كانا شريكين -قبل عشرين سنة- فى عمر الشباب الطامح الفتى، وكانا على قدر معقول من الالتزام الدينى؛ أما أحدهما فسعى لأداء الفريضة، وقدمها على مشاريعه الاقتصادية، فيسرها الله له، وسعد وقتها أيما سعادة أن أكمل أركان دينه وهو فى عافيته وقدرته. أما الآخر فلم يعتبر لشريكه، ولم يستمع لنصائحه، وركن إلى التسويف والإرجاء، رغم ما جمع من مال وعقارات، وقد علّم الأبناء وزوَّجهم، ولم يؤد الفريضة إلى الآن، فإن سأله سائل: لِمَ لَمْ تؤدها قال: أخشى الحر والجهد ولم تعد لى مقدرة صحية.
 هذه حالة من حالات الاستهانة بفريضة الحج؛  فينقضى العمر -رغم الاستطاعة- ولا تؤدَّى، والأعذار واهية، والإثم عظيم، وشتان بين من يعانى شوق الذهاب لأداء المناسك ويدعو الله التيسير، ومن يتجاهل الركن الخامس من أركان الإسلام بدعاوى لا وزن لها؛ لئلا يضحى بمال أو جهد، ولو تيقن أن الحج والعمرة ينفيان الفقر لسارع لتكرارهما عامًا بعد آخر، وهو من أحب العقار والطين. 
وأنت تقرأ هذه السطور يكون حُجَّاجُ هذا الموسم قد سافروا إلى الأراضى المقدسة استعدادًا لأداء شعائر الفريضة التى تبدأ بعد أيام، من ثم لا فرصة أمام من لم يتجهز فى وقت مبكر للحاق بهم، إنما أردنا التذكير الآن فى وقت يكثر فيه الحديث عن الحج، وحولنا الحجاج فى زينتهم؛ لعل الله يشرح بها قلوبًا غافلة، وعقولاً لاهية فيتم الاستعداد للفريضة من قابل.. ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. 
والنبى صلى الله عليه وسلم -وهم أعلم الناس بأمته- قد عالج هذا المرض فى نفوس الأشحاء والكسالى، فقال: «أيها الناس حجوا قبل ألا تحجوا»؛ أى حجوا حال الاستطاعة قبل أن تُعدموا هذه الاستطاعة، فاليوم يسر وأمن ومقدرة، ولا نعلم غدًا ماذا سيكون الحال. ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليبادر؛ فإنه قد يمرض المريض وتأتى الحاجة وتضل الراحة»، وهذا أيضًا يؤكد المبادرة، أى المسارعة فى الحج خوفًا من تعسر الأسباب وانعدام الاستطاعة فتضيع الفرصة على المسلم. 
ولا حُجَّةَ لقادر فى الامتناع عن الأداء أو التسويف. والقدرة أو (الاستطاعة) كما قال العلماء هى: الزاد والراحلة والسبيل السابلة (أى الأمن على النفس). وذلك فى تفسير الآية (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) [آل عمران: 97]، وقالوا قد يؤخر المسلم الفريضة -كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم- لعارض وفى نيته الأداء فى الموسم المقبل، وفى نفسه الشوق لتعظيم شعيرة الله، لكن لا يماطل ويختلق المعاذير لتضييعها. 
وقد سار الخلفاء الراشدون -ـرضى الله عنهم- على نهج النبى صلى الله عليه وسلم فى الحث على الحج، والتخويف من تعطيله بسلوك الكسالى العاجزين، فهذا عمر الفاروق رضى الله عنه يقول: «لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هؤلاء الأمصار فلينظروا من فيهم ممن استطاع الحج فلم يحج فليفرضوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين»، وعلى -كرم الله وجهه- يقول: «من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا، فقد قال الله (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) » [آل عمران: 97]. 
كلنا قرأ حديث أركان الإسلام «بنى الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت». لكن هناك من أسقط آخر ركن «الحج» بالإهمال والتسويف، وهؤلاء عليهم وزر كبير أرجو الله أن يشرح صدورهم للتوبة منه، فقد سُئل الشيخ (بن باز) عن هؤلاء فقال: «من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكرًا عظيمًا ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله والبدار بالحج». 
أما تبيان الفريضة ووجوبها وفوائدها فموكول للسادة الدعاة؛ إذ عليم واجب التعليم والتذكير، وأن يقولوا ما قال النبى صلى الله عليه وسلم فيها: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، وأن يسوقوا القصص والأمثلة التى تحبب الناس فى الفريضة والمسارعة إليها، وهناك العديد من الشواهد لمسلمين صدقوا الله فصدقهم، وقد هيأ الله لهم الحج فحجوا ولم يكونوا يملكون مالاً ولا راحلة، غير أن فى قلوبهم إخلاصًا وشوقًا ذللا لهم كل صعب، و(بقدر الكدّ تكتسب المعالى... ومن طلب العلا سهر الليالى). كل عام وأنتم بخير.