريق النصر، ويوغر صدور كل من أسهم فيه ومن فرح به من سائر الطوائف اللبنانية ومن العرب، الأمر الذي يهدد الداخل بفتنة أهلية ويهدد الشعب العربي بإحباط نفسي، ومن ثم فإننا نناشد سائر القادة السياسيين اللبنانيين الحكمةَ والتعقُّلَ والصبرَ والحوارَ للوصول إلى إجماع وطني يوحِّد الدولة ويقوِّي جيشها ويستعيد حقوقها.

 

أما الأمر الثاني: فهو غدر العدو الذي يلعق جراحه وينعى هيبته وكرامته المهدرة، ويتطلع لاستعادة صورته التي كانت تثير الفزع في نفوس الحكام العرب، فتدفعهم للخنوع والامتثال، فلا ريبَ أنه يطمح للثأر، وهذا يدعو لليقظة والانتباه ومزيد من التسلح والتدريب والتجنيد والاستعداد ووحدة الصف.

 

وإذا كان لنا أن نذكِّر الحكام بشيء فإنما نذكِّرهم بأن مشروع الشرق الأوسط الجديد إنما هو خرابٌ عليهم وعلينا وعلى المنطقة بأسرها، ولا بد من التصدي له، وقد ثبت أن الشعوب لا تُهزم، وأن فكرة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر إنما هي خرافة ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وأن الكلام عن السلام الصهيوني إنما هو فرضٌ للذل والاستسلام، ولذلك فنحن ندعوكم إلى العودة لأحضان شعوبكم والاستقواء بها، وأن تعيدوا إليها حريتَها وتسيروا فيها سيرةَ العدل والحق والإصلاح، ثم تتَّحدوا فيما بينكم، وعندئذ لن تستطيع قوة مهما كانت أن تنال منكم ولا منا.

 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾

الإخوان المسلمون

القاهرة في: 25 من رجب 1427هـ= الموافق 19 من أغسطس 2006م