أغلى ما تعلمناه في مدرسة الإخوان المسلمين وسلوك أفرادها وقادتها المخلصين، عدم الخوض في مساجلات ومهاترات ليس من ورائها طائل إلا إهدار الأوقات، فيما لا يعود على الأخ بفائدة تعود عليه بالنفع فى دينه ودنياه.

وقد أحزننى كثيرا ما أثير من لغط إعلامي، على مواقع الواصل الاجتماعى، في الفترة الأخيرة. فقد رسم لنا القرآن المسلك الذى يجب علينا وُلوجه عندما تثار شائعة أو شبهة أو ما شابه ذلك، كما قال تعالي: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ” ( النساء – 83 )، وهو الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أولى الأمر، ليحصل على التفسير الأوفق للأمر المطروح.

قال ابن كثير رحمه الله: إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).

لكن البعض يتعامل مع الأمور باستخفاف عبر وسائل التواصل الاجتماعى، مظنة أنها وسيلة ناجعة لاستقاء المعلومة، مع علمه بأن طرحها بهذه الصورة ليس من النجاعة فى شيء، وهو بذلك يفسد أكثر مما يصلح؛ لأننا في صف الإخوان نستمد أفكارنا ومبادئنا ومنهاج حياتنا من الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعتمد على التربية التي تحيي الضمائر، وتقوي مراقبة الله تعالى، وتزكي النفوس، وتدفعها للتعاون على البر والتقوى، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

ناهيك عن أن أهم ما يميز الصف الإخواني، فضلا عن الفهم الصحيح والشامل للإسلام منهجا وسلوكا، هو الأخلاق الفاضلة، امتثالاً لحديث النبي- صلى الله عليه وسلم– الذى يقول فيه “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وأنه صلى الله عليه وسلم “كان خلقه القرآن”. مع ضرورة تقديم النصح مع الالتزام بالآداب الشرعية للنصيحة، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم “.

ومما زاد من حيرتى وأسفى، أنّى لهؤلاء نسيان المبادئ والثوابت والمفاهيم، التى يقوم عليها فهم وعمل الجماعة، ومن أبرز هذه القيم والمبادئ، الالتزام بالمؤسسية والشورى وإرجاع الأمر لهذه المؤسسات. فهي صاحبة الحق فى تجلية الأمر واستيضاحه، والتأكد منه، ومحاسبة من ثبت تجاوزه لهذه الآليات، بعيدا عن الوقوع في أية مخالفات شرعية- غيبة أو نميمة أو ما شابه ذلك- مع تجنب الهوى أثناء الخلاف وحرمة اتهام اﻷعراض بغير دليل، وهي من أشد أسباب فساد ذات البين، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ. وفى رواية: هِيَ الحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ..

إن حادث الإفك ليس اتهاما فقط بالفاحشة وإنما معركة أرادها المنافقون بهدف إصابة الرسالة، وللأسف استجاب لها بعض المسلمين عن جهل أو دون وعي أو تغييب أو حتى حسن ظن بمن أطلقها دون أن يحسن الظن في إخوانه. فقد أكدت هذه المحنة (حادثة الإفك) على عدة أمور:

وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها، حتى لا يقع الإنسان فريسة للكذب والظلم، ويكون سببا في نشر الإشاعات والفواحش، قال تعالى: { وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } (النور:16.(

يجب أن يكون لنا موقف حيال الشائعات التى تثار من وقت لآخر للنيل من الجماعة ورموزها وثوابتها ومبادئها، بالتحذير الشديد من خطورة الشائعة، وترويجها بين الناس، خصوصا في ما يتعلق بالحياة الخاصة للأفراد، وتتبع العورات، لذا كان من الضروري التثبت والتبيّن قبل تصديق أي إشاعة.

أن من ابتلى بشيء من هذا، فالإسلام فتح المجال والباب على مصراعيه للتوبة، والدعوة للصفح والعفو، وقد تجلى ذلك في موقف النبى صلى الله عليه وسلم، عندما خاطب عائشة بقوله: “أما بعد، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيُبرِئُك الله، وإن كنت ألمَمْتِ بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبٍ ثم تابَ تابَ اللهُ عليه”.

الاعتراف بالجميل لذوي السبق والأيادي البيضاء إن حصل منهم ما ينافي المروءة، وقد تجلى ذلك في قول عائشة رضي الله عنها لأمّ مسطح حين عثرت في مرطها وقالت: تعس مسطح؛ قالت لها: بئس ما قلتِ، أتسبين رجلا قد شهد بدرًا؟ فكونه شهد بدرا يعطيه حصانة معيّنة، ليس في مخالفة القانون، فقد أقيم عليه حد القذف، لكن شهوده بدراً يمنع الحديث عنه كباقي المتهمين.

احتقار النفس، واتهامها بالتقصير في جنب الله، تأديبا لها وطلبا لترقيتها في مدارج الكمالات أمر واجب، فتزكية الإنسان لنفسه من الرعونات، فهذه عائشة الصديقة بنت الصديق- رضى الله عنها- ومناقبها معروفة تقول:” والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيٌ يُتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيَّ بوحيٍ يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يُبرئني الله بها”

لقد كانت حادثة الإفك حلقة من سلسلة حلقات الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضل الله ورحمته أن كشف زيفها وبطلانها، وأبقى دروسها وفوائدها، لتكون عبرة وعظة للأمة كما قال الله تعالى: { لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (النور: من الآية 11).

فهلا أخذنا الدرس من حادثة الإفك، فى كشف ما يحاك للجماعة وللصف من مؤامرات، لتفتيتها وتمزيقها، بزعم الفشل فى إدارة المرحلة، أو نسبة التصرفات المشينة لقيادتها، ونعتها بحب الكرسي والتشبث به، وأنها قيادات متكلسة طاعنة فى السن، لا تتجاوب ولا تساير متطلبات التطوير والتكيف مع لغة العصر، وأنهكتها الأمراض المزمنة، وأنها شاخت وغير قادرة على إدارة الجماعة.